مشاريع جديدة للإسكان.... حذار من الفشل

اعااد رئيس الوزراء التأكيد أمام جلالة الملك عند زيارة جلالته إلى دار رئاسة الوزراء ما تعهد به دولته أمام مجلس النواب خلال جلسة الثقة بأن الحكومة ستقوم بتنفيذ العديد من المشاريع والمبادرات المحفزة للإقتصاد والهادفة إلى تحسين المستوى المعيشي للمواطنين وتوفير فرص العمل والتي منها حسب ما ورد على لسان دولته "التركيز على مشاريع للإسكان في المناطق المكتظة التي يوجد بها أراض للخزينة بحيث يتم إنشاء مشاريع إسكانية للشباب بكلف وتمويل معقول، حيث أن هذه المشاريع ستكون جزءا أساسيا من توليد فرص العمل وتنشيط الإقتصاد على مستوى المحافظات".
أن طرح الموضوع مجددا وبين يدي جلالته هذه المرة يعكس جدية الرئيس وإصراره على المضي قدما في تنفيذ مشاريع للإسكان بعد توقف دام قرابة عشر سنوات إثر تعثر مشاريع "مبادرة سكن كريم لعيش كريم"، ولا نملك هنا إلا ان نرحب ونشيد بهذا التوجه الحكومي ونؤكد ما ذكرناه في مقالة سابقة بأن الإسكان حاجة أساسية للمواطنين وللإقتصاد على حد سواء، وإن إعادة وضعه على الطاولة مجددا يمثل خطوة إصلاحية ضرورية لا غنى عنها، فلا يعقل الإستمرار في ترك الأمور على غاربها في الوقت الذي تضاعفت أسعار الاراضي والشقق السكنية مرات عديدة وتراجعت القيم الحقيقية للدخول، بحيث أصبح إسكان الغالبية العظمى من الأسر ذات الدخول المحدودة والمتوسطة مرهونا بقوى السوق التي لا ترحم، إلا أننا في الوقت نفسه ندعو إلى دراسة عميقة لكافة جوانب المبادرة، والإستفادة من التجارب والدروس السابقة وخاصة ما يتعلق بمشاريع "سكن كريم" فالخسائر كانت فادحة وأعداد كبيرة من الشقق بقيت كاسدة لا يسومها أحد، ولولا تدخل وزارة التربية والتعليم وإستحواذها على قرابة ثلاثة آلاف شقة وتخصيصها للمستفيدين من صندوق إسكان المعلمين بأسعار مخفضة لبقيت هذه الشقق مهجورة وخاوية على عروشها، كما أن فصول القصة لم تنتهي بعد، فما زالت عشرات القضايا المرفوعة من المقاولين على الحكومة بملايين الدنانير منظورة أمام القضاء.
لقد إتخذت الحكومة مبكرا قرارا إستراتيجيا بالخروج من السوق كمنتج ومزود مباشر للوحدات السكنية، وذلك ضمن ما عرف بمشروع إعادة هيكلة قطاع الإسكان الذي تم إقراره عام 1995، حيث تم إعادة توزيع الادوار بحيث ينسحب القطاع العام من إنتاج الوحدات السكنية تدريجيا، ويتم توفير التسهيلات اللازمة للقطاع الخاص "المستثمرين" للمساهمة بفعالية في إنتاج المساكن وخاصة للفئات المستهدفة من الأسر متوسطة الدخل، ذلك أن التجارب والخبرات المحلية والإقليمية والدولية قد أكدت أن القطاع العام مُنْتِجُ سيء قليل الكفاءة والفاعلية في هذا المجال، وقد إستمرت الحكومة بالإلتزام بهذا النهج سنين طوال، حتى جاءت مبادرة "سكن كريم" والتي تم تبينها في حينه لظروف وإعتبارات خاصة، وجاءت نتائجها السلبية وإخفاقاتها لتؤكد سلامة نهج ترك الإنتاج المباشر للقطاع الخاص والخروج نهائيا من السوق.
لا أعتقد أن الحكومة سوف تعاود الكرة وتعود مجدداً إلى السوق منتجاً ومنفذاً للمشاريع، إلا أن أهمية الموضوع وحجم المخاطرة فيه تقتضيان التذكير مرة أخرى، بأن الحكومة يمكن أن تنفذ مبادراتها ومشاريعها الإسكانية بالكامل من خلال القطاع الخاص مالكاً ومطوراً ومنفذاً ومسوقاً ومتحملا لكافة المسؤوليات والمخاطر، والإكتفاء بالتوجيه ورسم السياسات ووضع الحوافز والضوابط التي تضمن تنفيذ سياساتها وتحقيق أهدافها في هذا المجال، فالقطاع الخاص لا يمكن أن ينزلق إلى تنفيذ مشاريع لا تلائم إحتياجات السوق، لأن كلفة الإخفاق والفشل باهظة جدا ويتحملها من ماله وعرقه وجهده، فهو يدرس كافة البدائل والمتغيرات ويختار الأنسب منها ويقوم بتنفيذه بكل كفاءة وفاعلية، أما كيف نوفر مساكن وشقق سكنية بأسعار مقبولة للأسر المستهدفة، فذلك من خلال قيام الحكومة بجملة من التدخلات، منها تسهيل الإجراءات لمستثمري القطاع الخاص، وتخفيف قيود وأحكام البناء والتنظيم بما لا يمس النسيج العمراني والبيئة الحضرية، تخفيض الرسوم والضرائب المتعلقة بمدخلات البناء، ضبط سوق الأراضي الحضرية (Land Management)، المساهمة في توفير التمويل اللازم للأسر المستهدفة سواء من خلال صرف منحة نقدية بشكل مباشر، أو من خلال تخفيض نسب فوائد الإقتراض، أو من خلال توفير قطع أراضي حكومية للمستثمرين بأسعار مخفضة.
أما وقد عاد الإسكان إلى أجندة الحكومة مجددا، فإننا نرى أن يتم إعادة دراسة دور ومهام المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري، بحيث يتم تفريغها بشكل كامل للإشراف على قطاع الإسكان بمجمله ولوضع السياسات والإستراتيجيات الحكومية ومتابعة تنفيذها، والخروج تماما من الإنتاج الإسكاني بما في ذلك إنتاج قطع الاراضي السكنية المخدومة، في ضوء محدودية الإنجازات التي تحققت في هذا المجال خلال السنوات الخمس الماضية، وأن يتم تكليف القطاع الخاص بذلك وفق التصور الذي طرحناه أعلاه.