غنيمات كما لم نرها سابقا .. "الاردن لم يذهب ليتسوّل في لندن ولا مليارات" ومشكلتنا الكبرى "بطالة الشباب"
تابعت كغيري من الاردنيين لقاء وزير الدولة لشؤون الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات الذي بُث عبر شاشة المملكة مساء امس الثلاثاء ، واجزم انني كنت شديد الاصغاء ، ودقيق الملاحظة ، على ما طرحته الوزيرة من معلومات ووصف ، وكذلك اداء على الشاشة من خلال ردودها على الزميل عامر الرجوب .
ساتحدث عن جوانب رصدتها في هذا اللقاء "جمانة الصحفية والوزيرة ، الشأن المحلي ، مؤتمر لندن" ، ولا انكر ان جزءا من هذا الرصد "شخصي" قد لفت انتباهي واثرت عدم تجاوزه بل قررت تسليط الضوء عليه .
بداية برزت شخصية "جمانة الصحفية" الزميلة رئيسة تحرير الغد ، واستخدمت كثيرا هذه الشخصية خلال اللقاء بتنمر لطيف ، فاجترت كل خبراتها كـ كاتبة مقال لا يشق لها غبار ، ولعبت دور رئيس التحرير من خلال ادارة الحوار وتوجيهه كما تريد والخروج من مطبات الاسئلة عموما بمكاشفة احيانا وبصراحة احيانا وبدهاء ماكر وتهرب ذكي احيانا اخرى ، حتى انها كانت تضع الزميل المذيع في موقع الضيف حينما وجهت له عدة اسئلة عكسية ومرتدة !
غنيمات كانت تعود لادراجها لتتقمص دور الوزير والناطق الرسمي باسم الحكومة حينما يتوجب عليها اعطاء معلومات لابد من ان تكشف عنها او خلال دفاعها عن الحكومة وسياساتها وخططها ، فوضّحت توجهاتها بشكل مباشر ودون مبالغة او مغالاة، وسيطرت على اجوبتها واصرت على وجهة نظرها واستخدمت "السهل الممتنع" والمختصر المفيد منذ بداية اللقاء لنهايته .
ربما هي المرة الاولى التي اشاهد فيها الوزيرة غنيمات "حديثا" تتقن فن اللعبة وتنجح بتقمص شخصية الناطق الاعلامي ، وهذا ماجعلني افرد هذه الاسطر فبل ان ادخل في صلب اللقاء ، وبرأيي ما انجح الوزيرة بهذا اللقاء واوضح شخصية جديدة لها ، بعيدة عن التلبك او التردد او التيهان هو قناعتها بان تستغل ولاكبر قدر ممكن شخصيتها الصحفية وان تجعلها تطغى على شخصية الوزيرة ، وربما كان الحديث الاقتصادي من سهّل المهمة حيث ان الزميلة مختصة بهذا الشأن اصلا .
نعود لمجريات اللقاء الذي اختزلته بنقاط هامة لا يجب المرور عليها مرور الكرام او عدم ابرازها ، فـ "الاردن لم يذهب الى لندن ليتسول" ، لغة الاعتزاز المستخدمة هنا مهمة جدا وتؤثر في الراي العام دون ادنى شك وتصرف صورة الميارات التي كان يرسمها المواطن في ذهنه حول مؤتمر لندن .
فبينت غنيمات ان الهدف الرئيسي والغاية من المشاركة في لندن 2 ليس التسول بل تقديم الاردن كبلد اصلاحي جاهز للاستثمار وملتزم بسياسة الاصلاح الاقتصادي رغم الاحتياج للمال منحا وقروضا ، واقناع العالم بذلك ، وهي من قالت ان الاردن نجح فيه، مستشهدة بتصريحات وشهادات تقدير قدمتها دول ومؤسسات بحق الاردن وقيادته لم تسمع بها الوزيرة منذ 25 عاما خلال عملها كصحفية .
