50 ألف نازح سوري في الركبان يكافحون من أجل العيش

في عمق الصحراء السورية وبمحاذاة الحدود مع الأردن، يكافح نحو 50 ألف نازح في مخيم الركبان للحصول على أبسط مقومات الحياة، يقيمون داخل خيم متواضعة وغرف من الطين، بالكاد يؤمنون طعامهم، ويفتقدون الى رعاية طبية.
بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من نزوحه اليه، يلخص أبو نشوان (55 عاماً) الوضع في المخيم الواقع في منطقة جغرافية حساسة، بالقول "إنه مخيم الموت".
ويقع مخيم الركبان ضمن منطقة أمنية بقطر 55 كيلومتراً أقامها التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العام 2016 حول قاعدته العسكرية في منطقة التنف شمال شرق المخيم، والقريبة من الحدود العراقية والأردنية.
منذ تأسيسه في العام 2014، والظروف المعيشية داخل مخيم الركبان تزداد سوءاً. وصل الأمر بداية الشهر الحالي الى حدّ وفاة طفلين خلال فترة لم تتجاوز 48 ساعة، أحدهما (خمس سنوات) جراء إصابته بتعفن الدم وسوء التغذية، وطفلة رضيعة (لم تتجاوز أربعة أشهر) نتيجة المرض ذاته والجفاف، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).
ودفعت وفاة الطفلين الأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر مجدداً، لتعلن الأربعاء الماضي حصولها على موافقة الحكومة السورية لإيصال قافلة مساعدات "خلال الأيام القليلة المقبلة" إلى الركبان، قادمة للمرة الأولى من دمشق.
ويصف مقيمون في المخيم وضعهم المأساوي. ويقيم النازحون، وغالبيتهم فروا من هجمات تنظيم داعش الإرهابي على ريف حمص الشرقي خلال السنوات الماضية، في خيم متواضعة أو غرف صغيرة من الطين بالكاد تقيهم العواصف وأمطار الشتاء.
ويقول أبو نشوان "أهل المخيم بحاجة إلى كل أنواع المواد الغذائية، من طحين وسكر وأرز وزيت و"دبس بندورة" (معجون الطماطم) وبقوليات".
ويوضح أنّ غالبية سكان المخيم غير قادرين حتى على شراء الخبز، جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وبحسب قاطنين في المخيم، فإن القلة المتوفرة من المواد الغذائية والمرتفعة الثمن أساساً تأتي عبر عمليات تهريب من مناطق تحت سيطرة قوات النظام تقع غرب المخيم. لكن وتيرة التهريب تراجعت خلال الأسابيع الماضية جراء إجراءات أمنيّة مشدّدة فرضتها قوات النظام.
وترسل الأمم المتحدة عادة المساعدات إلى المخيم عبر الحدود الأردنية. وكانت آخر قافلة دخلت اليه في كانون الثاني (يناير) 2018.
وتدهورت أوضاع العالقين في المخيم بعد إعلان الأردن منتصف العام 2016 حدوده مع سوريا والعراق منطقة عسكرية مغلقة، إثر هجوم بسيارة مفخخة تبناه تنظيم الدولة الإسلامية واستهدف موقعاً عسكرياً أردنياً كان يقدّم خدمات للاجئين.
في نهاية العام 2017، طالب الأردن بايصال المساعدات الى الركبان عبر دمشق.
ويقول محمود أبو صلاح (30 عاماً)، وهو ناشط إعلامي ومُدرس، إن الصعوبات لا تقتصر على "النقص الحاد في الطعام والأدوية وتضاعف الأسعار"، بل تطال صعوبة توفير الحفاضات للأطفال الرضع.
ويتابع أن كثيرين "يستخدمون قطع القماش بدلاً من الحفاضات، ويطعمون الرضع خليط المياه والسكر أو حتى الشاي كمتمم غذائي كونهم يعجزون عن شراء مستلزمات أطفالهم" الأساسية.
ويأكل كبار السن ما توفر من خبز وأرز وبرغل، لكن كثيرين، بحسب أبو صلاح، "لا يمكنهم الحصول حتى على هذه المواد".
وينتظر أبو صلاح بفارغ الصبر وصول المساعدات إلى المخيم الذي يرى أنه حان الوقت "للاعتراف به بشكل رسمي بما يتيح دخول المنظمات الإنسانية والأطباء وبناء المستشفيات (...) أو نقله إلى موقع أفضل حالاً تتوفر فيها مقومات العيش".
ويعاني المخيم من نقص حاد في الأدوية. أما النقاط الطبية الموجودة، فهي غير مجهزة إطلاقاً ويعمل فيها ممرضون من دون أطباء.
وللحصول على حد أدنى من الرعاية الطبية، يعبر مرضى المخيم الحدود لمسافة كيلومتر واحد وصولاً الى عيادة تابعة للأمم المتحدة في الجهة الأردنية.
ويردد شكري شهاب (45 عاماً)، وهو مسؤول إحدى النقاط الطبية في المخيم ونازح من مدينة تدمر، عبارة باللهجة العامية "عايش من قلة الموت"، في إشارة إلى الوضع المزري.
ويوضح "لا أطباء في المخيم ولا مركزا مجهزا"، مشيراً إلى أن أقصى ما يمكن أن تقدمه النقاط الطبية في المخيم هي "الإسعافات الأولية والولادات الطبيعية".
ويعمل شهاب، وهو ممرض، في هذه النقطة الطبية مع قابلتين ومتدربي تمريض. ويقول "نقوم بدور الممرض والطبيب والصيدلي معاً".
ويشكل غياب المراكز الصحية مصدر قلق أساسي للأمم المتحدة.
ويقول المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة دايفيد سوانسون لفرانس برس "الركبان ليس مخيماً رسمياً، بل هو تجمع عشوائي للنازحين السوريين. وليس لدى الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية غير الرسمية إمكانية مباشرة للوصول إليه".
ويفترض أن تحصل الأمم المتحدة على موافقة الحكومة الأردنية أو السورية لإدخال المساعدات.
ويضيف سوانسون "لا توجد منشآت صحية في الركبان"، في حين أن عيادة الأمم المتحدة لا تقدم "سوى الخدمات الأساسية".
وتحيل العيادة التي تغلق أبوابها يومياً عند الساعة الثالثة عصراً، الحالات الصعبة إلى مستشفيات في الأردن، وهو أمر صعب، وفق ما يقول سكان في المخيم.
ونزح محمد الخالدي (43 عاماً)، وهو أب لعشرة أطفال، من مدينة تدمر، ولم يجد سوى المخيم ملجأ له.
ويقول الخالدي "سبق أن أعلننا مخيم الركبان منطقة منكوبة، ولكن لا من مجيب".
ويضيف "نشعر وكأننا نعيش خارج الكرة الأرضية"