جدولة الأزمات وكلفتها

لا تزال السياسة الداخلية، هي ذاتها، فكل ازمة صغيرة او كبيرة، تتم جدولتها، ولا احد يواجه جذر الازمة ويحاول خلعها من جذورها، بل ان الكل يداري الكل، ولا احد يتحمل مسؤوليته.
هذا ما شهدناه في قصة الاعتداء على رئيس جامعة آل البيت، وما شهدناه في احدى مدارس مادبا، وما شهدناه سابقا، في اعتداءات على وزراء بالضرب، او على شرطة، او على اكاديميين، او تخريب مدارس، او حرق مؤسسات، او هجوم الطلبة على بعضهم البعض في الجامعات،  والقائمة تطول، ويمكن العودة الى الذاكرة المشرقة للسنين الفائتة، لنكتشف ان بعض من ينفذون القانون، هم ذاتهم يخرقونه، ويحلون الازمات من هذا القبيل، عبر تكتيكات الاسترضاء، وجبر الخواطر.
حسنا. انتظروا المزيد من التطاول داخل المجتمع، على بعضه البعض، فلماذا يحسب احد حسابا للقانون والدولة، مادامت النتائج معروفة مسبقا، وهي نتائج لا تمنع احدا من التصرف بهذه الطريقة، بل تمده بقوة اضافية، مادام يعرف نائبا او عينا او وزيرا متنفذا، او وجيها هنا او هناك، قادرا على ادارة هذه الازمة، عبر الوساطات، بذريعة ان الغضب طبيعي؟.
عن اي هيبة نتحدث للقانون؟ وعن اي ذريعة تسمح لاي واحد فينا بالاعتداء على مدرسة وحرقها مثلما حدث قبل سنوات، او تكسير مدرسة، او ضرب وزير، او الاعتداء على شرطي؟ او في الجهة الاخرى، اعتداء الشرطي على مواطن، او تجاوز متنفذ على القانون، او على مواطنين؟ لان المشهد، يعطي اشارات في الاتجاهين، وليس في اتجاه واحد، فلا احد يحسب حسابا لكلفة التجاوز على اي طرف اخر، وقد شهدنا عشرات المرات، موجات انفلات وغضب في الجامعات بين الطلبة، وتم ادخال السلاح، والسيوف والسكاكين، مثلما يقوم المواطن فينا، بإغلاق الطريق العام، واحراق الاطارات، لان الدولة اعتقلت مطلوبا، وكأن المطلوب هنا، يتوجب تكريمه وارسال باقات ورد له كل صباح.
اسوأ تفسير تسمعه بخصوص هذا الانفلات، قول احدهم، ان كل ما يجري هو تعبير عن غضب الشعب من تفشي الفساد، والتفسير يبدو ساذجا، ولو قيل لنا، ان السبب هو شعور المواطنين بتفشي الظلم، او غياب العدالة، او شعورهم ان لا مؤسسة قوية تعاقب وتضع حدا، لمن يخطئ، لصدقنا هذه التفسيرات ولكانت معقولة الى حد ما، لكنها بطبيعة الحال، تفسيرات غير كافية.
علينا ان نسأل انفسنا، من اين خرجت هذه الخشونة، التي كانت غائبة سابقا، وهل هي تعبير عن غضب اجتماعي، او لان الجهات المختصة، في حالات سابقة، سمحت بطي الخلافات واطفاء الازمات بطرق ملتوية، حولت القانون الى مجرد شكل فارغ من المضمون، عبر ايجاد بدائل له، تنهي اثره، وتلغي قوته تدريجيا، بما خلق تراكما ومجتمعا جديدا، نراه اليوم.
ربما الرحمة من جهة اخرى، مطلوبة، فلا احد يريد ان تنتقم الدولة من الناس، على كل خطأ، لكن الفرق كبير بين الانتقام والقسوة، وتطبيق القانون من جهة اخرى، وليقولوا لنا اليوم، ما الذي سيمنع الاعتداء على رئيس جامعة  آخر بهذا الشكل، ولماذا المعايير المزدوجة، في مواجهة هكذا حالات، وما الذي سيمنع من ضرب الطلبة لمدرسين مجددا، او لمدير مدرستهم، في اي موقع في البلد، وما الذي سيمنع من اعتداء المواطن على شرطي، او اعتداء الشرطي على مواطن؟.
هناك اشتباك، لابد من وقفه، وهو اشباك يستحيل وقفه بهذه الطريقة البائسة في معالجة المشاكل، ويكفينا ما تتعرض له سمعتنا امام العرب، الذين لم يعودوا يسمعون الا اخبارا  سلبية عنا، من هذا القبيل، فيسألون دون لؤم، مالذي حدث لكم، والى اين تذهبون؟!.