عمان لم يُغرقها مطر .. بل نهج فساد وسياسة حكومات والحل ليس بـ"اكباش الفداء" والفزعات !


لا اعلم لمَ كل هذا السخط على امانة عمان وعلى غرق وسط العاصمة وعددا من شوارعها ، خاصة وانها ليست المرة الاولى التي تغرق فيها عمان ان جاز لنا التعبير !

مازلت اذكر شخصيا وقت غرقت عمان عامي 2014 و2015 في عهد امينها السابق العقل بلتاجي وحكومة عبدالله النسور، ومنذ ذلك الحين لم يتغير شيء على بنية العاصمة التحتية بل زادت سوءا .

ورغم دق ناقوس الخطر وارتفاع الاصوات والمطالبات باقالة بلتاجي الا ان ذلك لم يتم وامضى عمله كأن شيئا لم يكن رغم الخسائر في الارواح والتصريحات المستفزة منه ومن وزير التنمية الاجتماعية وقتئذ ريم ابو حسان ولم تقم حكومة النسور حتى نهاية عهدها ولا حتى من خلفه "حكومة الملقي" بالمتابعة او اخذ الامر على محمل الجد !

اليوم عمان او جزء منها يغرق مجددا حتى اننا عبثنا بتاريخ الرومان واسأنا لتاريخهم عندما اغرقنا مدرجهم الروماني بمياهنا وهو الذي صمد اكثر من 1500 عاما بوجه الطبيعة ولم يستطع الصمود امام فساد وترهل مؤسساتنا.

عمان اليوم بل الاردن كلها لا تشكو الغرق من مياه الامطار فهي نعمة دعَونا الله كثيرا وصلينا الاستستقاء مرارا ليغمرنا الله برحمته ، ولتمتلئ السدود بعد تصريح وزير المياه باننا بحاجة لتحلية مياه الامطار ، ولان الشعب الاردني اشتاق لرؤية اللون الاخضر على سفوح ووديان وسهول ربوع الوطن .

الاردن اليوم تغرق في عهد حكومة الرزاز ، ليس فقط عمان او ووسطها ، بل اغرقها الرزاز بقانون ضريبة الدخل والجرائم الالكترونية ، وتعيينات اشقاء النواب ، ورفع اسعار المحروقات بوقت مداهمة مياه الامطار للمنازل والمحال التجارية ، وبرفع اسعار الكهرباء، مرورا باعتصام المتعطلين عن العمل امام الديوان الملكي ، وباخضاع نفسه لمجلس النواب ، وبتعيينات الاصدقاء والمحاسيب ، وبعقود الشراء ، والتنفيعات وغير ذلك في عهد النهضة.

حكومة الرزاز اغرقت الاردن بوزراء لا طعم ولا لون لهم ، وزراء ازمة عابرين للحكومات وحتى الجدد منهم لا نستثني الا واحدا او اثنان وما تبقى فهم على نظام المحاصصة والمحسوبية والاملاء وكل في فلك يسبحون ..

الرزاز اغرق الاردن حينما اعتمد على التويتر واركن على ابر التنظير والتخدير بوعود بعصر النهضة ودولة الانتاج التي هرب كل مستثمروها ولن يفكر احد منهم بالعودة مجددا ، وبعصر التكافل الذي اصبح الاردنييون يستجدون لقمة العيش وينتظرون دعم الخبز لسداد فواتير الكهرباء ، وبالحقوق الضائعة للمواطنين بغرف صفية مكتظة وبتعليم هبط لادنى مستوياته وبجامعات تعتمد على الجباية دون تعليم .

يا سادة .. ليست مياه الامطار من اغرقت عمان ، ولا يوسف الشواربة ، ولا تكريم حليمة وصفية وانابيلا ، ولا غير ذلك من السفرات والبدلات والاحتفالات ، فمن اغرقها نهج الفساد المستمر والتعيينات العشوائية والترهل وعدم المحاسبة في غياب دولة القانون على القوي الذي يأكل الضعيف والفقير ، من اغرق عمان والاردن هو نظام المحاصصات وصراع المحافظين والرأسماليين والنظرة الى الاردن كـ كعكة كل يريد اقتسامها ليأخذ حصته .

من اغرق البلد ، ذاته كان سببا في ازهاق 22 روحا في سيول زرقاء ماعين و 9 اثر سيول الجنوب ، والمئات على الطريق الصحراوي ، وانهيار الجسور وتصدع الشوارع وانقطاع الكهرباء والمياه ، وزيادة فقر وجوع شعب باكمله انهكته الجباية والاتاوات الحكومية .

من اغرق البلد .. مجلس نواب صامت خانع لا يعمل الا لمصالحه الشخصية وتقاسم السلطة بتزاوج غير شرعي ووقوفه صف دفاع اول عن الحكومات بدلا من الرقابة عليها بات المدافع عن وجودها لعطاء او وظيفة او مغنم او للحفاظ على مقعده ، ولم نسمع لهم صوتا حين جدّ الجدّ .

اليوم نحن احوج ما نكون لثورة بيضاء في كافة مؤسسات الدولة ، ولمسؤولين لا يخشون بالحق لومة لائم ، لا يخشون الفيس بوك والتويتر ، لا يخضعون لاملاءات او الوهات او ضغوطات ، سوى ضغوط واملاءات ضمير حي يخاف الله في الوطن .

ستبقى عمان تغرق مع كل منخفض عميق ، وسيتكرر المشهد بعد 2014 و2015 و2019 ، دام النهج ثابت والسياسة مستمرة دون رقابة ولا محاسبة ، ولن تجدي الفزعة ولا سياسة كبش الفداء بحل مشاكل البلد ، فعمان لم تغرق من المطر بل اغرقتها كل الحكومات ومازالت مستمرة باغراقها بالفساد والترهل والمديونية والعجز والشللية وغياب دولة القانون والمؤسسات .

ليس الحل باقالة الشواربة او الرزاز او اي شخص ، بل بمحاسبة كل امين او رئيس حكومة انتهج الجباية من الشعب وكان اكبر انجازاته بمقدار كمّ المال والرسوم التي سطى عليها من جيب الاردنيين ، ولم يقم ببناء شبكة لتصريف المياه اوعبارات او شوارع او جسور او بنية تحتية ، فالاردن لم يغرق ولن يغرق لاجل فسادكم ، بل ستغرقون انتم في سواد التاريخ وستنهض عمان وسينهض الاردن عاجلا ام اجلا وسيرمم شبابه يوما ما افسده فساد ايديكم ..