صراحة الملك ومهارة المحاور

صراحة الملك ومهارة المحاور قوّة الإيمان وصراحة الحديث ووضوح الرؤيا وثبات الموقف وجراءة التوقّع والاستنتاج تلك هي بعض ما يمكن ان يُوصف به حديث جلالة الملك للإعلامي الشهير تشارلي روز على الشبكة الامريكية بي بي إس قبل أيام وتم الحديث في جميع القضايا الراهنة على الارض محليا وإقليميا ودوليا .

وبقدر الحرفيّة والخبرة والطمأنينة التي امتاز بها المحاور الأمريكي كانت هناك الثقة والصدق والصراحة والعفوية وسرعة البديهة التي امتاز بها الملك في اجوبته بلا تردد او مداراة او سوداويّة منذ اول سؤال عن الوضع في سوريا الى الخوف على الملكيّة في الاردن .

وفي الشأن السوري البلد الشقيق والجار الاقرب جغرافيا فقد تطرق جلالته وبكل جرأة وصراحة لمفردات في الشأن السوري تخيف المواطن الاردني ومنها الحرب الاهلية وروسيا وايران والقاعدة واللاجئين والاسلحة الكيماوية والرئيس السوري بشار الاسد والنظام السوري وغيرها من مفردات تعرّض لها جلالته بكل صراحة وبكل ما من شأنه الحفاظ على السيادة الاردنية ومستقبل شعبه ووطنه وبما يضمن وحدة التراب السوري رغم التعدد الطائفي والقومي على ارضه .

وأكّد جلالته على ضرورة تغيّر النظام وليس فقط تنحّي الرئيس كما تحدّث عن إستقبال اللاجئين السوريون وعن إطلاق النار عبر الحدود وان الجانب الاردني متنبه لعدم تصعيد ذلك ويتم السيطرة على الوضع كما تحدّث عن امكانية مغادرة الرئيس الاسد لسوريا بأن الخيارات لا تبدو جيدة جدا،إذا كان هناك سياسة للخروج أين سيذهب؟ يوجد جدل في الخارج الآن، كما أن بعض الناس يقولون أيضا إنه قد وصل إلى مرحلة لن يسمح له فيها بالمغادرة بسبب الجرائم التي ترتكب ضد الدولة . .

وقد تحدّث الملك عن الوضع الداخلي بإسهاب وبكل وضوح مستعرضا لكل المفردات ذات الشأن ومنها الإصلاحات وحاجات المواطن ومعيشته ورفاهه والانتخابات والاحزاب والإخوان المسلمون والهيئة المستقلة للانتخابات والنزاهة وبيّن ان الإختبار الحقيقي للعملية الاصلاحية للربيع الاردني هي في إجراء الانتخابات قبل نهاية العام بمشاركة جميع الاطياف الاردنية لانتخاب مجلس ممثل للمواطنين بكل نزاهة ومصداقية يحدد مسار المستقبل من خلال تشكيل كتل تتحول الى اربعة او خمسة احزاب ثمثّل اليسار واليمين والوسط وتتشكّل منها حكومات منتخبة مستقبلا كما تحدّث الملك عن تعدد تشكيل الحكومات في فترة بسيطة .

وكم كان واضحا جلالته عندما قال ان المشكلة ليست بالصوت الواحد وانما بنسبة التمثيل خاصة في المدن وقال انه يتمنى ان يرى جميع الاطياف ومنها الاخوان المسلمون يشاركون في الانتخابات ،وقال جلالته (اقتباس)أنا أنظر إلى 4 سنوات و8 سنوات إلى الأمام، وأعتقد بأن غالبية الأردنيين ينظرون فقط إلى الأربعة أو الستة أشهر القادمة. هذا هو الذي يجعلني أشعر بالإحباط وأعود إلى الحديث عن اليسار واليمين، والوسط، وإنشاء خمسة أحزاب سياسية في أسرع وقت ممكن كما آمل، ويستمر الناس في تناسي ذلك. هذا هو مصدر الضيق بالنسبة لي.(انتهى الاقتباس)

وقد وصف جلالته الربيع العربي بان ما حصل هي تحولات ظللت كافة أنحاء العالم العربي،حيث كانت هناك القومية العربية على مدى عقود عديدة، و أن العالم العربي قد انتقل من القومية إلى القطرية. والتحدي الكبير الماثل اليوم أمام الجميع، بما فيهم الأردن، هو أن كل بلد يسعى لتعريف نفسه.

وحول سؤال تشارلي للملك ما هو التغيير الذي يريده الشعب مع التأكيد على حب الشعب له وهو يحكم بالملكية الدستورية فقال جلالة الملك (إقتباس): إن التغيير مزيج من جميع ما ذكر، لكني أعتقد بأنني قلت أثناء المقابلة الأولى التي أجريتها عندما تُوفي والدي رحمه الله بأن مهمتي هي وضع الطعام على الطاولة. وما أقصده هنا هو التأسيس، فقد تعلمت أثناء دراستي في الغرب أن المجتمعات المستقرة مبنية حول طبقة وسطى قادرة ونابضة بالحياة. ولم تكن تلك الحال في الأردن منذ السنوات الإثني عشرة الماضية. لقد استطعنا خلال الإثني عشرة سنة الماضية بناء طبقة متوسطة نابضة بالحياة باقتصادنا.

