الزعماء العرب في الرؤية الإسرائيلية
تنياهو وباراك يلتقيان في تقديرهما أن العالم العربي لا يستطيع هزيمة "إسرائيل". ويبدو أن المسألة لا تتوقف عندهما. فالمعطيات الإسرائيلية التي تتحدث عن هذا المضمون أصبحت كثيرة، وكأن هنالك لديهم اليوم شبه إجماع على أن العرب ضعفاء ومتفككون ولا يشكلون تهديدا قريبا للوجود الإسرائيلي، بل إن بعض تقديراتهم تتحدث عن الزعماء العرب أنهم لا يفكرون أصلا بالمصالح الوطنية والقومية العربية، ولا بمصالح شعوبهم، إنما بمصالحهم الخاصة وكراسيهم كحكام إلى الأبد. ففي أحدث تصريح عندهم على سبيل المثال، قال مائير داجان رئيس الموساد السابق إنه يستبعد أن يتم تهديد إسرائيل فعليا خلال الخمس سنوات المقبلة رغم أن ثورات الربيع العربى قد أثمرت عن تعاظم قوى الإسلام الراديكالى المناهض لإسرائيل، مضيفا "أن الجامعة العربية لم تعد كما كانت من قبل، وليس هناك أي زعيم عربي يهدد إسرائيل، ولم يعد هناك شخص يدعى صدام حسين يهدد أمن إسرائيل". وفي هذا السياق كذلك، نستحضر بعض أدبياتهم السياسية من أرشيفهم، فكان الجنرال الإسرائيلي يوسي كوبر فاسر رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية-سابقا- الذي يطلقون عليه هناك "العقل المدبر" مستخلصا أن "العرب شغوفون بإعفاء أنفسهم من المسؤولية وتفكيرهم يخضع لغرائزهم ..."..وجاءت هذه النظرة السيكولوجية للعرب من قبل هذا الجنرال على خلفية قراءته لأسباب الحرب الإسرائيلية على لبنان وعواملها." وعمليا لا ينفرد هذا الجنرال في هذه القراءة ..فهناك عدد كبير من كبار جنرالاتهم وسياسييهم وباحثيهم يقرأون الأحوال العربية بالمنهجية ذاتها ... إذ كان الجنرال احتياط شلومو غازيت المحلل والباحث الإستراتيجي لديهم قد أعرب عن تقديره الإستراتيجي في هذا الصدد قائلا:" لا يجوز أن نوهم أنفسنا. فلا يوجد اليوم أي قاسم مشترك يوحِّد مصالح الدول الأعضاء في الجامعة العربية. فهي لا تتوقع أي أمل في اجراء سياسي موحِّد، ولا في إجراء عسكري مؤكد." فها هو، شمعون بيريز عجوز السياسة الإسرائيلية، قد استخلص مبكرا أن "هناك رياحا جديدة تهب على الشرق الأوسط.. وأن الغزو الأمريكي للعراق نسف خرافات كثيرة مثل وحدة الموقف العربي. فقد أثبت العرب أنهم منقسمون على أنفسهم." وعاد يبريز ليؤكد ثانية لاحقا قائلا: "إنني أرى شرق أوسط جديدا، يبنى من جديد.. إن العالم يتغير كما نرى في العراق." والجنرال احتياط اوري ساغي رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقا كان قد لخص قراءته للواقع العربي قائلا: "لم يعد هناك اليوم قومية عربية شاملة في الصراع ضد إسرائيل."بينما كان الجنرال موشيه يعلون رئيس اركان الجيش الإسرائيلي سابقا قد بسط رقعة بازل استراتيجية مكونة من قطع مختلفة مرتبطة بعضها ببعض:العراقية والإيرانية والسورية والليبية والفلسطينية "والإرهاب" والتهديدات غير التقليدية، ليعرب في الخلاصة عن تفاؤله مؤكدا ايضا: "نحن لم نعد نتحدث عن عالم عربي، ولا عن وحدة عربية، إنما يدور الحديث عن مصالح فئوية خاصة." ولعل الكاتب الإسرائيلي المعروف "غاي باخور"كان الأقرب في قراءته السيكولوجية للواقع الرسمي العربي وللشخصية العربية من الآخرين حينما كتب في يديعوت احرونوت قائلا: "لا يمكن أن نشير ولو إلى زعيم عربي واحد برز بأفعاله، كلهم يبرزون بعدم بروزهم، يهربون من كل فكرة تغيير ويخافون من المستقبل، ويحتجزون الإصلاح وراء القضبان، ويتمسكون بالحاضر بأظافرهم... وهم مشغولون بالحفاظ على أنفسهم فقط، وبقية الشعوب العربية بلا قيادة." ويستشهد الكاتب الإسرائيلي هنا بما تنبأ به الشاعر السوري نزار قباني في الثمانينيات في قصيدته "متى سيعلن موت العرب؟" فـ "الأمة العربية -كما كتب- ماتت بذنب الطغاة الذين يمشون على جثث بلا رؤوس." وقد أعلن سلفان شالوم، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق ووزير الشؤون الإستراتيجية اليوم في حكومة نتنياهو، ذلك من على منبر الأمم المتحدة قائلا "إن الجدار الحديدي العربي بين العرب وإسرائيل أخذ يسقط"، ويضيف بمنتهى الوقاحة الابتزازية: " من يرد أن يساعد الفلسطينيين عليه أن يتعاون مع إسرائيل، وهذا شرط مسبق لأية دولة تريد ذلك!" ولذلك يعتقدون هناك في"إسرائيل" أن "اللحظة التاريخية" مواتية جدا لهم في ضوء هذه الأحوال العربية للانقضاض على فلسطين بكاملها، وفي قراءتنا نحن لهذه القراءات السيكولوجية والاستراتيجية الإسرائيلية، التي تفرخت منها وعنها هذه الحروب الإجرامية الإسرائيلية في فلسطين ولبنان نقول: إننا نحتاج في عالمنا العربي من ضمن ما نحتاجه -ولا حصر له- إلى مؤسسات ومراكز دراسات وقراءات إستراتيجية تقرأ أول ما تقرأ الاستراتيجيات والمخططات والقراءات الإسرائيلية للأوضاع، وتقرأ ثانيا في مقدمة ما تقرأ سبل تعميم الثقافة القومية العربية والفكر القومي العربي ووسائل ذلك وإمكانياته، وتفعيل المسؤوليات القومية والتاريخية العربية في مواجهة الإستراتيجيات العدوانية الإسرائيلية المفتوحة.