دعوات لتجنب إطلاق الخطط والبرامج الوطنية بدون تنفيذها

بينما تتجه الحكومة لإطلاق "مشروع نهضة وطني شامل"، يطالب خبراء اقتصاديون بضرورة ألا يكون هذا المشروع بمثابة تكرار للخطط والبرامج التي أطلقتها الحكومات السابقة وبقيت بدون تنفيذ.
ويرى هؤلاء أن الأردن اليوم يحتاج إلى إرادة لتنفيذ الخطط وليس إلى خطط جديدة لا تختلف عن سابقاتها، مطالبين بتقييم الخطط السابقة ومعرفة أسباب فشل تنفيذها والعمل على إزالة المعوقات التي أدت إلى ذلك.
ويأتي هذا في الوقت الذي صرح فيه رئيس الوزراء د.عمر الرزاز -خلال كلمة ألقاها أمام أعضاء البرلمان الأردني الصيف الماضي- بأنه سيتم إطلاق مشروع نهضة وطني شامل قوامه تمكين الأردنيين وتوفير خدمات نوعية.
وأوضح أن الحكومة تستقي رؤيتها بإطلاق المشروع من مضامين كتاب التكليف السامي، مشدداً على التزام الحكومة باتباع نهج جديد يقوم على التشاركية والحوار والمكاشفة، وصولاً إلى عقد اجتماعي يرسخ الحقوق والواجبات، تكون غايته الأسمى خدمة الوطن والمواطن.
ويؤكد الخبراء ضرورة أن يكون هناك مشاريع سريعة التنفيذ في أي خطة، تقوم على "الميزة النسبية" لكل محافظة.
وكانت الحكومات السابقة قد أعدت كثيرا من الخطط التنموية، مثل "رؤية الأردن 2025" التي انبثقت عنها برامج تنفيذية تنموية، وهي البرنامج التنموي التنفيذي (2016-2018) إضافة إلى خطط الاستثمار التابعة لمنحة دول الخليج التي أقرت في العام 2011، فضلاً عن برنامج (Jordan Compact) لدعم المجتمعات المضيفة للاجئين السوريين، والتخفيف من عبء اللجوء على المملكة، إضافة الى العديد من الخطط والاستراتيجيات المعدة للوزارات والدوائر الرسمية والوحدات الحكومية المستقلة، وأخيرا خطة تحفيز النمو الاقتصادي (2018-2022).
ورغم أن هذه الخطط والبرامج هدفت في معظمها إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي؛ وإنهاء الاختلالات الداخلية والخارجية؛ إلا أن الأردن ما يزال يعاني من تباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي، وما يزال يواجه بطالة مرتفعة تصل الى 18.7 % وعجزا في الموازنة يزيد على 500 مليون دينار، ودينا يصل الى 28.3 مليار دينار، إضافة نسب مرتفعة للفقر تقدر بحوالي 20 %، بحسب الأرقام الحكومية.
نائب رئيس الوزراء الأسبق د.جواد العناني، أكد أن المشكلة بعدم تنفيذ البرامج والاستراتيجيات السابقة كانت في أن هذه البرامج "معقدة" وفيها الكثير من الأهداف التي يصعب تنفيذها سواء لعدم توفر الوقت الكافي أو التمويل المطلوب، إضافة الى "عدم كفاءة القطاع العام" الذي من المفترض أن يسير في تطبيق هذه الخطط والبرامج.
ووفقا للعناني، فإن على الحكومة أن تقوم بطرح برنامج "سريع التنفيذ" يستهدف محاربة البطالة، وخصوصا لدى الشباب، مؤكدا ضرروة التركيز على "الميزة النسبية" لكل محافظة بحيث يتم إنشاء مشاريع في المحافظات المختلفة القائمة على ما تتوفر فيها من موارد طبيعية أو سياحية، مع ضرورة إيجاد مشاريع خدمية تدعم المشروع الأساسي لكل محافظة بما يضمن استمراره وتطوره بكل سريع.
وزير تطوير القطاع العام الأسبق، د.ماهر المدادحة، أشار الى أن الخطط موجودة منذ سنوات، لكن المشكلة في التنفيذ وآليات المتابعة، مضيفا أن كل وزارة أو قطاع اليوم لديه استراتيجيات، لكن الكثير منها لم ينفذ أو يتابع.
وأكد ضرورة توفر الإرادة في تنفيذ الخطط والمساءلة في حال عدم التنفيذ، مشيرا إلى أن المطلوب عدم تكرار الخطط بل البناء على ما هو موجود ومعرفة مواقع الخلل وأسباب عدم السير فيها.
الخبير الاقتصادي د.دريد محاسنة، أشار الى أنه قبل وضع خطط جديدة من قبل الحكومة لا بد أن يكون هناك "دراسة تقييمية" لما تم وضعه سابقا من الخطط ومعرفة ما تم تنفيذه منها وما لم يتم، وتحديد المعوقات التي أدت الى عدم تحقيق الأهداف الواردة في الخطط السابقة.
وقال محاسنة "ما الفائدة من إضافة خطط جديدة وتكديسها، ما لم يكن هناك نية حقيقية لتنفيذها"، مشيرا الى أن المهم في وضع الخطط والاستراتيجيات هو تنفيذها.
وتشير دراسة حديثة لمركز الدراسات الاستراتيجية بعنوان "البرامج التنموية الوطنية بين التخطيط والتنفيذ" الى أن "المملكة تعاني في الأعوام الأخيرة من اكتظاظ في الخطط والرؤى الاستراتيجية".
وأشارت الدراسة الى أنه "لم يتم الالتزام بتنفيذ العديد من البرامج والمشاريع التي تضمنتها الخطط في الوقت المناسب"، لا بل إنه يتم ترحيلها من خطة الى أخرى بدون إبداء أسباب عدم التنفيذ في الوقت المخطط له، والعديد من الأهداف الموضوعة ضمن هذه الخطط غير قابلة للقياس، حتى على المستوى القطاعي.
وفي المقابل، يلاحظ خلال السنوات الماضية اقتصار الإصلاحات الحكومية، ومنذ بداية العام 2016، على تنفيذ التزامات المملكة أمام "الصندوق" وتراخي الحكومة عن الإصلاح في الجانب التشريعي، وفي الأطر الحاكمة للنشاط الاقتصادي في المملكة.
وقالت الدراسة "إن العديد من الإجراءات والسياسات المقترحة ضمن "رؤية الأردن 2025" ليست جديدة، فقد كانت موجودة في الخطط والاستراتيجيات السابقة التي طورتها الحكومة والقطاع الخاص".
وأكدت أنه بالرغم من تشابه البرامج والخطط المعلنة من قبل الحكومات للإصلاح وتحفيز معدلات النمو الاقتصادي في المملكة خلال الأعوام من (2025-2016)، إلا أنه يلاحظ وجود بعض التضارب في المرتكزات الأساسية لهذه البرامج مع بعضها بعضاً.
وكشفت الدراسة عن بعض المشاريع ضمن البرنامج التنفيذي التنموي للأعوام من (2018-2016) بوصفها مشاريع مستمرة، وقيد التنفيذ مع تكاليف كلية مخصصة لها ضمن الموازنة العامة بحجم أعلى من الكلفة الكلية المرصودة لها ضمن المنحة الخليجية، فهنالك عملية ترحيل لهذه المشاريع والخطط في الأعوام المقبلة.