في ذكرى رحيل الدكتور عبدالرحيم ملحس

تصادف امس 29 أيلول الذكرى السادسة لوفاة عدو الفساد الطبيب والنائب والوزير عبدالرحيم ملحس ، ونذكر أولا لمن نسي أو جهل ، أن الراحل هو صاحب العبارة الجريئة الصادقة التي أطلقها عندما كان وزيرا للصحة عام1993م( إن غذاءنا ودواءنا فاسدان، والأردن تحول إلى حاوية قمامة للعالم أجمع)،ولنا ان نقيس على هذا حياته الغنية بالمواقف التي كانت مرآه ضميره ، ووحي لسانه الذي تقطر منه الجرأة والصراحة والوضوح ، مشدودًا إلى هموم الناس ومشكلاتهم ، وكيف تميز دوره الإصلاحي كوزير للصحة ونائب في البرلمان ، وكيف فعل ما لم يفعله غيرة من الالتزام والإحساس بالمسئولية تجاه المجتمع ،ونرى بوضوح كيف بنا مواقفه الوطنية المشهودة وترجمها لأفعال واقعية لا زالت مضرب للأمثال.
يبدو أن الجرأة كانت طبع متأصل فيه ويروي لنا زميلة في المرحلة الابتدائية العميد المتقاعد فواز الخريشه في لقاءه على محطة فضائية ان زملاء المرحوم اختاروه للتحدث مع الملك طلال والتوسط لإعادة الملك الحسين إلى مدرسة المطران بعد ان تم نقله منها الى الكلية العلمية الإسلامية عند افتتاحها بداية الأربعينيات من القرن الماضي فسأل الملك طلال الملك الحسين ان كان لدية الرغبة فرد علية بالإيجاب فوافق الملك طلال على طلبه ، وهكذا ظهرت شخصيته واستمرت في زمن النفاق، وندرة الجرأة ، فخالف تقاليد الصمت المتوارثة ،وخرج عن النمط التقليدي للمناصب،فكانت أهم مظاهر حياته تتجسد في علاقته بالناس وتتسم بالجدية، وكانت مواقفه واحدة وواضحة ترفض التداخل ولا تشوبها شوائب التملق والمصلحة الشخصية والنفاق ،وكانت نقية صافية ونابعة من وحي وجدانه بعيدة عن المهاترات فقل شاكوه وكثر مادحوه ،وقد سرد لنا تاريخه الحافل صراعا بين الحق والباطل من نوع فريد فكان قامة شامخة ومنارة في تاريخ الأردن وقدم الكثير مما ينفع الناس ويمكث في الأرض .
رفع المرحوم شعار "مع الحقيقة مهما كان الثمن"عندما ترشح لعضوية مجلس النواب الرابع عشر العام 2003م وسار عليها ،وكانت كلماته ومداخلاته في المجلس محور حديث الناس وتحتل العناوين البارزة في الصحافة والإعلام.
اما ملخص مسألة الغذاء والدواء الشهيرة فهي مدونة أردنية ستبقى محفورة في ذاكرة الأردنيين ويرويها احد أصدقائه على لسانه ويقول (ان اتصالا هاتفيا ورده، وهو في احدى مهام عمله بأن مجلس الوزراء يجتمع على عجل، وسيرأسه الملك الحسين الذي عاد للتو من رحلته في الخارج، وقد جرى استدعائه لحضور الاجتماع بصفته الوظيفية، يقول " وصلت مجلس الوزراء، وكان اخواني الوزراء في حالة مقاطعة لي، ولا يتكلف الكثيرون منهم برد السلام علي، وفعلا جلست في المقعد المخصص لي حتى قدوم الملك الحسين، وترؤسه جلسة مجلس الوزراء، وكنت احمل نص استقالتي في جيب جاكيتي، وهي التي ظلت ترافقني منذ لحظة تفجر الازمة حتى انتهائها". ثم يبين ان الملك قدم الى مجلس الوزراء، وبدأ حديثه بوضعهم في صورة جولته في امريكا وبعدها فتح باب النقاش في القضايا الداخلية الاردنية، وكان اول المتحدثين وزير المياه انذاك، والذي اكد ان تصريحات مشينة صدرت من معالي وزير الصحة - ويقصدني طبعا- تسيء للصحة العامة في الاردن من حيث جودة المياه، والغذاء، والدواء، حيث تبرع احد وزراء الدولة بفضح البلد ، ثم اثنى وزير الخارجية على كلام زميله، وادعى ان تصريحاتي تؤثر على علاقات الاردن الخارجية، وعلى الموسم السياحي، والى ذلك انفجر الملك الحسين ، وقال " الله اكبر.. الدكتور عبدالرحيم ملحس بات يؤثر على علاقات الاردن الخارجية؟؟ ثم انت يا وزير المياه هل تستطيع ان تؤكد لي ان مياهك نظيفة؟؟؟، انا اقسم انها غير ذلك" حينها يقول الدكتور " انني صرت خجلا من " نص الاستقالة التي احملها في جيبي، واخشى ان يطلع عليها احد، وخاصة ان جلالة الملك بعد ان انفض لقاء مجلس الوزراء استدعاني بواسطة رئيس ديوانه، وكنت الوحيد الذي استوقفني من الوزراء في تلك الجلسة، واطمأن على احوالي ثم قال لي " اطلبني يا دكتور ما تريد لتسهل به مهمات عملك"، فقال رددت عليه يا سيدي "انني احتاج لطائرة مروحية"، عندها ابدى الملك استغرابه، وسأل عن السبب ، والى ذلك اجبته " أن بعض المراكز الصحية في الجنوب تبعد عن مركز الوزارة لثماني ساعات متواصلة بالسيارة، ولا استطيع ان ازورها، واتفقد سير العمل فيها"وقد وجه الملك الحسين امرا مباشرا بأن تكون طائرة مروحية من طائرات سلاح الجو الاردني تحت تصرف وزير الصحة في جولاته التفقدية).
ويتابع صاحب الذكرى القصة بقوله " ان زملائي الوزراء عندما رأوا حفاوة الملك بي، سارعوا لملاقاتي، والترحيب بي ، وربما ظن بعضهم انني سأشكل الوزارة التالية".