العرب والمسلمين وإسرائيل في دراسة معهد اليونسكو للإحصاء

في دراسة اصدرها مؤخراً معهد اليونسكو للإحصاء UNESCO Institute for Statistics (UIS) حول المبالغ التي تستثمرها الدول في البحث والتطوير والتي جاءت بعنوان (How Much Countries Invest in Research & Development) فقد بلغ هذا الاستثمار ترليون وسبعمئة مليار (1.7) دولار استحوذت فيه عشرة دول على (80%) من هذا الاستثمار ، وكالعادة جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى وبفارق مئة مليار دولار عن الدولة التي تليها وهي الصين ، بحيث بلغ ما تستثمره الولايات المتحدة في البحث والتطوير(476.5) بليون دولار وهو ما يمثــــــــــل ( (2.7%من الناتج القومي ، وجاءت الصين في المرتبة الثانية ( 370.6) بليون دولار وهو ما يمثل( 2% ) من الناتج القومي ، بينما جاءت في المرتبة الثالثة اليابان (170.5) بليون دولار وهو ما يمثل (4.3% ) من الناتج القومي ، ثم أتت المانيا في المرتبة الرابعة (159.8 ) بليون دولار وهو ما يمثل( 2.9% ) من الناتج القومي ، بينما الستة دول الأخرى ضمن العشرة الأوائل لم تتخط حاجز المئة بليون دولار تتقدمها كوريا الجنوبية( 73.2) بليون دولار ، ثم فرنسا (60.8) بليون دولار ، فالهند (48.1) بليون دولار ، ثم المملكة المتحدة (44.2 ) بليون دولار ، فالبرازيل (42.1 ) بليون دولار واخر هذه الدول العشرة روسيا الاتحادية (39.8) دولار.
والمستعرض لهذه الدول العشرة المتصدرة للإحصائية يلاحظ انها تشترك بقواسم مشتركة عدة ، اولها انها انظمة ديمقراطية - باستثناء الصين - وان اختلفت في شكل النظام السياسي فمنها الرئاسي كالولايات المتحدة الامريكية وفرنسا والبرازيل وروسيا ، ومنها الحكومات البرلمانية كاليابان والمانيا والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية ، اما الصين فنظامها نظام الحزب الواحد ، ومن القواسم المشتركة لهذه الدول ان اقتصادها اقتصاد السوق بما فيه الصين الشيوعية وان كانت تتفاوت كل دولة عن الاخرى في مدى تطبيق قواعد هذا النظام ، كما ان جميع هذه الدول ضمن مجموعة العشرين ، وخمسة من هذه الدول تشكل الاعضاء الدائمين لمجلس الأمن – الولايات المتحدة الامريكية، المملكة المتحدة ، فرنسا ، روسيا الاتحادية ، الصين الشعبية – الى جانب انها الاقل فساداً ضمن اخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية في تقريرها "مؤشر مدركات الفساد" ، كما ان هذه الدول تصدرت القائمة بعدد الباحثين ، ولم تتقدم على هذه الدول الا الكيان الصهيوني بثمانية الاف ومئتين وخمسين باحثاً لكل مليون نسمة ، بينما جاءت كوريا الجنوبية ضمن الدول العشرة اولاً بستة الاف وثمانمائة وستة وخمسون باحثاً لكل مليون نسمة ، تلتها اليابان خمسة الاف وثلاثمائة وثمان وعشرين باحثاً ، فألمانيا اربعة الاف وثلاثمائة وثمانية عشر باحثاً ، فالولايات المتحدة اربعة الاف ومئتين وخمس وخمسين باحثاً ، ثم المملكة المتحدة اربعة الاف ومئتين واربعة وخمسين ، باحثاً ثم فرنسا اربعة الاف ومئتين واربع واربعين باحثاً.
تقدم هذه الاحصائيات التفسير المنطقي لتقدم هذه الدول في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية , فدولة كالهند وهي ضمن العشرة الاوائل في القائمة ، والتي تنفق على البحث والتطوير ثمانية واربعين بليون دولار ، وعدد سكانها حوالي (1,252,000,000 ) حسب إحصائية البنك الدولي لعام 2013م، تشكل تكنولوجيا المعلومات واجهة الاقتصاد الهندي الحديث ، حيث تنتشر الكفاءات الهندية في هذا المجال في كبرى الشركات العالمية ، وتعد أسرع القطاعات نمواً، تدر على البلاد حوالي 13 بليون دولار سنوياً ، يحتل الاقتصاد الهندي المركز العاشر عالمياً من حيث تبادل العملات ، والرابع من حيث معدل القوة الشرائية (PPP) كما سجلت الهند عام 2003 م أعلى معدلات النمو السنوية في العالم (حوالي 8%). والدخل السنوي الفردي (3,262 دولار حسب أرقام البنك الدولي). وللهند احتياطات من النقد الخارجي تبلغ حوالي 143 بليون دولار.
