النائب العودات يحذر من تجاهل راي مجلس النواب

حذرت كتلة عدالة النيابية مما ووصفته ب "تجاهل لرأي مجلس النواب والإستمرار في العلاقة المرتكبة بين المجلس والحكومة"، معتبرة أن ذلك سيدفع القوى الشعبية إلى التعبير عن نفسها بطريقتها.

وقال النائب عبدالمنعم العودات الذي القى كلمة الكتلة :" لقد حذرنا بشكل واضح من ان تجاهل رأي مجلس النواب ، والإستمرار في العلاقة المرتكبة بين المجلس والحكومة ، سيدفع القوى الشعبية الى التعبير عن نفسها بطريقتها ، اذا ما شعرت ان ممثليها لا يعكسون بصورة صحيحة مطالبها المشروعة في الحياة الكريمة ، وقلنا إن لجوء الحكومات الى رفع الضرائب والرسوم والأسعار ، دون الأخذ في الإعتبار قدرة الشعب على تحملها يضر بالصورة العامة للدولة وبمكانتها ووزنها الحقيقي في المعادلة الإقليمية والدولية التى أوصلها اليها جلالة الملك" .

وتاليا نص الكلمة

أبدأ حديثي بالدعاء إلى الله العلى القدير أن يعننا جميعا على تحمل مسؤوليات هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها بلدنا ، والذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث وأعقد الأزمات السياسية والأمنية التي تعصف بجواره الإقليمي وتحيط به من كل جانب.

 ها نحن من جديد أمام استحقاق دستوري ، يتمثل في مناقشة البيان الوزاري لحكومة الدكتور عمر الرزاز ، التي تشكلت على إثر الاحتجاجات الشعبية العارمة خلال شهر رمضان الماضي ، والتي أدت إلى إستقالة حكومة الدكتور هاني الملقي على خلفية رفض الشعب الأردني لقانون الضريبة العامة ، والارتفاع الفاحش للأسعار ، وتكاليف الحياة المعيشية ، وانحياز جلالة الملك للمطالب الشعبية ، ودعوته إلى مشروع نهضة وطنية تتم صياغته بناء على حوار وطني شامل.

 إن طبيعة ما جرى في تلك الأيام لا يمكن التجاوز عنه دون أخذ الدروس والعبر ، فقد جاءت تلك الاحتجاجات كنتيجة متوقعة للتعامل الخاطئ مع برنامج الإصلاح الاقتصادي ، والمراجعات الدورية مع صندوق النقد الدولي ، وقد قلنا تحت هذه القبة مرارا وتكرارا إن وزارات ومؤسسات الحكومة تعمل بدون إستراتيجية ، أو خطط واضحة المعالم ، اي أن الجهة المتعاقدة نيابة عن  الدولة مع الصندوق ، والمعنية بتنفيذ برنامج الإصلاح الإقتصادي مقصرة ، ولا تتمتع بالقدر الكافي من القدرة والكفاءة على إدارة الشؤون العامة للبلاد ، بما يحقق مصالح بلدنا العليا ، ويضمن تجنب الأقتراض ، عن طريق الأستغلال الأمثل لمواردنا الطبيعية ، و إزالة العراقيل أمام قوى الإنتاج الوطني ، واعتماد التشاركية في اتخاذ القرار والشفافية والمساءلة ، والجدية والالتزام ، والاستفادة من التجربة الذاتية وتجارب الآخرين في التغلب على الأزمات والصعاب والتحديات .

 ولطالما شهدت هذه القاعة نقاشات حادة بين أعضاء المجلس والحكومتين السابقتين حول العديد من مشاريع القوانين ، والإجراءات الحكومية التى رأى فيها المجلس اجحفا  بحق المواطنين الذين تحملو فوق طاقتهم نتيجة فشل  العديد من السياسات الحكومية ، وانعكاسات الوضع الإقليمي على الواقع الاقتصادي والاجتماعي ، في وقت كانت فيه القوات المسلحة الأردنية الجيش العربي ، وأجهزتنا الأمنية تحكي حدودنا و أمننا الداخلي وتخوض حربا حقيقية ضد الإرهاب ، وتتعامل مع ظروف استثنائية لم يسبق لها مثيل ، محافظة على أمن وإستقرار بلدنا ، وعلى قيمه ومبادئه وإنتمائه القومي ، بأرفع و أرقى ما يكون عليه الآداء ، وصدق الإنتماء والولاء للقائد الأعلى الذي أدار ملف التوازنات الإقليمية والدولية بحكمة وحنكة وإقتدار ، بينما كنا نحن في هذه الفضاء البرلماني نشعر بالفرق الكبير بين ما ينجزه قائدنا جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، وقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ، وبين ما نخوض نحن فيه من نقاش عقيم للأسف الشديد .

