تحدِّيات الموقع والمكان
من الواضح أنَّ المنطقة العربية بشكل عام، والأردن والمنطقة المحيطة به بشكل خاص، تعيشان إرهاصات مخاض جيوسياسي يتمُّ تطويره وفق مخطَّط يخفى على العامة والكثيرين من أصحاب القرار الإقليمي، ولكنه لا يخفى على من يُخطِّط له من داخل المنطقة وخارجها.
وبين انتهاء سيناريو داعش واختفاء رموزها وظهور تسريبات صفقة القرن التي يبدو واضحاً أنه لا يعلم عن مكنوناتها أحد في المنطقة، حتى من يدعي ذلك، فإنَّ الأردن اليوم يخوض غمار إرهاصات خريطة جيوسياسية يتم إعداد وصفتها وفق مصالح إقليمية ودولية متعددة.
وبعيداً عن الإطار السياسي لتلك المعطيات، فإنَّ المحتوى الاقتصادي والبعد الاقتصادي الاجتماعي هما الأجندة الأكثر تأثيراً بالنسبة إلى الأردن.
فقد وصلت مستويات المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الكلية في البلاد إلى حدود تجعل البعض من خارج المنطقة وداخلها، يعتقد أنها تؤهله إلى إقحام البلاد في ترتيبات قد لا تروق للعامة ولصانع القرار على حدٍّ سواء. تلك المؤشرات التي تقع بين معدل بطالة عام غير مسبوق بالأرقام الرسمية يتجاوز 18.5 %، ومعدل بطالة بين الشباب بشكل خاص يتجاوز
30 % هي الأعلى في المنطقة، بل وفي المتوسط العالمي أيضاً، وبين مديونية تلامس مستوى الناتج المحلي الإجمالي وتعد في نظر الكثيرين أنها غير قابلة للسداد بدون تكاليف اقتصادية وسياسية عالية، وبين نمو اقتصادي يشير صراحة إلى تراجع مستوى الدخل الفردي خلال السنوات الخمس الماضية، ناهيك عن تأثيرات أزمة اللجوء التي زادت كلفتها السنوية الصافية المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد الوطني على أربعة مليارات دولار.
بين هذه المكونات والإرهاصات، يصبح عدم الاكتراث إلى المعطيات القادمة من حدود المملكة المختلفة منذرا بمواجهة الصدمات الإيجابية أو السلبية على الاقتصاد الوطني بصيغة المتلقي بدلا من التعامل معها بصيغة المتأهب المتيقظ من جهة، أو بصيغة المُخطط المبادر المتأهب للسيناريوهات من جهة ثانية. ثلاث قضايا لا مندوحة عن دراسة أثارها وسيناريوهاتها القادمة وإسقاطاتها الإيجابية أو السلبية على النسقين الاقتصادي والاجتماعي على الأردن، والتأهب والمبادرة بوضع سيناريوهات الاستجابة الإيجابية والسلبية عليها من اليوم.
وتلك هي، أولا التوجُّهات القائمة حول الوضع في سورية وسيناريوهات الحل السياسي ودور الاقتصاد الأردني في مرحلة إعادة البناء والتعمير من جهة، واستعادة مسار التجارة الخارجية إلى أوروبا ضمن بوابة سورية وتركيا من جهة أخرى.
وفي القضية الثانية هناك التوجُّهات القائمة نحو عودة العراق إلى المنطقة السنية العربية، ودور الاستثمارات المشتركة في إعادة الإعمار، وفي فتح المناطق اللوجستية التي خُطط لها سابقاً على الحدود مع العراق، وفي منطقة المفرق التنموية. وأخيرا ، الطروحات السياسية الصادرة إلى واشنطن من المنطقة، والمعاد تصديرها إلى المنطقة عبر واشنطن حول القضية الفلسطينية، والبعد الاجتماعي والاقتصادي المتوقع من ذلك. المطروح هنا ببساطة هو إعداد وثيقة أردنية ليست للتداول وإنما لغايات "الإنذار المبكر" للإعداد لكافة السيناريوهات الإيجابية والسلبية، والتجهُّز لها حتى لا نظل في دائرة ردود الفعل بدلا من المبادرة.
المطلوب فريق عمل متخصِّص يعمل بهدوء كمكمِّل للفريق الأمني والسياسي في منظومة عمل صنع القرار ضمن إطار مركز إدارة الأزمات، وذلك لوضع ترتيبات وسيناريوهات وإجراءات عمل تجعلنا جاهزين لتلقي الصدمات، إن وجدت، بل ومستعدين، وهو الأهم، لتعظيم المنافع التي قد تتحقق. الأمن الاقتصادي يتطلَّب تخطيطاً بفكر الإنذار المبكر والمُبادر كما هو الأمن السياسي والعسكري. خلية عمل اقتصادية لبناء نظام التعامل المبكر مع التطورات القادمة متطلب أساسي، وقد تكون قائمة فعلاً، ولكن وجب التنويه.