طفلة ولدت من جريمة اغتصاب تروي حكايتها
أمام جمهورٍ غفيرٍ في مسرح بسراييفو تصف، آينا جوسيتش، أول طفلة تم تسجيلها، مولودة من اغتصاب خلال حرب البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، التمييز والتنمر اللذين تعرضت لهما بصفتها طفلة غير معروفة الأب، إذْ توصَف أمّها، دومًا، بأنها "عاهرة" في مجتمع ذكوري.
وبعد قرابة ربع قرنٍ من الحرب المدمرة التي قُتِل فيها نحو مائة ألف بوسني، لا تزالُ قصصُ الأطفال، المولودين من الاغتصاب خلال الحرب، غامضةً بسبب وصمة العار التي تلاحق عادةً ضحايا الاغتصاب، إذْ تمَّ إخفاء أصول الأطفال عنهم حتَّى.
ووفقاً لأبحاث بعض المنظمات غير الحكومية، هناك اعتقاد بأنَّ ما بين 25 ألفاً و50 ألف امرأة وفتاة، اغتصبهنَّ جنود العدو خلال حرب البوسنة. ولا أحد يعرف عن يقين عدد الأطفال الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب.
وتقولُ آينا خلال عرض مسرحية "باسم الأب"، وهي إنتاجٌ نمساوي بوسنيٌّ مُشترك: "أعتقد أن أمّي كرهتني لأنّي كنت أكبر تجربة مُروّعة في حياتها".
وبعض من اغتصبن كُنَّ ضحايا جنود أجانب ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ووصفت محكمة جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة الاغتصاب بأنه "وسيلة حرب".
أحدُ الجنود اغتصب والدة آينا عام 1993 في بلدة صغيرة في وسط البوسنة. وأرسلها والداها إلى ملجأ لضحايا العنف الجنسي خلال الحرب لتضع مولودتها. وهناك سُجِّلت آينا بصفتها طفلة مولودة من اغتصاب. ولا تريد آينا البوسنية المسلمة أن تكشف عن الخلفية العرقية لوالدها. وقالت لـ"رويترز": "ليست هناك شعوب سيئة، هناك فحسب أفراد سيئون".
واليوم تترأس آينا رابطة "أطفال الحرب المنسيين" التي أسِّسَت خصيصاً لمساعدة الأطفال المولودين من الاغتصاب، وقالت: "نحاول إظهار أنَّ الاغتصاب صدمةٌ للجميع، ولا يمكن النظر إليه بعيون عرقية".
وصار الأطفال المولودون من الاغتصاب، والذين أودِع معظمهم في دور الأيتام، "مشكلة اجتماعيَّة"، حيث أخفيت عنهم أسماء آبائهم، ويُعرَفون في البوسنة بـ"الأطفال غير المرئيين".
وفي المسرحية تسمع أصوات الأطفال غير المرئيين من مكبرات صوت، بينما يعبّر راقصون عن مشاعر الخوف والصمت المفروض عليهم، والعار والذنب والألم. وتحكي المسرحيَّة قصة عن طفل، والده جندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
ويقول، داريل طولون، مخرج المسرحية: "إنهم بحاجة إلى أن يكسروا جدار الصمت ويتّخذوا مكاناً في المجتمع". ويضيف: "نحن نستخدم الجمال لتجاوز قبح الوضع".
واكتشفَت آينا (26 عاماً) حقيقة أصولها في سن الـ 15 عاماً، واحتفظَت بالسر لنفسها لمدة تسعة أشهر، قبل أن تكشفه لأسرتها وأصدقائها. وسبقَته سنواتٌ من العلاج النفسي.
وتغيرت حياتها عام 2015، عندما انضمَّت إلى رابطة "أطفال الحرب المنسيين" التي ساعدتها على مواجهة صدمتها، والبحث عن آخرين ولدوا من الاغتصاب، وأن تجد الطريقة التي تخاطب بها المجتمع عبر أشكال فنية متنوعة. وأشارت لـ"رويترز": "كانت هناك حاجةٌ لأعرف أنني لستُ وحدي". وأضافت: "لكنَّ وضع الوصمة للمغتصبات في مجتمعنا يجعلُ من الصعب الوصول إلى هؤلاء الأطفال، لأنّ الأمهات غير مستعدات في الأغلب للإعلان عن صدمتهن".
وقالت آينا إن الفن ساعد الرابطة التي تترأسها على إقامة اتصال مباشر مع المجتمع. وببطء بدأت أيضاً معالجة محنة الاغتصاب.
وفي وقت سابق من العام الحالي، أمرت الأمم المتحدة البوسنة بتعويض بوسنية مسلمة اغتصبها جندي صربي بوسني خلال الحرب، وأن تضع خطة لإصلاح ما أفسدته جرائم الحرب.