واكدت ان الاردن ذهب الى لندن وقد رشّد سقف طموحاته المالية حتى لا يقع فريسة لخيبة الامل كما حصل في مؤتمر لندن الاول والذي لم يقدم فيه العالم كل التزاماته تجاه الاردن ، لافتة الى ان الاردن ذهب الى لندن الاول لشرح معاناته ويشكو من وجود 1,3 مليون لاجيء سوري وانعكاسات ذلك على الموارد والبنية التحتية ، مؤكدة ان الاردن لن يحصل على الميارات من مؤتمر لندن2 ، واشارت الى ان بعض تلك الاتفاقيات قد وقعت قبل التوجه الى المؤتمر .
وكشفت الوزيرة ان الحكومة تعتمد على تغيير النهج الاقتصادي واعادة انتاجه من خلال زيادة الصادرات وجلب الاستثمار من خلال الاعتماد على الذات بعد الازمة المالية العالمية مرورا بازمة الغاز المصري واحداث الربيع العربي واغلاق الحدود مع الدول المجاورة "العراق ,سوريا" وان محطة لندن احدى محطات مصفوفة ومنظومة تغيير النهج الاقتصادي وكذلك الغاء الاتفاقية مع تركيا ومحطة بغداد مؤخرا حيث ستقود تلك السياسة الى توليد النمو المطلوب وجلب الاستثمارات وخلق فرص العمل .
واكدت ان الحكومة لن تعتمد على القطاع العام بخلق فرص العمل وانه يجب الانتقال الى حالة اقتصادية اخرى لخلق الفرص من خلال الاستثمار ، حيث ان المعضلة الاكبر التي تواجه الحكومة هي بطالة الشباب والادلة واضحة واصفة ذلك بانه انذار للجميع لخلق فرص عمل وفتح قنوات جديدة بعيدا عن الطرق التقليدية .
كما اشتكت غنيمات من المزاج السيء للمواطن ضد الحكومة عموما وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وردود فعله على ما يتم تسريبه من وثائق خاصة المتعلقة بالتعيينات ، وقالت انه ينقض على كل شيء يخص الحكومة ويبدأ بالهجوم الكاسح عليها معزية ذلك الى ازمة الثقة الكبيرة بين الطرفين في ظل محدودية الفرص وتعطش الشباب للعمل
واوضحت ان زيادة الحد للاجور يعني تقليص فرص العمل المتاحة ، مشيرة ان الحكومة بين خيارين صعبين اما زيادة الحد الادنى للاجور وتقليص فرص العمل واما الابقاء على تلك الفرص بالابقاء على الحد الادنى للاجور ، لافتة الى ان الشركات والمؤسسات تحتكم لموازنات محددة للرواتب ويعني رفعها الاستغناء عن موظفين وتقليص الفرص .
في المجمل فان اللقاء حمل في طياته عديد النقاط الهامة ما بين تفاؤل في لندن وابراز لنجاح الوفد الحكومي الذي عززه وجود الملك ، والتواضع بذات الوقت تجاه سقف العوائد المالية والحديث الاستباقي بان الاردن لم يذهب للتسول ومحاولة تغيير الصورة الذهنية بشكل سريع لدى الراي العام حتى لا يُصدم ، اضافة الى ابراز نهج الحكومة الاقتصادي الجديد بشكل لم يفعله لا رئيس الوزراء ولا حتى الفريق الاقتصادي وقد وُفقت فيه الوزيرة بشكل كبير .
غنيمات الصحفية تفوقت على نظيرتها الوزيرة فانجحت الاولى الاخيرة ، واظهرت الشخصية المطلوبة للراي العام وهي عكس ما مر عبر الشهور السابقة التي اُشبعت فيها الناطق الرسمي نقدا وهجوما بتقمصها لشخصية ربما غير ماهي عليه بمشورة لم تكن موفقة او ربما اعتزازا بالمنصب ، وصحفيا يحق لي ان اقول ان "صاحبة الجلالة" والسلطة الرابعة هي من تتفوق دوما ..