تواضع إنفاق الأردنيين على التعليم

بينما تكشف الأرقام المعلنة من قبل دائرة الاحصاءات العامة عبر مسح دخل ونفقات الأسر الأردنية الأخير عن تراجع نسبة إنفاق الأسر على التعليم من إجمالي إنفاقها العام إلى 4.6 % مقارنة مع 5.5 % في المسح السابق، يناقش خبراء سؤال مفاده ... ما السبب وراء ذلك؟
وتبين الأرقام أن متوسط إنفاق الأسرة على التعليم بلغ بحسب مسح 2017/2018 ما مقداره 579 دينارا سنويا (حوالي 48 دينارا شهريا) وهو ما يشكل نسبته (4.6 %) من أصل مجمل انفاقها والذي يقدر بـ12.519 دينارا سنويا (1043 شهريا).
فيما كان المسح السابق الذي نفذ عام 2013/2014 قد أشار إلى أن الانفاق على التعليم يقدر بحوالي 570.5 دينار سنويا (47.5 دينار شهريا)، وبنسبة تصل إلى حوالي 5.5 % من مجمل انفاق الأسر آن ذاك والذي قدر بحوالي 10251.6 دينار سنويا (854.3 شهريا).
ولعل أهم أسباب تواضع الانفاق وفق مايرى خبراء هو تواضع الأداء المالي للأسر، إذ تركز انفاقها على أساسيات أخرى (مأكل ومسكن وكهرباء ومياه وغاز ونقل وغيره) إذ تشير الاحصائية نفسها إلى أن الانفاق على هذه البنود الخمسة استحوذ على ما نسبته 40 % من إجمالي الانفاق.
ويضيف الخبراء أن تراجع نسبة الانفاق على التعليم بين المسح الأخير والسابق يعطي دلالة بأن هناك أعدادا من الأسر نقلت أبناءها من مدارس القطاع الخاص ووضعتهم في المدارس الحكومية وهذا ما يحدث عادة سنويا في تزايد أعداد المنتقلين من المدارس الخاصة إلى الحكومية.
ويلفت البعض إلى أن تواضع هذا الإنفاق سببه أن المملكة توفر التعليم شبه المجاني لمواطنيها، ولجوء معظم الأسر الأردنية إلى التعليم الحكومي بدلا من الخاص في ظل تواضع دخولها – باستثناء الطبقات (المتوسطة الغنية) والغنية-.
وإضافة إلى ذلك، فإنّ الخبراء يفسرون انخفاض الانفاق هذا بأنه مرتبط بأن الأسرة الأردنية لم تعد ترى في التعليم العالي "استثمارا" كما كان في العقود الماضية، إذ أنها تنفق على ابنها أموالا طائلة في حين أنّه لم يعد يستطع أن يجد عملا بدخل مناسب سواء في الأردن أو خارجه.
وأشاروا إلى أن أرقام البطالة باتت تزيد عاما بعد عام فيما أن معدلات النمو الاقتصادي متواضعة وليس هناك من مؤشرات بأن ترتفع.
وأشار البعض إلى أن هذه النسبة لا بد أن تكون بمثابة "جرس إنذار" للحكومات التي تضع السياسات، إذ لا بد أن تولي هذا القطاع اهتماما أكبر في ظل تزايد المقبلين عليه سنويا.
وكانت وزارة التربية والتعليم قد قدرت أعداد الطلبة المنتقلين من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية لأول 9 أشهر بحوالي 50 ألف طالبا وطالبة في مختلف مديريات التربية والتعليم التابعة للوزارة، منهم 35 ألف طالب وطالبة خلال اليوم الأول.
الخبير التربوي ذوقان عبيدات أكد أن تواضع إنفاق الأسر يقابله إنفاق كبير من قبل الدولة على التعليم لتستطيع توفيره بشكل مجاني لمواطنيها.
وأضاف " حتى نفقات التعليم الأخرى مثل أثمان الكتب للمرحلة الاساسية هي مجانية، فيما أنها رمزية لصفوف العليا الثانوية، كما ان اللباس موحد ويباع بأسعار زهيدة جدا إضافة إلى ان التنقل إلى المدارس ايضا لا يتم دفع مبالغ عليه في ظل توجه العائلات في الغالب لارسال أبنائهم إلى المدارس التي تقع بالقرب من سكنها".
