سجال جودة البنزين: نار المنافسة تحرق الحقيقة
كان من المنتظر أن ينتهي السجال بين شركات تسويق المحروقات الثلاث في السوق المحلية بمجرد إعلان مؤسسة المواصفات والمقاييس نتائج تقرير فحص عينات من البنزين المستورد والمكرر محليا والتي تمت في أحد المختبرات العالمية (أس جي أس) SGS، لكن ذلك لم يحدث!.
بل كان إعلان "المواصفات والمقاييس" بمثابة شرارة أشعلت قطاع المحروقات، وفق مارأت مصفاة البترول الأردنية، والتي أكدت أن موقف "المواصفات" كان منحازا للشركات الأخرى على حسابها وبمثابة إدانة مكتملة لها، حاولت المصفاة نفيها بإعلان على واجهة الصحف المحلية أمس، وألحقته بمؤتمر صحفي، نأت بكل ما اعتبرته اتهاما مباشرا لها، ونيلا من سمعتها التاريخية.
السجال لم ينته بعد، فمؤسسة المواصفات والمقاييس من المنتظر أن تعقد اليوم الخميس، اجتماعا من أجل إعادة النظر في مواصفة البنزين المستورد وتحديد نسب المعادن فيه، بما فيها الحديد، فهل ينتهي الأمر عند إعلان قرار المواصفات المرتقب؟.
مصدر مسؤول سابق أكد، ، أن ما تم منحة "للمصفاة" في الأول من أيار(مايو) هو تمديد للاستثناء من المواصفات والممنوح لها منذ انتهاء حصريتها وامتيازها في 2008.
وقال إنه عندما منحت الشركة هذا الاستثناء منح لها في ذلك الوقت لتمكينها من تنفيذ مشروع التوسعة الرابع واستقطاب شريك استراتيجي لها في المشروع، موكدا أنه في ذلك الوقت كان انتاجها غير مطابق للمواصفة الاردنية فيما يخص الكبريت وليس المنغنيز.
وقال إنه لم تسجل لدى الشركة سابقا وقبل الاستيراد اية مشاكل تعود إلى استخدام المنغنيز في انتاجها من البنزين.
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة جمعية إدامة للطاقة والبيئة والمياه د.دريد محاسنة إنه "وبغض النظر عن من الفائز أو الخاسر في هذا السجال، فإن الخاسر الوحيد هو المستهلك وهي حقيقة واضحة لانقاش فيها".
وزاد إنه من غير المعقول أن تغيب جهة رسمية عن الرقابة والدفاع عن مصالح المواطنين بأي نوع من المنتجات التي يشترونها سواء كان ذلك وقودا أو سلعا غذائية أو غيرها، لأن الأمر بالنهاية سيحمل اضرار سواء بيئية تنعكس على المواطن أو تحمله تكاليف مادية إضافية كما حصل في قضية البواجي".
وأكد ضرورة ان تخرج جهة علمية مسؤولة للاعلان عن المسؤول الحقيقي في هذه القضية وأن تتحرك في هذا الخصوص باتجاهين اولهما تصحيح الخطأ، أما لاتجاه الآخر فهو محاسبة المخطئ"، معتبرا أن مؤسسة المواصفات والمقاييس هي الجهة وحيدة في الأردن مخولة للقيام بمثل هذا الدور".
وكانت شرارة الجدل والسجال حول جودة البنزين في السوق المحلية بدأت عندما اشتكى مواطنون من تكرار تلف شمعات الاحتراق "البواجي" السيارات وسرعة استهلاك البنزين، وطلب وكلاء سيارات من نقابتهم التدخل لمتابعة الموضوع مع الجهات ذات العلاقة، وهو ما رصدته جمعية حماية المستهلك في وقت مبكر.
إثر ذلك تم تشكيل لجنة من الشركات التسويقية الثلاث مع نقابتي وكلاء السيارات ومحطات المحروقات ومؤسسة المواصفات والمقاييس لأخذ عينات من منتج البنزين لدى الشركات الثلاث وكذلك عينات بواجي من وكالات السيارات لتحديد أصل المشكلة.
وأعلنت مؤسسة المواصفات والمقاييس أول من أمس نتائج تقرير فحص عينات من البنزين المستورد والمكرر محليا والتي تمت في احدى المختبرات العالمية (أس جي أس) SGS وأظهرت أن نسبة المنغنيز في البنزين المستورد مطابقة لمتطلبات القاعدة الفنية الأردنية الخاصة بالبنزين.
وأضافت أن نسبة المنغنيز في العينات التي تم فحصها كانت أقل من 1ر0 ملغ/ لتر، في حين ان النسبة المسموح بها حسب القاعدة الفنية هي 2 ملغ/ لتر إلا انها أشارت إلى أن النتائج اظهرت ارتفاع نسبة الحديد المضاف إلى البنزين المستورد، مشيرة إلى أن القاعدة الفنية الأردنية لا تحدد نسبة الحديد الذي لم يعد، بحسب المراجع الدولية، يستخدم كمضاف إلى البنزين.