في دول الشرق الاوسط تظهر هذه الاحصائية مجموعة من المؤشرات اولها تصدر تركيا قائمة الدول فيه كما تتصدر في الوقت نفسه دول العالم الاسلامي حيث تنفق على البحث والتطوير 09% من الناتج القومي بواقع (15.324.2) بليون دولار ويصل عدد الباحثين الى (1163) باحثاً لكل مليون نسمة ، وهذا يقدم تفسيراً منطقياً للنهضة التي تشهدها تركيا على مختلف الصعد من خلال تطوير البنى التحتية من شبكة مواصلات متقدمة-الخطوط الجوية التركية حازت اكثر من مرة على المركز الاول في اوروبا من حيث جودة الخدمة- كما افتتح الرئيس التركي اردوغان قبل ايام اكبر مطار في أوروبا اذا يستطيع هذا المطار استيعاب تسعين مليون مسافر في السنة ، وخدمات صحية ذات جودة عالية ، والتوسع في انشاء الجامعات- ستة جامعات ضمن افضل خمسمئة جامعة على مستوى العالم-والتي تضم بين جنباتها مراكز دراسات متنوعة ومتخصصة ،الى جانب الانفاق على مراكز الدراسات الخاصة بالقطاع العسكري ، بحيث اصبح لتركيا باع طويل في التصنيع العسكري وتجارة السلاح ، الى جانب تطوير قطاع السياحة بحيث اصبح يؤم تركيا ملايين السياح في العام من شتى انحاء العالم ،والذي اصبح يدر عليها مليارات الدولارات سنوياً ، ثم يأتي الكيان الصهيوني بعد تركيا حيث ينفق على البحث والتطوير( 4.2% )من الناتج القومي بواقع (12.38) بليون دولار ، بينما يتصدر هذا الكيان دول العالم قاطبةً في عدد الباحثين حيث بلغ (8250) باحثاً لكل مليون نسمة ، والمفارقة ان هذا الكيان يكاد يقترب بحجم ما ينفقه على البحث والتطوير من الدول العربية مجتمعة ، فقد بلغ مجموع ما تنفقه الدول العربية (15.259) دولار ، مع الفارق ان هذا الانفاق في هذا الكيان يذهب في الاتجاهات الصحيحة ، بحيث ينعكس على تطور واضح في جميع المجالات فهذا الكيان يتفوق على الدول العربية في جميع المجالات ، فعلى سبيل المثال تضم "اسرائيل" ثمان جامعات وتحتل هذه الجامعات مكانة مرموقة وفقًا لترتيب (ويبوماتركس (، كما جاءت ست من جامعات هذا الكيان في لائحة أفضل 100 جامعة في آسيا ، ووفقا لتصنيف) لجياو تونغ شنغهاي( الأكاديمي العالمي للتصنيف الأكاديمي لجامعات العالم، وصلت أربع جامعات "إسرائيلية" منها جامعة تخنيون وجامعة تل أبيب إلى لائحة أفضل 150 جامعة في العالم، وثلاثة من هذه الجامعات دخلت لائحة تصنيف (كيو إس) للتعليم العالي العالمي للتايمز أي أفضل 200 جامعة عالمية ، كما وتوجه اسرائيل كثير من هذه الاموال للبحث والتطوير في الشأن العسكري بحيث تحرص على تفوق جيشها على جيوش الدول العربية مجتمعة ، بحيث اخذت بالاعتماد على ذاتها في مجال التصنيع العسكري حيث بدأت بتكوين قاعدة صناعية أساسية تطورت بعدها إلى (مؤسسة إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء (وتنتج حالياً العديد من آلات الحرب، من ضمنها طائرات دون طيار تستخدم للاستطلاع وكذلك ضرب مواقع عن بعد، وتقوم بتصديرها إلى روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا وكندا ، ثم تأتي ايران حيث تنفق (03%) من الناتج القومي بواقع (3.317.2) بليون دولار ، بينما يصل عدد الباحثين الى (671) باحثاً لكل مليون نسمة ، وما يميز هذه الدول الثلاث –تركيا ، اسرائيل ، ايران- ان نُظمها السياسية نُظم ديمقراطية ، وان كانت ديمقراطية ايران مقيدة بنظام يشترط موافقة مسبقة وضمن شروط تحددها المؤسسة الدينية(ولاية الفقيه) لقبول الترشح لمنصب الرئيس مما يؤدي استبعاد اعداد من المرشحين لهذا المنصب ، اما في العالم العربي فتأتي مصر في مقدمة هذه الدول اذ يبلغ انفاقها (06%) من الناتج القومي بواقع (6.1) بليون دولار ، بينما يصل عدد الباحثين (665) لكل مليون نسمة ، تليها دولة الامارات العربية المتحدة اذ بلغ انفاقها (07%) من الناتج القومي بواقع (4.2) بليون دولار بينما لا تتوفر إحصائية بعدد الباحثين ، ثم تأتي المملكة المغربية اذ بلغ انفاقها (07%) من الناتج القومي بواقع (1.58) بليون دولار وعدد الباحثين (1020) باحثاً لكل مليون نسمة ، اما في الترتيب الرابع عربياً فتأتي دولة قطر اذ بلغ إنفاقها (05%) من الناتج القومي بواقع (1.38) بليون دولار وعدد الباحثين (570) باحثاً لكل مليون نسمة ، بينما باقي الدول العربية لم تتخط أي منها حاجز البليون دولار في انفاقها على البحث والتطوير ؛ للوهلة الاولى قد تكون الارقام بالنسبة للدول العربية التي تخطت حاجز البليون خادعة ، فدولة كمصر والتي احتلت المرتبة الاولى عربياً اذ تنفق مبلغ تجاوز الستة بلايين دولار على البحث والتطوير ، وعلى الرغم انه لا يمثل الا( 06%) من دخلها القومي ، الا ان هذه المبالغ التي تنفق عل البحث والتطوير لا نشاهد لها اثر على ارض الواقع ، فالبنى التحتية فيها متهالكة شبكة مواصلات مهترئة تتسبب سنوياً بموت الالاف الضحايا ، بينما التعليم فيها بتراجع مستمر فنسبة الامية آخذة بالارتفاع اذ تجاوزت (45%) ، كما انها تستورد معظم حاجاتها الاساسية وخاصة المواد الغذائية ، مع انها بلد يصنف زراعياً بفضل وجود نهر النيل ومنطقة الدلتا والتي تعتبر من اخصب الاراضي الزراعية ، ودولة كمصر تمثل السياحة فيها مصدراً اساسياً من مصادر الدخل القومي ، او هكذا يُفترض الا انها لا تستغل بشكل كاف اذا ما قورنت بتركيا والتي تمثل السياحة فيها ايضاً مصدراً مهماً للدخل القومي ، نجد دخل تركيا من السياحة سنة 2017 (26ملياردولار) وهو اربعة اضعاف دخل مصر(7.6ملياردولار) من نفس العام ، وما ينسحب على مصر ينسحب على الدول العربية الاخرى فهي ليست احسن حالاً منها.
اخيراً وليس آخراً ، نؤكد ما بدأنا به اولاً ان هذه الاحصائية تبين ان حجم الانفاق على البحث والتطوير يرتبط طردياً اولاً ، بشكل النظام السياسي ، فكلما كانت الدولة تتبع النظم الديمقراطية كان حجم الإنفاق مرتفعاً وذهب بقنواته الصحيحة ، وانعكس على مستوى التقدم في هذه الدولة او تلك ، ثانياً ان حجم هذا الانفاق مرتبط بظروف الدول الخاصة ، فالكيان الصهيوني على الرغم من قلة عدد سكانه وصغر مساحته الا ان ظروفه الجيوسياسية والأمنية جعلته ينفق اموال طائلة على البحث والتطوير بحيث وصلت الى (4.2%) من الناتج القومي وهي من النسب المرتفعة عالمياً ، هاجسه في ذلك التفوق على الدول العربية والاسلامية ، بحيث تذهب نسبة كبيرة من هذه الاموال لتمويل الابحاث ذات الأغراض العسكرية.