القرار الملكي .. رسائل سياسية عميقة تتعدّى الباقورة والغمر!
شكّل قرار الملك عبدالله الثاني، بإنهاء ملحقي الباقورة والغمر، من اتفاقية وادي عربة، قبيل أيام معدودات من انتهاء موعد تجديد الاتفاقية التي وقعت قبل ربع قرن من الزمان، رسالة ملكية سياسية هامة للغاية، مفادها، أن الأردن، لن يقبل اي شكل من تداخل السيادة على شبر من أراضيه، تحت أي ظرف أو اتفاقية ومعاهدة.
الموقف الملكي التاريخي، من الباقورة والغمر، تعداهما.. ليحمل في ثناياه رسالة سياسية استباقية أعمق، وأخطر، لكيان الاحتلال، وواشنطن، والعالم بأسره، أن الأردن الذي يرفض استمرار أي تأثير على سيادته التامة والكاملة، على منطقتين صغيرتين من أراضيه، خضعتا لاتفاق سلام، من الاستحالة عليه أن يقبل، أي سيادة اسرائيلية على مدينة القدس المحتلة، التي تقع مقدساتها الإسلامية والمسيحية، تحت الرعاية الهاشمية، لا ولن يقبل التفاوض على هذا الأمر لاحقاً - كما يخطط له - من الأساس.
الملك، اختار التوقيت الحاسم، والأنسب، وأعلن القرار بنفسه، ولم يتركه للحكومة، فبعث رسالة سياسية من رأس هرم الدولة، خاصة، أنه لم يتبق على موعد تجديد ملحقي الاتفاقية، سوى بضعة أيام، ما يعني، أن الاسرائيليين الذين باغتهم القرار وأربكهم ، لن يجدوا الوقت الكافي لالتقاط أنفاسهم، ولا المساحة الزمنية المناسبة، للتفاوض، وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
ومن المؤكد، أن القرار الملكي التاريخي، ينبع من الثقة الأردنية بسيادة قراراتها كدولة مؤسسات راسخة، لا تتعاطى مع الشأن السياسي، وفق المصلحة، أو تحت الضغط، بل بما تمليه عليها مصلحتها الوطنية العليا، كما تستقيه من الإرادة الشعبية المنسجمة مع قيادتها حتى النخاع، وترويه من طموح الأردنيين، وتطلعاتهم، وثقتهم بقرارات قيادتهم، فكان قراراً ملكياً، يعكس حالة التآلف، بين الحاكم وشعبه، والتناغم، بين فكر وقرار القيادة، وارادة وثقة المواطنين.
ومن الجدير ذكره والتذكير به، ان أراضي الباقورة قد احتلت في العام 1950، وتبلع مساحتها التي وقّع عليها ضمن ملحق لاتفاقية وادي عربة، 820 دونماً، وتقع شرقي نقطة التقاء نهري الأردن واليرموك، فيما تبلغ مساحة الغمر التي احتلت خلال عامي 68 - 1970، حوالي 4235 دونماً، وتقع في وادي عربة، وهي منطقة زراعية بامتياز ، نظراً لوفرة المياه الجوفية فيها، والآبار الارتوازية.
وتم اخضاع المنطقتين، بموجب ملحقين من اتفاقية وادي عربة، لنظام خاص، مدته 25 عاماً، على أن تجدد الاتفاقية التي سميت حقوق استعمال إسرائيلية خاصة تتعلق بالأرض، تلقائيا لـ 25 عاماً ثانية، ما لم يبلغ أحد الطرفين نيته بإنهاء العمل بهذا الملحق، قبل سنة واحدة من انتهاء الاتفاقية، الذي يصادف في 26 تشرين أول 2018، ليسبقه القرار الملكي الذي يسجل بحروف من المجد والفخار، ويعيد وضع النقاط على حروفها، ويؤكد على تكريس السيادة الوطنية التامة والكاملة عليهما، مثلما يؤكد أن مصلحة الدولة الاردنية،ومواطنيها، فوق أي وكل اعتبار.