وبينت المواصفات ان نسبة المنغنيز في البنزين المكرر محلياً في مصفاة البترول كانت 24 ملغ /لتر في بنزين أوكتان 90، وهذا مخالف لمتطلبات القاعدة الفنية الأردنية، ونسبة المنغنيز في بنزين أوكتان 95 كانت 1ملغ/ لتر، وهي مطابقة للقاعدة الفنية الأردنية.
المصفاة، بدورها، أصدرت بيانا احتج فيه على تصريحات مؤسسة المواصفات والمقاييس، وأتبعت ذلك بمؤتمر صحفي لمديرها العام، عبدالكريم العلاوين.
أكد العلاوين في مؤتمره الصحفي أن البنزين 90 المنتج لدى شركة المصفاة والمباع في محطات شركة تسويق المنتجات البترولية زاد استهلاكه بنسبة 25 % في الاشهر الثلاثة الأخيرة وأن ذلك خير دليل على جودة هذا المنتج مقارنة بمنتج المنافسين "المستورد"، وأن إضافة مادة "الحديد الممنوعة" إلى البنزين سبب زيادة الاستهلاك وتلف "البواجي".
إزاء ذلك ناقضت مصادر من شركات تسويقية في حديث "للغد" ما جاء على لسان المصفاة، مؤكدين أن المنغنيز مضر بالمركبات وبالبيئة، وأن تقرير شركة SGS العالمية التي تولت القيام بفحص لعينات البنزين من الشركات الثلاث اثبت أن نسب المنغنيز العالية هو السبب في هذه المشكلة.
هذه المصادر، دعمت رايها بنسخة من نتائج تقرير SGS وقد أشارت فيه الشركة إلى ارتفاع نسب مادة المنغنير في البنزين المحلي وان هذ المادة هي السبب في تلف "البواجي" إذا ان النسب المسموح بها 2 ملغ/لتر بينما ظهر في عينات "المصفاة" بأنه نسبته 24 ملغ/لتر.
هذه المصادر بينت أنه لاتوجد محددات للحديد عالميا أو لنسبته في البنزين لأنه غير مضر، ولذلك فإنه غير مدرج في أي مواصفة حول العالم تتعلق بالبنزين.
وأكدت هذه المصادر أن المصفاة بدأت منذ بداية العام وليس مع بدء الاستيراد الذي بدأ اعتبارا من تموز (يوليو) كما ورد من قبل "المصفاة" مستندة المصادر ذاتها إلى تصريحات في ذلك الوقت لمسؤولين قالوا إنه تمت اضافة مواد للبنزين بهدف تسهيل عملية فحصه من الغش والتلاعب محليا بدلا من ارساله للمختبرات.
المصادر، ومع تأكيدها على الالتزام بالمواصفات والمقاييس الأردنية، انتقدت في هذا الخصوص، عدم وجود مختبر محلي محايد لفحص عينات الوقود داخل الأردن يعطي نتائجه بدقة وموضوعية".
يشار إلى أن مدير مؤسسة المواصفات والمقاييس السابق د.حيدر الزين كان قدر طلب انشاء مثل هذا النوع من المختبرات يكون مملوكا لنقابة أصحاب محطات المحروقات ومراكز التوزيع إلا أنه لم ينفذ حتى الوقت الحالي، وهو ما أكده "للغد" رئيس النقابة م. نهار السعيدات مبينا في الوقت ذاته أن النقابة قادرة على انشاء هذا المختبر وتشغيله في غضون شهرين إذا توفر لها الدعم المالي المناسب.
من جهة اخرى، استنكر رئيس مركز ميشع لحقوق الإنسان د. ضيف الله الحديثات، الخطوة التي قامت بها الحكومة السابقة بتاريخ 1 أيار ( مايو) الماضي والمتمثلة بمنح المصفاة استثناء من المواصفات الفنية، ووصف الخطوة بانها مخالفة للدستور والقانون، واصفا ذلك بـ"تعد على حقوق المواطنين الصحية والبيئية من جهة وتغول على مؤسسات رسمية، ومنعها من القيام بدورها القانوني والرقابي، مثل وزارة البيئة ومؤسسة المواصفات دون سند قانوني".
كما وأشار الى أن المركز سوف يقاضي الحكومة والمصفاة اذا لم تتخذ خطوات فورية بالغاء الاستثناء الممنوح لمصفاة البترول، قائلا إن على الحكومة أن تخضع جميع المنتجات النفطية للرقابة الصارمة، انطلاقا من المصلحة الوطنية العليا.