ليبيا: تعليقات المحللين بعد الانتخابات
جراءة نيوز - عمان : وصف من الناخبين عند بوابة إحدى المدارس بانتظار الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الليبية إن اختطاف رئيس اللجنة الأولمبية الليبية، نبيل العالم، الذي تمّ الإعلان عنه مؤخراً، يسلط الضوء على الوضع الأمني المهتز في بلد تكثر فيه الأسلحة ولا تزال به عدة ميليشيات تبدو وكأنها فوق القانون، ولكنه يخطو ببطء نحو تحقيق الاستقرار. فقد مرّت أول انتخابات حرة في ليبيا بسلاسة نسبية، رغم أنها تأخرت لمدة شهر ورغم حدوث حالات فردية قليلة من العنف ونهب مراكز الاقتراع، ونتج عنها انتخاب 200 عضو في المؤتمر الوطني العام. هذا وقد تم تخصيص 80 مقعداً فقط من 200 مقعد يضمها المؤتمر الوطني العام للأحزاب السياسية، بينما تم تخصيص المقاعد الـمائة والعشرين المتبقية للمستقلين. وفاز تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل (الذي وصفته جريدة الإيكونوميست بأنه "إصلاحي عاقل يسعى إلى التحديث ويدعي أنه في مساحة متوسطة بين الليبرالي العلماني والإسلامي المعتدل") بـ41 مقعداً من المقاعد الثمانين، بينما فاز حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان المسلمين بـ16 مقعداً، وتوزعت المقاعد الـ23 المتبقية على مجموعة من الأحزاب الصغيرة. وليس من الواضح إلى أي حزب أو أحزاب سيميل دعم الأعضاء الـ120 المستقلين. وسيختار المؤتمر الوطني العام رئيساً للوزراء قبل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في العام المقبل. هذا وأفاد المراقبون أن نسبة حضور الناخبين كانت عالية ووصلت إلى نحو 60 بالمائة من إجمالي الناخبين، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الليبية الحكومية. من جهة أخرى، أكد ديرك فانديفال، الأكاديمي الأمريكي والمستشار السابق لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا أن أحداً لم يتوقع هذا [نسبة فوز تحالف القوى الوطنية]، في حين شعرت قيادة الإخوان المسلمين بأن نتائجها كانت "أقل من التوقعات". وقالت كل من ماري لويز غوموشيان وهديل الشالجي، الصحفيتان بوكالة رويترز للأنباء في تعليقهما على الانتخابات، أن العديد من الناخبين على ما يبدو اعتبروا جبريل، الذي كان أحد الوجوه البارزة في قيادة الثوار، خياراً آمناً يمكنه إعادة بناء الاقتصاد. وهما تعتقدان أن الأحزاب الإسلامية لم تحقق نتيجة جيدة لأن المجتمع الليبي بالفعل على دراية بالإسلام المحافظ ويسأل نفسه عمّا يمكن لمثل هذه الأحزاب أن تضيف إليه. ومن جانبه، قال الناقد الفرنسي، جيل كيبيل الذي كان في ليبيا لتغطية انتخابات 7 يوليو أن "الإسلام مكون أساسي في النسيج الاجتماعي لدرجة يبدو معها من الصعب التصويت لصالح المرشحين الإسلاميين الذين يدعون إلى مزيد من التدين. وقد صوت الليبيون إلى حد كبير لصالح المرشحين الذين كانوا يرونهم على شاشة التلفزيون، الأمر الذي نجح جبريل كثيراً في الاستفادة منه". أما فريدريك وهري، باحث في مؤسسة كارنيغي، فينظر إلى الطيف الأيديولوجي بين الإسلاميين وتحالف القوى الوطنية بقيادة جبريل على أنه "ضيق جداً" لأن الإسلاميين يعلنون عن انتماءاتهم القومية، والقوميون يشيرون كثيراً إلى الإسلام كأساس للقانون والحكم. وقد أعلن جبريل أنه مسلم متدين يمارس الطقوس الدينية، وأكد أن الشريعة الإسلامية هي المبدأ التوجيهي لتحالف القوى الوطنية. من جهة أخرى، قال المحلل السياسي الليبي، ناصر أحداش: "رأى الناس في جبريل الانفتاح على بقية العالم، وهم يتوقون إلى هذا الانفتاح بعد الانغلاق الذي فرضه القذافي". وأضاف مصطفى الفيتوري، وهو صحفي في موقع المونيتور أن صفقات جماعة الإخوان المسلمين مع القذافي ربما تكون قد أخافت بعض الليبيين. ووفقاً لعماد لملوم، مدير مكتب وكالة فرانس برس في ليبيا، تعول جماعة الإخوان المسلمين على المستقلين للفوز بالأغلبية. وقالت حنان صلاح من منظمة هيومن رايتس ووتش: "إننا لا نعرف كيف سينظم المستقلون صفوفهم".