ومع الهزات الاقتصادية التي شهدناها خلال السنتين الماضيتين، لا أريد أن أقول أن الطبقة الوسطى تترنح، بل تئن تحت الضغوط المتواصلة. ما يحدث الآن، بأنه كلما كان هناك تعزيز للطبقة المتوسطة كمؤسسة، كانت حركة المجتمع أسهل نحو التحول، ولكن أيضا تكون هناك مطالب أكثر بالحرية. لذلك أعلم بأن المضي نحو ذلك هو سيف ذو حدين، لكنني أثق أن شعبي يعرف ما يريد. وبالنسبة للملكية، فإن الملكية نظام مستمر في التطور طوال الوقت، وأدرك أن مهمتي هي تحقيق رغبات الشعب والتطور معهم ومساعدتهم في السير إلى الأمام. فنحن لدينا، كما سبق وأن قلت، 70 بالمئة من الشعب تحت عمر الثلاثين. وأعتقد أن التعليم، كما تعلم، هو العنصر الحاسم للأردن. فنحن نشكل قوة فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات، وصناعة الأدوية والطب. لدينا في الأردن أكثر الناس المتعلمين في المنطقة وهؤلاء يمكنهم دفع الأردن للأمام (انتهى الاقتباس)

وتحدّث جلالته عن القضيّة المركزية قضية فلسطين والنزاع مع اسرائيل وقال انه من خلال الاجتماع مع عدد منهم قالوا أن المشكلة في إسرائيل أنه خلال 8 إلى 9 سنوات ستضطر للإجابة على السؤال التالي: ماذا لو لم يكن هناك حل الدولتين، وهل سيضطرون للعودة إلى حل الدولة الواحدة، الأمر الذي سيكون ذو تداعيات كارثية على إسرائيل، وهل ستكون دولة فصل عنصري أم دولة ديمقراطية؟ ولكنهم لا يزالوا يتجاهلون هذا الأمر، ومع مرور السنين، تضمحل خيارات إسرائيل ويزداد الضغط عليها نتيجة لذلك، ولا يزالوا يتجاهلون هذا الواقع .

وكان آخر سؤال لتشارلي هو هل تعتقد ان النظام الملكي في خطر وهنا اقتبس ماذا كان جواب جلالة الملك: لا، لأنك تعرف أننا كنا دائماً منفتحين، وكنا دائماً نصغي. وأعتقد، كما تعلمون، أن الدليل كان في نوعية وكمية العمل الذي قمنا به خلال 18 شهراً، إذا قارنته بالتحديات التي عالجتها الدول العربية. إذا نظرتم إلى الطريقة التي تطورت بها الأنظمة الملكية، إذا نظرتم إلى الطريقة التي عمل بها الملك محمد في المغرب وما الذي استطاعت الملكية عمله هناك. إن مهمتنا هي تحقيق إجماع الناس حتى نظل في حالة تطور لكي ندعم فعلاً رغبات الشعب. أعرف أن ذلك يبدو مثاليا بعض الشيء، لدينا علاقة محبة مع الشعب، ومهمتي هي تحقيق آمالهم وطموحاتهم. وهكذا، فإن الأمور تتطور وينبغي على الملَكيات أن تستمر في التطور.(انتهى الاقتباس)

وبعد فكل من تابع ذلك الحوار كان امام مذيع اعلامي مُحاور محترف يعرف كيف يسأل ويعرف كيف يحصل على الجواب المطلوب كما كان المُشاهد امام زعيم مُتواضع جريئ وصراحته لا يستطيع أي كان في الاردن ان يبوح بها علنا خوفا ام ضعفا ولكن سرعة بديهة الملك كانت لافتة للإنتباه ومثيرة لإعجاب كل من تابع الحديث , فعلى المستوى المحلي كانت دعوة للجميع للمساهمة في الاصلاح والانتخاب وللمسؤولين السير بالإصلاح بنهج منفتح واضعين مصلحة الوطن بين اعينهم وللأخوان المسلمين المشاركة في وضع لبنات الإصلاح المطلوب من خلال المشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية مؤكدا ان العملية الاصلاحية مستمرة بعد الانتخابات للوصول الى تحقيق مطالب الشعب ورفاهيته وعلى الفاسدين واصحاب الاجندات الخارجيّة ان يكفّوا عنّا لنعلي البنيان ونصلحه قيادة وشعبا ومسؤولين .

ومرّة اخرى يثبتُ ان الملك على مرتفع يصرخ بصوت مرتفع ومسموع وواضح لا لبس فيه ان الاردنيين من كل المنابت والاصول لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ويدعوا الجميع لطاولة حوار يكون عليها ملف السيادة والهويّة الاردنيّة ويتم طرح ومناقشة كل الامور والمواضيع تحت مظلّة ذلك الملف فعلى الحكومة القادمة ان تُعظّم نقاط الالتقاء بين كافّة الاطياف لتقلّل من حدّة نقاط الخلاف حتّى الوصول الى ارضيّة ثابتة يعمل فيها جميع الاردنيين على الحفاظ على الاردن شعبا ومكتسبات ويثمر ربيعه عن شتاء فيه كلّْ الخير تتم في نهايته الانتخابات النزيهة لمجلس نيابي جديد يتّسم بالمصداقيّة في تمثيل المواطنين تحت ظلْ قيادة يحبّها الجميع وترغب جاهدة لتحقيق مطالب الشعب ورغباته .