حريّة التعبير عن الرأي وثقافة الفوضى

كفل الدستور حرية الرأي لكل مواطن وأن يعبّر عن ذلك بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لا يتجاوز حدود القانون وبالطبع هذه هي الحرية المسؤولة التي يضبطها القانون، وبالمقابل كفل الدستور حقوق الآخر من الاعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين واعتبرها جريمة يعاقب عليها القانون، وبالتالي فالمعادلة الدستورية موزونة في مسألتي حرية التعبير المسؤول وعدم التطاول على حقوق الآخرين. 

وكثيرون مع الأسف لا يميّزون بين حريّة التعبير المسؤول وبين الإعتداء على مصالح وحقوق الآخرين، ولهذا ظهر خلط كبير في الآونة الأخيرة بينهما لدرجة أن البعض بات يستخدم مساحة وهامش حرية التعبير للعبث بالأمن الوطني مستغلين بعض المظاهرات المطالبية أو لغة العنف أو الإصطفاف والتجييش أو حتى لغة التهديد والوعيد أو لغة حرق الإطارات أو قطع الطريق على العامة أو التغوّل على خصوصيات الآخرين أو حرق الممتلكات العامة كمظاهر احتجاجية أو غيرها.

وهنا نحن لا نتحدّث عن الحراكات السلمية المشروعة والمطالبة بالإصلاح والتي باركها جلالة الملك المعظّم مثلما يباركها كل مواطن شريف قلبه على الوطن، لكننا نتحدّث عن دعوات الفوضى المشبوهة عند البعض ومحاولات دس السم بالدسم وخلط الأوراق والتي من خلالها يحاول البعض زج الوطن في متاهات لا يُحمد عقباها سواء كانت نواياهم حسنة أو باطنية غير حسنة، حيث حُسن النوايا لا تفيد البتّة في مسائل مفصلية عندما نتحدّث عن الأمن الوطني فالمهم هنا النتائج التي تؤول إلى إستقرار وأمن الوطن.

فمنذ بدء موجات تسونامي الربيع العربي، أي قبل حوالي العام وثمانية أشهر، انطلقت في الأردن ما يربو عن خمسة آلاف مظاهرة أو مسيرة، منها ما انضوى تحت مظلّة الحراكات الشعبية المطالبة بالإصلاح والآخر مطالبي بحت وغيرها عبث بالممتلكات العامة. وتعاملت الأجهزة الأمنية معها -وبتوجيهات ملكية سامية- بأعلى درجات الإقتدار والاحتراف والمهنية العالية مع ضبط النفس بما يسمى بالأمن الناعم، وظنّ البعض أن هيبة الدولة قد فُقدت وأن هذا ضعف، لكن الحقيقة أن الأجهزة الأمنية والتي تُشكر على مواقفها المُشرّفة كانت تتعامل مع الأحداث وفق الدستور لتجذير الديمقراطيّة وتعزيز حريّة النعبير عن الرأي. وهذا ما كفله الدستور للتعبير عن الرأي بما يُسمّى بالحراك السلمي والحريّة المسؤولة. 

أمّا ما بدأنا نلحظه في الآونة الأخيرة -من قبل البعض وهم قلّة والحمد لله تعالى- فهو خروج عن المألوف، حيث تمادى البعض لدرجة الوصول حرق الممتلكات العامة وإغلاق الطرق العامة لأتفه الأسباب وإستخدام لغة العنف والتجريح لدرجة كبيرة والتغوّل على حقوق الآخرين العامة والخاصة، إضافة للتطاول على رموز الدولة. وهذا الأمر يؤشّر إلى الفَلتان والفوضى وبالطبع يحتاج إلى «الأمن الحازم وربما الخشن» للتعامل معه هيبة للدولة وحماية للمواطن والمسؤول على السواء وبالطبع حماية للمتلكات العامة وحفاظاً على حقوق الناس. 

هنالك فرق شاسع بين حرية التعبير التي كفلها الدستور وبين «تخريب الممتلكات العامة وقطع الطرق، وبالطبع هذا مطلب شعبي من المواطنين الشرفاء والذين قلبهم على هذا الوطن الأشم! 

فالأمن الناعم والأمن الحازم بين «المطرقة والسندان» وبينهما خيط رفيع! وكيف لنا الحفاظ على أمننا والمحافظة على هيبة الدولة وحقوق الناس؟ كل ذلك يجب تأطيرة ليعرفه الناس ويعرف كلّ حدوده وحقوقه وواجباته دون تغوّل على حقوق الآخر أو مساس بأمن الوطن لأولئك الذين يحاولون استغلال موجات الربيع العربي الذي نعتز بالأردن بأننا بدأنا نقطف ثماره من خلال إستثمار الفرص المتاحة والإصلاحات السياسية والإقتصادية التي نشهد والتي ستتوّج بانتخابات نيابية حرّة ونزيهة في نهاية هذا العام.

أعتقد جازماً أننا أصبحنا بحاجة للتفريق بين حرية التعبير عن الرأي ودعوات الإصلاح والمطالبية من جهة ودعوات العزف على أوتار الفوضى والإنفلات والإستهتار بهيبة الدولة من جهة أخرى، كما أصبحنا بحاجة للتفريق بين الأمن الناعم والأمن الحازم، وأصبحنا بحاجة للتفريق بين الحرية على الغارب والحريّة المسؤولة التي يكفلها الدستور، وأصبحنا بحاجة لوجود «هايد بارك» أردني محصور في مكان بعينه لضبط حُسن النوايا والتعبير عن الرأي دون الخلط بين مسألتي دعوات الإصلاح ودعوات الفوضى المشبوهة حفاظاً على أمننا الوطني الذي نعتز به، وأصبحنا بحاجة لأن نسجّل اعتزازنا بالحالة الأردنية المتميّزة بين دول المنطقة ولنحافظ على منجزاتنا لأننا لن نعرف قيمة الشيء إلّا إذا فقدناه!، وفي هذا الصدد نبقى نتباهى دوماً بمنظومة ثالوث الدولة الأردنية المحافظ على الأمن الوطني: القيادة الهاشمية المظفّرة والأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية البطلة والمواطنين الأردنيين الشرفاء ليبقى الأردن منارة يحتذى بين دول المنطقة والعالم.