وزارة الشباب ودورها في بناء الهوية الوطنية والأمن الفكري

إن المطلع على خطابات التكليف السامي للحكومات المتعاقبة فإنها لا تخلو من مضامينها في الحديث عن الشباب الأردني، وأهمية تقديم الرعاية الكافية له من خلال توفير البيئة المناسبة لبناء شخصيته الوطنية المميزة، وهويته الأردنية الأصيلة القائمة على مبادئ الأخلاق الكريمة، والقيم العربية والإسلامية الحميدة.
وبما أن خطابات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين – حفظه الله – الموجهة للحكومة تعد البوصلة الموجهة لعمل الحكومات في وضع الاستراتيجيات الناجعة نحو ترجمة الرؤى الملكية السامية.
وبما أن وزارة الشباب هي المؤسسة الرئيسة والمظلة الرسمية للشباب في الأردن فإنه يقع على عاتقها رسم السياسات، ووضع الاستراتيجيات الوطنية التي من شأنها العلو في العمل الشبابي، وتصميم أنموذج في إعداد هوية الشباب على مستوى المنطقة العربية والعالم.
وإذا كان تعزيز الهوية الوطنية يشارك بها عدد من المؤسسات والقطاعات المختلفة، إلا إن المسؤولية الكبرى تقع على وزارة الشباب، كونها الوزارة المعنية بالأساس في تعزيز الهوية الوطنية، وذلك من خلال وضع برامج مدروسة بعناية، وموجهة بشكل علمي تعمل على غرس القيم الوطنية في عقولهم وقلوبهم، والى دعم قيم الولاء والانتماء للوطن والقيادة الهاشمية، والتأكيد علي الثوابت الوطنية والقومية للأردن .
ومن هذا المنطلق فإن وزارة الشباب تُعد اللاعب الأساس في مجال تعزيز الهوية الوطنية، ويجب أن تعتمد على مبدأين أساسيين، أولهما التأكيد على الهوية الوطنية بثوابتها العربية الإسلامية، ومكوناتها وأبعادها المختلفة، وتحصينها ضد محاولات السيطرة والهيمنة، والأخر تعزيز التفاعل الإيجابي مع معطيات الثقافات الأخرى، والاستفادة من عناصر التميز فيها دون الانبهار أو الذوبان فيها.
وفي ضوء التحديات والمخاطر التي تحيط بالوطن وشبابه من أصحاب الفكر الضال، وخطر الخوارج الذي يمتد أصولهم إلى إبن سبأ لخدمة مشروعهم الفارسي، الذين قتلوا به عثمان وعلي رضي الله عنهما، فإن المأمول من وزارة الشباب العمل الجاد بالتطلع إلى صقل وبناء الهوية الوطنية للشباب من جميع جوانبها، من خلال تقديم المعرفة وتنمية السلوك المرغوب فيه، وتعليم الشباب مهارات التفكير لِتُحدِث التغيير المتوازن والمتكامل في منظومة القيم، فإذا بلغت الوزارة هذه المرحلة فقد تكون قد قطعت شوطاً كبيراً في الإعداد النفسي والفكري مما يولد لدى الشباب الشعور بالأمن والطمأنينة.
ومن هنا ينبغي على وزارة الشباب وضع الخطط الوقائية لتوعية الشباب بتلك المخاطر، وكيفية مواجهة فكر العصابات الإرهابية، إضافة إلى تحديث رؤيتها لتواكب تطلعات آمال وطموحات الشباب، ومن الملاحظ أن العمل السابق وما كانت تقوم به الأندية والمراكز الشبابية من ممارسات لم تؤتِ ثمارها، وما زادتها البيروقراطية إلا ضعفا ووهنًا وترهلًا، مما دفع جلالة الملك - حفظه الله- للإشارة إلى ذلك الضعف حيث طالب جلالته " بإحداث قفزة نوعية في العمل مع الشباب وفي بناء الاستراتيجيات التي من شأنها تحقيق التوازن بين مقومات الشخصية لشبابنا، والارتقاء بقدراتهم الفكرية والإبداعية والاجتماعية، على أساس أن هؤلاء هم الغالبية العظمى من المجتمع".
إن بناء هوية وطنية للشباب من شأنها أن تسهم في تشكيل شخصيتهم لمواجهة العوامل والمتغيرات والظروف المحيطة، إضافة إلى تحصينهم فكريا نتيجة ما تفرضه متغيرات الحياة من قيم جديدة وغريبة، ووجود تنظيمات إرهابية تستهدف أفكار الشباب وتعمل جاهدة في إلحاق ضررا هيكلياً بتركيبة مجتمعنا ومنظومته القيمية وهويته الوطنية .
فتأصيل الهوية الوطنية للشباب، تعد من أهم سبل تشكيل الشخصية القادرة على حماية الوطن، ومواجهة التحديات التي تهدد أمنه وسلامته، ومواجهة المخاطر، والأفكار الهدامة التي من شأنها تشويه وإضعاف هذه الهوية من خلال نشر الإشاعات التي تهدف إلى التشكيك بالوطن وقيادته، فالحفاظ على الهوية الوطنية يستوجب تنمية الشعور الوطني لدى شباب وشابات الوطن على حد سواء.
ومن هنا يقع على عاتق وزارة الشباب حماية هذه الهوية، وتوفير الأمن الفكري، ومواجهة تلك الأفكار الخطيرة التي تصاغ خارج حدود الثقافة الوطنية، وتوعية شبابنا في كشف زيف الأبواق الخارجية، والخطابات القومية المدسوسة بالسم، لتدغدغ بها عواطف شبابنا في الانقلاب على القيم الحميدة لمجتمعنا، حيث تروج هذه الأبواق لنفسها على أنها حامية الأمة والدين، وتعد نفسها على أنها قوى المقاومة والممانعة، ولكن في الحقيقة ما هي إلا خناجر مسمومة تستهدف شبابنا ومجتمعنا، مما يستوجب على وزارة الشباب بالتشارك مع المؤسسات الأخرى إلى وضع برامج وخطط استراتيجية فاعلة للحفاظ على هوية شبابنا.
إن تعزيز الهوية الوطنية لدى الشباب يزيد من قدراتهم في مواجهة التطرف والإرهاب، فالشباب اليوم بحاجة إلى إشراكهم في رسم سياساتهم، وإشراكهم في عملية الإعداد والبناء الفعلي، بدلا من أن يكونوا هدفا للعنف والدمار، ومعول هدم لا بناء.
فأمام معالي وزير الشباب - مكرم القيسي- تحديات جمة، وأدوارا مهمة في النهوض بأداء وزارة الشباب؛ لتكون الوزارة مصنع للعمل الشبابي، قادرة على وضع التصور المستقبلي لشباب الوطن، يكون هذا التصور قابلا للتطبيق بعيداً عن منهجية العمل الروتيني السابق، ومواكبًا للرؤى الملكية السامية.