رمضان وقهر الفقراء

رمضان اليوم يقف ملوحا لنا بيديه مودعا أهل الأرض جميعا، راجيا أن يعود في العام القادم وقد ازداد عدد محبيه عن هذا العام.


أما نحن، فمنا من ودعه وداع الحبيب لفراق حبيبه، فكان الوداع صعبا مؤلما، يزيده ألما الخوف من ان يكون هذا العام هو عام الفراق. ومنا من ودعه وداع الضيف الذي حل في بيته وهو يعلم انه لا بد أن يفارق، فلا دموع ولا ألم. ومنا من ودعه وداع الضيف الثقيل الذي طالت إقامته وبانتظار أن يفارق ويرحل.


ومهما كانت مشاعرنا نحو هذا الضيف فإننا قد أدينا العبادة، آملين أن يقبل الله صيامنا وأعمالنا في رمضان.
لكن السؤال الذي يبقى مع رحيل رمضان: هل عمّق رمضان في ضمائرنا القدرة على استشعار هم الفقراء ومعاناتهم؟.


تبين الأرقام أن الفقر أصبح مشكلة عالمية تعدت دول العالم الثالث، ومن بينها دول العالم العربي والإسلامي، لتمتد الى الدول المتقدمة، إذ إن -وفقا للأمم المتحدة- هناك مليار شخص في العالم محرومون من أساسيات الحياة، ومنها الماء.


ورغم ان محاربة الفقر مسؤولية الدولة، الا أن الأفراد في أي مجتمع ليسوا معفيين تماما من المساهمة في هذه الظاهرة. ويحضرني في هذا الشأن قصة رواها امام المسجد الذي كنا نصلي فيه في رمضان. يقول الإمام إنه احتسب لأحد المصلين الزكاة المستحقة عليه بناء على طلبه فكانت قيمتها 7000 دينار أردني. يقول الإمام بأن المصلي تفاجأ بالقيمة ثم بعد صمت سأله ما إذا كان يمكنه أن يدفعه لابنه مصاريفا لزواجه، فلما أخبره الإمام بأن ذلك لا يجوز قال له بأنه لن يدفع هذه القيمة حتى ولو على قطع رقبته.


ألسنا خير أمة أخرجت للناس؟ فكيف بنا نصل الى الحد الذي نفضل أن تقطع رؤوسنا على أن نؤدي ركنا من أركان الإسلام فما بالنا إذا سألنا عن الصدقات؟ ألا يصبح المال نقمة ونكبة للإنسان عندما يصبح عبدا له فينسى ما تعلمه في البيت وفي المدرسة والجامعة فيبيع دينه وإنسانيته بعرض من الدنيا؟


إن الفقر مأساة فصولها البؤس والحرمان والشقاء يعيشها المحتاجون. وهي نتاج لتحالف شيطاني من الحكام واصحاب رؤوس الاموال، تؤمن بأن الفقر ظاهرة طبيعية، وترسم سياساتها لخدمة هذا التحالف، لتهيمن هذه الفئة القليلة على اقتصاد الدولة، وتنعم هي وحدها بالثروة، أما الفئة التي تشكل الاغلبية، فهي المحرومة والمهمشة التي تعيش على الفتات، وتطحنها ازمات السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تقررها وتفرضها الفئة الأولى.


ورغم ذلك أقول إن على الأفراد في المجتمعات أن يسعوا الى جانب نضالهم لتحقيق العدالة الإجتماعية، عليهم أن يكون لهم دور فعال في محاربة هذه الآفة بأداء دورهم المطلوب منهم بشكل فعال ومبتكر، خصوصا أن انعكاسات الفقر خطيرة، وتطال كل فرد في المجتمع. يقول الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: «عجبت لمن لا يجد في بيته قوت يومه كيف لا يخرج للناس شاهرا سيفه!».


