اعتصام الرابع وحالة النكران

ربما لم تأخذ الحكومة على محمل الجد استطلاعات الرأي التي أفادت بأن منسوب التفاؤل بحكومة الرزاز قد تراجع في أول مئة يوم ما يقارب من ثلاثين نقطة، وهو تراجع كان من شأنه أن يدق ناقوس الخطر ويدفع الحكومة إلى إيلاء اهتمام خاص لمسألة تراجع صورتها في الشارع والعمل على وقف ذلك، غير أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث. وربما لم ينتبه أعضاء الحكومة المحترمين لكتب التكليف السامي التي دائما ما تشير بوضوح إلى أولوية استعادة ثقة الشارع بالحكومة، وهي مهمة تغاضت عنها الحكومات المتعاقبة ما أدى إلى تراكم حالة من الاحباط.
 على عكس ما كانت تأمله حكومة الرزاز فقد توافد الأردنيون المحملون بالقهر والفقر والإحباط إلى الدوار الرابع ليعبروا عن مطالبهم سلميا، ولم يردع الطقس البارد وزخات المطر المعتصمين من المضي في اعتصامهم مطالبين هذه المرة بإسقاط الحكومة وقانون ضريبة الدخل وحل مجلس النواب. ويسجل لقوات الأمن أنها تعاملت بشكل ناعم مع حالة الدوار الرابع إذ لم تسجل أي حالة عنف.
 أصابت وزيرة الاعلام جمانة غنيمات عندما صرحت قائلة بأن الاعتصام هو حق مكفول دستوريا للأردنيين وأن هناك قنوات معروفة لإيصال هذه المطالب. لكن غنيمات تعرف جيدا أن مجلس النواب أخفق وبشكل جلي في أن يعكس أولويات المواطن الأردني، وهي ربما تعرف أن نسبة الثقة الشعبية بمجلس النواب هي ١٤٪ فقط وهذا ربما يفسر خروج الناس إلى الشارع غير آبهين بوجود مجلس نواب، بمعنى آخر، تجاوز المعتصمون مجلس النواب، فضلا عن أنهم طالبوا بإسقاطه.
 مشكلة المسؤول الحكومي في الأردن أنه يعيش في حالة نكران لم تعد خافية على أحد، فالكلام الإنشائي الذي يصدر عن أعضاء الحكومة ورئيسها لا يلقى الصدى المطلوب عند الناس، وإلا لما خرجوا للشارع! فالحكومة لم تعد قادرة على إقناع الناس في خطابها الممل، فالناس لا يريدون أقوالا بل أفعالا. ونكرر مرة أخرى لعل في الإعادة إفادة، هناك ثلاث قضايا أساسية تهم الناس وهي: معالجة الفقر والبطالة والارتفاع الجنوني للأسعار التي أدت إلى تآكل دخل الأسر الأردنية، ولا يوجد برنامج حقيقي عند الحكومة للتصدي لهذه التحديات.
 لم يحتج الأردنيون المشاركون في الاعتصام ولا الذين عبروا على وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم مع الاعتصام إلا على النهج الذي طالب جلالة الملك في غير مناسبة ضرورة تغييره، فالمسألة ليست ذهاب حكومة وقدوم أخرى إن كانت كل الحكومات تقرأ من نفس الصفحة ومن نفس الكتاب. وعليه فإن هناك ضرورة وطنية لاجتراح خطة خارطة طريق لإخراج المجتمع الأردني من الأزمة الاقتصادية التي ما يزال يترنح تحت شدة وطأتها.
 حتى نخرج من حالة النكران ونبدأ التفكير جديا بما ينبغي عمله على حكومة الرزاز أن تخرج من وهم ساقه البعض بأنها حكومة جاءت من رحم الدوار الرابع وكأنها جاءت محمولة على أكتاف الجماهير، وما من شك أن الاعتصام بدد هذا الوهم وكرّس في الوقت ذاته أن هناك رمزية للدوار الرابع باتت تتشكل في وعيّ الأردنيين، وربما من الأفضل للحكومة البدء بالتفكير بوضع خطط واضحة ومؤشرات قابلة للقياس بعيدا عن اللغة الإنشائية التي ما تزال السمة الغالبة لما يصدر عن الحكومة لغاية الآن.
وحتى نكون أكثر صراحة، لا يفهم المواطن الأردني الحكومة، فلم يظهر علينا من أعضائها من يقنع الأردنيين بأن هناك ضوءا في نهاية النفق، فعندما تخفق الحكومة في صناعة الفرق في ثلاثية القهر (الفقر والبطالة والتضخم) فحينها لن تجدي كل الخطابات والإنشاء والبلاغة نفعا.