ووفقا لـ عبيدات فإن تكلفة الطالب في التعليم الجامعي هي التي تعتبر مكلفة ومرهقة لكثير من الأسر، في ظل ارتفاع رسومه.
الخبير الاقتصادي زيان زوانة أشار إلى أنّ تفسير هذه النسبة ترتبط بعدّة مؤشرات وعوامل ، فهو يرى بأنّ "التعليم خلال السنوات الاخيرة تراجع مستواه بشكل واضح، كما تراجعت دخول الأسر، وباتت هناك أولويات أخرى للأسرة من غذاء وتدفئة وكهرباء وماء وغاز ونقل وغيره تأخذ أهمية أكبر في الانفاق في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع الدخول".
وأشار إلى أن الإنفاق على البنود الأخرى من صحة وتعليم وادخار ورفاه بات أقل بكثير في ظل تزايد التكاليف والأولويات الأخرى.
وإضافة إلى ما سبق يرى زوانة بأن ارتفاع أسعار (التعليم العالي) بنسب كبيرة خلال السنوات الماضية أدى أيضا إلى احجام الأسر عن التعليم العالي، والذي زاد أيضا في ظل تراجع ثروات الأردنيين وتغير قناعات الأسر كون التعليم استثمارا يؤتي أكله فيما بعد.
ويبين زوانة أن الأسرة في العقود الماضية كانت تنفق على تعليم أبنائها كاستثمار على اعتبار أنّه سيجد عملا في الأردن أو خارجه – تحديدا في الخليج- إلا أن هذا الوضع تحول خلال السنوات الأخيرة إذ أنّ الخريج لم يجد عملا في الأردن مع انخفاض فرص العمل التي تزامنت مع تراجع النمو الاقتصادي.
وبين أنه لم يعد يجد فرصا في الخليج الذي كان الوجهة الأولى للخريجين بسبب سياسات هذه الدول ووضعها الاقتصادي الذي أدى خلال السنوات الأخيرة إلى تسريح الكثير، أو الى زيادة تكاليف الحياة هناك حيث لم يعد العمل مجديا فيها كما كان في السابق.
وأضاف في تفسيره إلى أن الكثير من الأسر الأردنية باتت تنقل ابناءها من المدارس الخاصة الى الحكومية، بعد تراجع دخولها وارتفاع الأسعار وارتفاع تكاليف التعليم الخاص في المدارس، فلم تعد هذه الأسرة قادرة على دفع تكاليف التعليم الخاص وبدأت تنقل أبناءها الى مدارس القطاع الحكومي.
ويرى زوانة أنّ هذا المؤشر "سيئ" في ظل مستوى التعليم في المملكة، حيث لا بد –وفق زوانة- أن تقوم الحكومات بمراجعة خططها وسياساتها في التعليم والتدريب والتأهيل ومن ثمّ التوظيف في ظل معدلات البطالة المرتفعة.
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د.قاسم الحموري يرى أن هذه النسبة هي بمثابة "جرس انذار" للحكومات التي تضع السياسات، حيث لا بدّ أن تولي هذا القطاع اهتماما أكبر في ظل تزايد المقبلين سنويا عليه.
واتفق الحموري في تفسيره للرقم مع زوانة إذ أشار إلى أن معظم الأسر يذهب انفاقها على سلع اساسية أخرى تعتبر أولوية لها في ظل ارتفاع الأسعار إضافة إلى أنّ انفاقها كان على التعليم في السنوات السابقة استثمارا ناجحا إذ يستطيع الابن المتعلم أن يجد عملا أسرع وبدخل أعلى من غيره، لكّن هذا تحول خلال السنوات الاخيرة في ظل انخفاض فرص الحصول على العمل حيث أنمعدلات البطالة مرتفعة.
ولا بدّ من الاشارة هنا إلى أن مؤشر "رأس المال البشري" الصادر حديثا عن البنك الدولي كان قد أشار الى وجود "فجوة" في جودة التعليم التي يتلقاها أطفال المملكة، حيث بين هذا البنك انّه في الوقت الذي يحصل فيه طلاب الأردن على 11.6 عام من الدراسة خلال عمر 4 أعوام الى 18 عاما، فإنّ التعليم الحقيقي (ذو الجودة) الذي يحصلون عليه يصل الى 7.6 أعوام ما يعني أن هناك فجوة تساوي 4 سنوات.