دورنا أن يدفع كل منا الزكاة المستحقة عليه، لكن الزكاة حتى تؤدي الدور الذي من أجله فرضها الله تعالى علينا لا بد من مؤسسات جمع الزكاة ان تكثف جهودها في جمعها.


في ماليزيا -وحسب بيانات صندوق الزكاة- بلغت عائدات أموال الزكاة العام الماضي نحو 112 مليون دولار مقابل نحو 91 مليون دولار عام 2010، ويطمح الصندوق إلى رفع العائدات إلى 120 مليون دولار في العام الحالي. كما سجلت أعداد دافعي الزكاة سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات ارتفاعا ملحوظا، حيث بلغ عددهم عام 2011 أكثر من مائة ألف بينهم 1571 شركة، مقابل نحو 89 ألف عام 2010 بينهم 1427 شركة.  فأين نحن في الأردن او في العالم الإسلامي من هذه الأرقام؟


لكن جمع الزكاة يحتاج الى مأسسة الزكاة، بحيث يتم تطوير آليات جمعها وصرفها وتوجيه المسلمين إلى طرق تأديتها وفقا لأحدث السبل في استخدام وسائل التقنية الحديثة، مثل الإنترنت وبطاقات الاعتماد وخدمة الهواتف والاقتطاع من الرواتب.


بالإضافة الى ذلك سعت هذه المؤسسات الماليزية للبدء في مشاريع من الحجم المتوسط لاستثمار أموال الزكاة، خصوصا في سهم (في سبيل الله)، مهتمين بالالتفات إلى المشاريع الاستثمارية التي تتمتع بنسبة مخاطرة متدنية مثل «شراء العقارات وبيعها أو تأجيرها وبعض المشاريع القليلة في مجال الصحة والتعليم لاستثمار أمة الزكاة».


ويهدف صندوق الزكاة هناك الى إدخال ممارسات الشركات في إدارة جباية الزكاة وحوسبتها، وأن اعتماد طرفي العملية (المزكي والمستفيد) عميلين يستوجب تقديم الخدمة لهما بأعلى درجات الثقة والمهنية،هذه الأفكار لا بد من أن تتبناها أياد نظيفة يثق بها الناس ويمكن أن تنفذ ما سبق بإخلاص وعفاف.

لا يكفي ان نتعاطف مع الفقراء ولا أن ندفع لهم صدقة بين آنة وأخرى، ولا أن نخرج زكاة مالنا بلا تصور واضح للكيفية التي ستنجح بها هذه الأموال في المساهمة في القضاء على الفقر.


لا بد من أن نخرج من رمضان في هذا العام وقد صهرنا الصيام في بوتقة التقوى، بحيث يرتفع لدينا الحس الإنساني فنخرج من حيز التعاطف الضيق الى فضاء الشعور بقهر هؤلاء ليكون وقودا لنا لنبدع في كفالتهم وتحقيق العدالة لهم ولنا، وليبقوا في الذاكرة حتى ننتشل آخر واحد منهم من عذاب المعاناة التي تهدر إنسانيتهم.


يتداول الطلاب نكتة قد تجسد بصورة ما حقيقة الكثيرين منا: تقول النكتة: طلب الاستاذ من الطلاب كتابة قصة قصيرة عن الفقر فكتب احدهم ما يلي: كانت اسرة فقيرة جدا تعيش في فيلا صغيرة مساحتها اقل من 1500 متر مربع، وكان الاب فقيرا والام فقيرة والأولاد فقراء والخادم فقيراً والبواب ايضا فقيراً والبستاني فقيراً وسائق السيارة الخاص بالأب فقيراً وسائق السيارة الخاص بالأم والاولاد فقيراً، وبسبب الفقر لم يتمكنوا هذه السنة في عطلة الصيف من السفر الى اوروبا لقضاء شهر اجازة، لذلك فقد ذهبوا الى الفيلا الثانية في بلودان لقضاء الصيفية وكل ذلك بسبب الفقر، الله يعينهم كيف يقدرون على العيش هكذا؟».