لا تحرمو الأطفال طفولنهم
رحم الله شهداء الخميس الأسود ولا سامح الله كلُّ من اهمل او قصّر او اخطأ في حقِّ اولئك الطيور التي حلّقت سريعا لباريها لتظلِّل فضاء الجنّة فوق أهاليهم المكلومين الصابرين وفي حقِّ اولئك المُصابين والمفزوعين .
هي صدمة ومصيبة وقدَر على اهالي المفقودين تجرعوها بكل الم وعذاب وهم يحتسبون فلذات اكبادهم شهداء عند الله جلّ وعلا , وعلى المصابين والمفزوعين خفّف الله عنهم وشفاهم وكذلك هي فاجعة على قلب كل اردني وعلى كل انسان سمع ورأى ما حدث ودعوة من كل اردني طفلا او إمرأة أو مسنّا ان يأخذ الحقُّ مجراه ويعاقب المقصِّر حسب فعله وان يُشكر ويُقدّر كل متطوع سواء من استشهد في إنقاذ غيره او ما زال حيّا بعد انقاذ الغير .
أمّا المسؤوليّة في تداعيات ما حدث فهي مسؤولية مشتركة كل حسب موقعه وواجبه وعمله فقد تكون مسؤوليّته أخلاقيّة أم إجرائيّة ام جرميّة أمّا مسؤوليّة رئيس الحكومة فهي أخلاقيّة بحكم انه المسؤول الأول عن كل الفعاليات والأنشطة والواجبات المطلوبة من كافّة الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكوميّة المعنيّة وقد اقرّ الرئيس مشكورا بمسؤولية الحكومة العملية والإدارية والأخلاقية لتلك الفاجعة وثم مسؤولية الوزراء باعتبارهم المسؤولون عن قيام موظفي وزاراتهم بواجباتهم خير قيام وقد تلحق المسؤوليّة وزراء سابقون كانوا في الوظيفة وارتكبوا مخالفات او تقصير ما ويجب ان لا تكون الحصانة عقبة في ان يأخذ المقصِّر جزاءه لأن ارواح الابرياء من شعبنا اهم واثمن من اي لقب مهما علا فوزير التربية والتعليم وأمين الوزارة ومسؤول الأنشطة المدرسيّة ومسؤول الأنشطة اللامنهجيّة مسؤولون عن الإهمال والتقصير وعدم سعة الأفق في صاحب المنصب الرفيع وعليه يجب محاسبتهم .
وثمّ وزير الداخليّة ومدير الأمن العام ومدير الشرطة السياحية ومدير الدوريات الخارجية ورجال الأمن العام المناوبين والعاملين في المنطقة القريبة لسماحهم لباص الطلاب للدخول في منطقة خطرة بجو سيئ .
وثمّ وزير الأشغال العامّة الذي شغل موقعه حديثا ووزراء سابقين وامين عام الوزارة ومسؤول مشاريع السدود والجسور والمهندسين الذين اشرفوا على تلك الأعمال واستلموها من المقاول .
وثمّ مدير المدرسة ونائبه ومشرف الرحلات ومنظم الرحلة وصاحب الشركة المنفذة للرحلة والأدلّاء الأحياء وسائق الباص والمرافقين وذلك حسب دور وواجب كل واحد منهم .
وثم مدير الدفاع المدني والمدير المناوب الفعلي وقت الفاجعة والكادر العامل وذلك على سرعة تجاوبهم مع الحدث او تأخرهم عن نداء الواجب .
وثم مدير سلطة وادي الأردن ونائبه والجهاز المناوب وسرعة تجاوبهم في القيام بواجبهم .
وثم مدير مركز الطب الشرعي ونائبه والمناوبين على اللغط والخطأ الذي حصل في تسليم الجثث للأهالي بطريقة سليمة وكريمة للشهداء والمواطنين .
أنا اعلم اننا شعب مجبول من نفس الطينة التي لا تُبيِّض الوجه وكلنا نبعبع ونحن خارج الوظيفة وعندما نجلس على كرسي المعالي يصبح راسنا واطي وضميرنا يأخذ إجازة حتى ننزل عن الكرسي ونصطف مع المعارضة التي تمثِّل الجانب المظلم من خِلَقْنا الكالحة لأنها هي الشيزوفرانيا المختبئة داخلنا ولو انّ الإمتيازات التي نحصل عليها عندما نمتطي صهوة الكرسي نفتقدها عندما نُجبر بالنخلّي عن الكرسي لتحسنت اخلاقنا ولصحيت ضمائرنا وثبتنا على وجه واحد مهما تغيّر الحال
وها هم كبار المسؤولين يتراشقون بالمسؤوليّة لكي يتلبسها الكبش المكسورة قرونه ولا يستطيع مجابهة زوجته بالبيت فكيف له ان يُجابه عليّة القوم ممن يقتلون القتيل ويمشون في جنازته .
وها قد ادركت الحكومة مشكورة اهميّة الإستعداد لحالات الطوارئ في بلدنا الحبيب وشكلت لجنة وزاريّة برئاسة نائب رئيس الحكومة وقد كتبتُ عدّة مرّات ومنذ اكثر من عشر سنوات حول اهميّة إنشاء وزارة طوارئ تضم تحت جناحها كل المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية ومركز التعامل مع الكوارث والمجلس الأعلى للدفاع المدني وتكون برئاسة رئيس الحكومة وقراراته كوزير طوارئ كأنها قرارات صادرة من جلالة القائد الأعلى او الحاكم العسكري في حال فرض أحكام الطوارئ لا سمح الله .
وقد خسر بلدنا خلال السنين الماضية عشرات الأرواح ومئات الملايين من الدنانير ولم تقم اي من الحكومات المتعاقبة بالسماع لي او لغيري عن اهمية الموضوع وكأن الكاتب يريد ان يُبروِز نفسه ليمتطي صهوة كرسي المعالي ويحقِّق مكاسب خرافيّة لا سمح الله .
وهنا في بلدي الكثير من المخلصين لترابه وغير الآبهين للمَعان دنانيره او كراسي مناصبه ولكن همُّهم خدمة البلد لكي لا نرى مزيدا من الطيور تحلِّق عاليا نحو جنان الخلد مبكِّرا وبإمكانهم ان يقدِّموا العون للحكومات حول تشريعات واليات التعامل في حالات الطوارئ منذ مرحلة الإعلان والإستعداد والإيواء والإنقاذ والعلاج إن لزم وكذلك تقييم الكارثة والدروس المستفادة بدل التراشق بتحمل المسؤليّة .
انا مؤمن بالقضاء والقدر وان لكل نفس موعد موتها لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ولكن ما أناقشه هنا هو المسؤولية والقيام بهذه المسؤوليّة في وقتها وبالسرعة التي تناسب الكارثة والفاجعة التي حدثت والإستعداد والتحضيرات لعدم حدوث كوارث مشابهة وبتلك الخسائر الجسيمة والمؤلمة لكل الشعب الأردني .
رحم الله الشهداء الأبرار وشفى المصابين والمفزوعين وصبّرنا والأهالي المكلومين وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .