حجب الثقة عن الحكومة في الدورة الاستثنائية

يجتمع مجلس الأمة هذه الأيام في دورة استثنائية،لإقرار عدد من مشاريع القوانين التي تضمنتها الإرادة الملكية، التي صدرت بدعوة مجلس الأمة إلى الاجتماع في دورة استثنائية.وحيث إن المادة (82/3) من الدستور الأردني تحظر على مجلس الأمة أن يبحث في الدورة الاستثنائية أمورا غير تلك الواردة على سبيل الحصر في الإرادة الملكية التي انعقدت تلك الدورة بمقتضاها، فإن التساؤل الذي يثور هو ما إذا كان يملك مجلس النواب أثناء انعقاد الدورة الاستثنائية ممارسة حقه في الرقابة السياسية على أعضاء السلطة التنفيذية من حجب الثقة عن الوزراء وتوجيه الأسئلة والاستجوابات لهم، على الرغم من عدم النص على ذلك صراحة في الإرادة الملكية. 
لقد سبق وأن أجاب المجلس العالي لتفسير الدستور على هذا التساؤل في قراره رقم (4) لسنة 1995، والذي اعتبر فيه أن صلاحية مجلس الأمة في الدورة الاستثنائية تقتصر فقط على إقرار الأمور التي تضمنتها الإرادة الملكية على سبيل الحصر، وأنه لا يجوز للمجلس أن يبحث في أية أمور أخرى لم ترد فيها، بالتالي فلا يجوز لمجلس النواب في الدورة الاستثنائية ممارسة وظيفته السياسية سواء بطرح الثقة بأي وزير أو توجيه الاستجواب إليه من قبل أعضائه إلا إذا تضمنت هذه الأمور في الإرادة الملكية بدعوته للدورة الاستثنائية، وبخلاف ذلك فإنه لا يجوز لمجلس النواب ممارسة هذا الحق، لأن اختصاصه في الدورة الاستثنائية ينحصر في الأمور التي دعي من أجلها في الإرادة الملكية والتي لا يستطيع تجاوزها إلى غيرها.
إلا أن المجلس العالي وفي قراره السابق قد أوجد الحل لتلك المسألة بأن أعطى الحق لمجلس النواب بتقديم عريضة لجلالة الملك لإضافة أمور جديدة لاحقة إلى الأمور التي تضمنتها الدعوة الأولى لعقد الدورة الاستثنائية، بحيث يُصدر جلالة الملك إرادة ملكية جديدة تعدل تلك التي صدرت بعقد الدورة الاستثنائية، وذلك بإضافة بند حجب الثقة عن الحكومة أو توجيه الأسئلة والاستجوابات لأعضائها الوزراء،وقد استند المجلس العالي في قراره التفسيري هذا إلى تكرار تطبيق مثل هذه الممارسة من قبل مجلس النواب في دورات استثنائية سابقة، مما شكل عرفا دستوريا وقاعدة صالحة لتفسير النص الدستوري عليها.
إن تطبيق القرار التفسيري السابق للمجلس العالي يؤدي إلى نتيجة مفادها أن مجلس الأمة يمكن أن تتم دعوته إلى الانعقاد في دورة استثنائية، ولكن مع تجريده من وسائل الرقابة السياسية في مواجهة الحكومة، واقتصار دوره فقط على الوظيفة التشريعية، وهو ما يجعل من مجلس النواب مجرد أداة صماء لإقرار مشاريع القوانين التي تقترحها عليه السلطة التنفيذية،فأثناء مناقشة مشروع أي قانون جديد أو تعديلات مقترحة على قوانين نافذة في الدورة الاستثنائية.
قد يضطر أحد النواب إلى توجيه أسئلة أو استجوابات حول الظروف المحيطة بالتشريع أو التعديلات المقترحة، أو قد يطلب عشرة نواب أو أكثر ممارسة حقهم الدستوري بحجب الثقة عن الحكومة، إلا أن القرار السابق للمجلس العالي حرمهم من ممارسة هذه الحقوق بشكل مخالف للأصول والمبادئ الدستورية،إن حق مجلس النواب في طرح الثقة بالحكومة وتوجيه الأسئلة والاستجوابات يُعد حقا أصيلا للمجلس، سواء أكان مجتمعا في دورة عادية أو استثنائية، ولا يجوز نزعه عنه بحجة أن الدورة الاستثنائية تقتصر فقط على مناقشة الأمور الواردة في الإرادة الملكية.