رأى الناس في جبريل الانفتاح على بقية العالم، وهم يتوقون إلى هذا الانفتاح بعد الانغلاق الذي فرضه القذافي ومن جهة أخرى، أشار فاضل الأمين، رئيس المجلس الليبي الأمريكي، إلى أن من يفوز بأغلبية الأصوات الحزبية لن تكون له الأغلبية المطلقة وسوف يضطر إلى مناشدة جميع المرشحين المستقلين لتشكيل حكومة ائتلافية. كما أعرب عن مخاوفه بشأن قدرة جبريل على الحفاظ على تحالفه الذي يضم أحزاباً ومنظمات مجتمع مدني مختلفة في بيئة سياسية تشهد تنافساً شديداً - وهو الرأي الذي أيده فيه عصام عميش، مدير فريق العمل في حالات الطوارئ الليبي، وهي منظمة غير حكومية ومؤسسة فكرية ليبية أمريكية. وقال أيضاً أنه من غير المؤكد أن يستمر تحالف يتألّف من 40 حزباً وأكثر من 100 منظمة مجتمع مدني كقوة سياسية متماسكة. ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين أتت في المركز الثاني بفارق كبير في التصويت الحزبي، ما زال باستطاعتها أن تستفيد من هذا النظام الانتخابي لإقامة تحالف مع مرشحين مستقلين، وخاصة إذا استسلم تحالف القوى الوطنية إلى الاقتتال الداخلي. ووفقاً لعميش، قد تستطيع جماعة الإخوان المسلمين تقديم منبر أفضل وجدول أعمال وطني أكثر تماسكاً، وإذا فعلت ذلك، فإن الناس سوف يهرعون إليها. من سيكتب الدستور الجديد؟ وفقاً للتعديل الدستوري الذي أجرته الحكومة الانتقالية الأسبوع الماضي، لن يكون البرلمان الجديد مسؤولاً عن اختيار اللجنة التي ستتولى صياغة الدستور الليبي الجديد. وبدلاً من ذلك، سيتم تشكيل لجنة مؤلفة من 60 عضواً بطريقة الانتخاب المباشر من قبل الناخبين الليبيين في وقت لاحق في تصويت منفصل، وسوف تحصل كل من المناطق التاريخية الثلاث في ليبيا على 20 مقعداً في هذه اللجنة. وفي السياق نفسه، صرح حمودة سياله، المتحدث باسم تحالف محمود جبريل أنه على المؤتمر الوطني العام "إلغاء هذا التعديل". وأضاف أنه "سيكون للمؤتمر الوطني العام الحق في إلغاء هذا القرار، لأن المجلس الوطني الانتقالي أقر التعديل في آخر لحظة وفي نهاية فترة ولايته عندما لم تكن له شرعية تقريباً، وهذا أمر غير مقبول". وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يجب التصويت بأغلبية الثلثين في البرلمان الجديد لإلغاء هذا التعديل. وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال وولفرام لاتشر، وهو خبير في الشؤون الليبية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، أنه يعتقد أن المدى الذي سيذهب إليه الدستور الجديد لاستبعاد أنصار النظام السابق من المشاركة في السياسة سيؤثر على استقرار الدولة في المستقبل. إلى أي مدي سيتم تطبيق اللامركزية؟ سيكون دور الأقليات موضع خلاف، لأن وضع مواطنة الأمازيغ (الطوارق) والتبو في الجنوب، وحقهم في استخدام لغتهم الخاصة، يلقيان معارضة شديدة. كما يعتقد لاتشر أن النقاش حول تطبيق اللامركزية سيتضمن تحديد مستويات الإدارة التي ستكون لها السيطرة على مخصصات الميزانية. هذا وسيلعب الحكم المحلي دوراً أكبر بكثير في ليبيا الجديدة، والاهتمامات المحلية قد تلقي بظلالها أيضاً على أنشطة البرلمان الجديد. ويعتقد لاتشر أن أقلية صغيرة من الليبيين فقط تؤيد الحكم الذاتي للمنطقة الشرقية، ويتفق معه في الرأي شون كين، نائب قائد فريق ليبيا في مركز الحوار الإنساني، الذي يزعم أن زيادة الاستقلالية الإقليمية ستلعب دوراً هاماً، على الرغم من ذلك. من جهة أخرى، كتب جورج غرانت في صحيفة ليبيا هيرالد أن قيادة الحركة الفيدرالية الشرقية تتطلع إلى "حوار بناء" مع تحالف القوى الوطنية بعد الانتخابات، وترى أن جبريل هو الأقرب إليها. وقال فيصل الكريكشي، الأمين العام لتحالف القوى الوطنية، في حوار مع صحيفة ليبيا هيرالد: "إن ما يعنيه هذا في نهاية المطاف هو اللامركزية، ونحن نؤيد ذلك. فينبغي مثلاً إنفاق بعض الضرائب التي تم جمعها محلياً على المستوى المحلي. ويجب على الحكومة المركزية السيطرة على تلك القضايا التي تهم الأمة كلها، مثل السياسة الخارجية والبنك المركزي، ولكن الأمور الأخرى، مثل الموانئ والرعاية الصحية والتعليم، يجب أن تسيطر عليها الأقاليم. فمن السخيف مثلاً وجوب الحصول على إذن من طرابلس بغية الحصول على تصريح لبناء مدرسة في الكفرة ". حقوق الإنسان والديمقراطية قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في بيان صدر مؤخراً، أن الحكومة الجديدة ستحتاج إلى التصدي لمسألة الاحتجاز غير القانوني وتعذيب الأشخاص الذين يشتبه في تأييدهم للقذافي، وهي مشكلة منتشرة على نطاق واسع. كما حذرت منظمة العفو الدولية في شهر مايو الماضي من أن السلطة المطلقة التي تتمتع بها الميليشيات المسلحة تهدد حقوق الإنسان وسيادة القانون. وفي الوقت نفسه، تشير البحوث التي أجرتها جامعة أكسفورد في شتاء 2011 إلى أن 15 بالمائة فقط من الليبيين قالوا أنهم يريدون شكلاً من أشكال الديمقراطية في العام المقبل، في حين أعرب 42 بالمائة عن أملهم في ظهور رجل قوي جديد - وقد لا يكون هذا مستغرباً بعد 42 سنة من الحكم الفردي المستبد.