الحوار العلمي بين التطبيق الواقعي للأعلم بالأصول و بين تهريج العناوين المصطنعة


قال تعالى ( و جادلهم بالتي هي أحسن ) تواجه المجتمع الكثير من المطبات التي يخشى من الانزلاق فيها أو السقوط في متاهات التي لا تُحمد عقباها، فيأتي السؤال إذاً كيف الخلاص منها ومن شرورها ؟ فعلى سبيل المثال – لا الحصر – تعتبر قضية الحوار العلمي و الاختلاف في وجهات النظر من القضايا التي أخذت حيزاً كبيراً في الوسط العلمي، هذه القضية شغلت بال الكثيرين من مختص الشأن الحواري الرأي العام كثيراً، ومن المتعارف عليه أن الاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية، و لعلنا نجد هذه القضية المهمة في وحدة المجتمع و الأساس في بناءه بالشكل الصحيح وبما يتماشى مع معايير السماء و العقل و المنطق السديد، ولنا في قوله تعالى الآنف الذكر نجد أن السماء قد أمرت رسولها ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بضرورة التعامل الحسن مع المخالف لنظرية و شريعة الإسلام و أن تكون محاججة و المناظرة و المجادلة معه قائمة على أسس الهداية الصالحة و الاحترام لرأيه حتى و إن كان غير صحيح المهم أن نطرح ما يجعل المقابل يُسلم و يقتنع بأنه ليس على صواب فيما يدعي و يقول و يتمسك به لان كل ما بجعبته من كلام و أدلة يمتلكها ومن فترات زمنية طويلة فلا يمكن و الحال هذه بين ليلة و ضحاها بأن نغير المفاهيم التي يعتقد بصحتها فمثلاً حينما جاء النبي إلى القوم وجدهم يعبدون الحجارة فبدأ النبي في مجادلة القوم بالتي هي أحسن تارة، و تارة أخرى يُقدم الحجج و الأدلة الدامغة وبمختلف أشكالها عملاً بسنة السماء فباتت هذه المقاييس الحُسنى بمثابة المنهج الذي يهتدي به المسلمون حينما تُعقد المناظرات و المجادلات العلمية و الفكرية وما يتخللها من شدٍ و جذبٍ بين طرفي الحوار العلمي و النقاش الفكري المختلف الآراء وعلى هذه السنن المستقيمة سارت جموع المسلمين و حتى غير المسلمين لان في احترام المقابل و احترام رأيه - بغض النظر عما فيه – و انتهاج قيم و مبادئ الوسطية في التعامل و الاعتدال في الكلام و المجادلة فكان هذا المنهج القويم من أولويات المعلم الأستاذ الصرخي الحسني وقد تجلت تلك الحقيقة في محاضراته العلمية التي كشفت ضحالة بضاعة الفكر التكفيري، كذلك لقاءاته الشخصية و حواراته الصحفية التي أجرتها معه وسائل الإعلام سواء المرئي أو المقروء خلال السنوات الماضية فالمتتبع لها سوف يجد النفس الوسطي و الاعتدالي و معاني المجادلة بالحُسنى تظهر معالمها بارزة بينما نجد في المقابل الصراعات الفكرية و الضياع علمي و الفُرقة بين المسلمين بسبب غياب الحوار البناء و النقاش الهادف مما عرض الأمة إلى التشرذم و الانهيار وهذه الحقائق قد استنكرها المعلم الأستاذ جملةً و تفصيلاً، و لنا خير شاهد على ذلك بيانه رقم (56) و الموسوم ( وحدة المسلمين في نصرة الدين ) فقال ما نصه : ( تبقى قضية الحوار و النقاش العلمي فاعلة و حاضرة، و يبقى الشيطان ومطاياه فاعلين من أجل حرف القضية عن مسارها الإسلامي الرسالي الفكري الأخلاقي إلى مسار العناد و المكر و الخداع و النفاق، فيوجّهون القضية نحو الظلام و الضلال و التفكيك و الانشطار و التشضي و الفُرقة و الصراع و الضعف و الذلة و الهوان الذي أصاب و يُصيب الأمة الإسلامية و منذ قرون عديدة ) .
بقلم الكاتب احمد الخالدي