فمثل هذا القيد الذي فرضه الدستور على اجتماعات مجلس الأمة في الدورات الاستثنائية لا ينسحب على حق أعضاء مجلس النواب في طرح الثقة بالحكومة أو أحد الوزراء فيها، باعتباره حقا ملاصقا لمجلس النواب يجب أن لا يفارقه،فلا معنى أن يُدعى مجلس النواب إلى الاجتماع في دورة استثنائية ويقتصر دور أعضائه فقط على مناقشة وإقرار مشاريع القوانين التي تقدمت بها الحكومة، ذلك أن مجلس النواب دون أسلحة الرقابة السياسية ليس بمجلس نواب، ولا يقدر على ممارسة دوره التشريعي على أكمل وجه. 
أما فيما يتعلق بالحل الذي قدمه المجلس العالي والمتمثل في تقديم النواب لطلب إدراج أمر حجب الثقة أو الاستجواب على جدول أعمال الدورة الاستثنائية بإرادة ملكية جديدة فهو حل غير عملي ويخالف المنطق الدستوري. فالنائب من حقه أن يستفسر من الوزير أو أن يحاسبه على أعماله وقراراته عند حدوثها أثناء الدورة الاستثنائية، لا أن ينتظر تقديم عريضة جديدة من الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب إلى جلالة الملك لإدراج الموضوع على جدول أعمال الدورة الاستثنائية. فما الحل لو تعذر تحقيق الأغلبية المطلقة التي اشترطها الدستور في العريضة التي يقوم مجلس النواب بتوقيعها ورفعها إلى جلالة الملك؟ إن مجلس النواب في هذه الحالة يفقد حقه الدستوري في ممارسة الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية. لذا، فإن تجريد مجلس النواب من وسائل الرقابة السياسية على السلطة التنفيذية أثناء الدورة الاستثنائية سيؤدي إلى تعسف الحكومة في أعمالها وتغولها على المجلس النيابي الأمر الذي بدوره سيكون له تأثير سلبي على التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. 
وبخصوص القرار التفسيري الذي صدر عن المجلس العالي لتفسير الدستور، فإن التساؤل الذي يمكن طرحه يتمثل في مدى أحقية المحكمة الدستورية في إعادة تفسير النص الدستوري السابق الذي قام المجلس العالي بتفسيره، فهل تملك المحكمة الدستورية التصدي لتفسير النص الدستوري مرة أخرى، وهل يسمح لها بأن تتوصل إلى تفسير مغاير لذلك الذي قدمه المجلس العالي لتفسير الدستور؟ .
إن الأصل أن يثبت للمحكمة الدستورية حق تفسير نصوص الدستور بشكل مطلق بمجرد تحقق الشروط الشكلية المتمثلة في الحصول على الأغلبية المطلوبة من مجلسي الأعيان أو النواب أو من مجلس الوزراء، حتى ولو كان النص الدستوري قد سبق وأن فسره المجلس العالي لتفسير الدستور، الذي كان لمعظم قراراته التفسيرية أبعاد سياسية، وأشهرها قرار دستورية إنشاء نقابة للمعلمين، بينما التفسير الذي ستقدمه المحكمة الدستورية هو تفسير قضائي بحت، على اعتبار أنها هيئة قضائية مكونة بكاملها من قضاة دستوريين. 
في المقابل، فإن السماح للمحكمة الدستورية بإعادة تفسير نص دستوري والوصول إلى تفسير مغاير لذلك الذي توصل إليه المجلس العالي لتفسير الدستور ينطوي على تعديل على أحكام الدستور ولكن بطريقة غير دستورية. فالقوة الدستورية للقرار التفسيري الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور هي قوة النص الدستوري. بالتالي، فإذا ما توصلت المحكمة الدستورية لتفسير مخالف، فإنها تعد وكأنها قد أجرت تعديلا على أحكام الدستور ولكن بطريقة غير تلك التي حددها الدستور في المادة (126/1) منه والتي تتطلب موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس وتصديق الملك. وبين كلا الرأيين المتعارضين يبقى الحسم للمحكمة الدستورية عند تشكيلها وبدء ممارستها لأعمالها ومهامها، وذلك وفقا لقانونها الخاص الذي هو الآن في مرحلة النشر والنفاذ.