 لقد حذرنا بشكل واضح من ان تجاهل رأي مجلس النواب ، والإستمرار في العلاقة المرتكبة بين المجلس والحكومة ، سيدفع القوى الشعبية الى التعبير عن نفسها بطريقتها ، اذا ما شعرت ان ممثليها لا يعكسون بصورة صحيحة مطالبها المشروعة في الحياة الكريمة ، وقلنا إن لجوء الحكومات الى رفع الضرائب والرسوم والأسعار ، دون الأخذ في الإعتبار قدرة الشعب على تحملها يضر بالصورة العامة للدولة وبمكانتها ووزنها الحقيقي في المعادلة الإقليمية والدولية التى أوصلها اليها جلالة الملك .

 ان التحدي الذي واجهناه دليل واضح على عجز الحكومات عن تحمل مسؤوليات المرحلة ، وايجاد الحلول الابداعية للتخفيف من وطأة الأزمة على السواد الأعظم من الأردنيين الذين لولا ايمانهم بالله ، وانتمائهم الوطني الصادق ، ووعيهم العميق للظروف من حولهم لفقدوا الأمل والرجاء في تجاوز هذه الأزمة وتحقيق طموحاتهم .

 اليوم ، وفي هذا اللحظات الحرجة من تاريخ بلدنا ، نحن أمام اختبار صعب يفرض علينا تغيير أسلوب التعامل بيننا وبين الحكومة ، فلا نقبل منها كلاما إنشائيا ، ولا وعودا واهية ، ولا مواربة في التعبير عن موقفها أو تسويفا في الإجابة على استفسارات أعضاء المجلس ، ولا نقبل على أنفسنا جعل المجلس مجرد مرحلة دستورية من مراحل سن القوانين ، والتمرير بحجة الأمر الواقع ، وتفهم الظروف والأحوال .

 إن الأمة هي مصدر السلطات وفق نظام برلماني ملكي وراثي ، وذلك هو العقد الاجتماعي الذي قامت عليه هذه الدولة ، وبهذا التوافق أقامت قواعدها المتينة ، وحققت إنجازاتها الكبيرة ، وصمدت في وجه التهديدات والمخاطر والتحديات .

 اسمح لي معالي الرئيس أن أخطب دولة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز من خلالكم لأقوال له بكل احترام وتقدير، إن الحديث مرة أخرى عن العقد الإجتماعي من المنطلق الذي اشرت إليه في خطابك ليس هو المدخل الموضوعي للتعامل مع هذه المرحلة الطارئة و العاجلة ، والأهم من ذلك إنك في وضع لم يسبق أن تعرض له إلا قلة من رؤساء الحكومات في بلدنا لسببين هامين :

 أولا – إنه نتيجة التطورات التي أدت إلى تكليف جلالة الملك لكم بشكل حكومة جديدة ، على خلفية الاحتجاجات الشعبية ، التي انتهت بقبول إستقالة تلك الحكومة ، فإن الغالبية العظمى من المواطنين تعلق آملا كبيرة عليكم ، وفي ذلك مسؤولية مضاعفة، أسأل الله أن يعينك على تحملها .

 ثانيا – أمام الأنتقادات التي تعرضت لها على اختيارك لفريقك الوزاري فقد قلت إنك ستستحمل مسؤولية عملهم وأدائهم ، وإن كان ذلك لا يصح بحكم المسؤولية المشتركة لأعضاء الحكومة فضلا عن المسؤولية المباشر لكل وزير بمفرده ، فقد حملت نفسك ما لست مضطرا لتحمله ، ولو كان قصدك من وراء ذلك تأكيد قناعتك بكفاءة من اخترت ليكونو ضمن فريقك الوزاري ، فذلك لا يعفي الوزراء من أنهم مسؤولون عن أقوالهم وأفعالهم .

 أما الحوار الذي بدأته حكومتكم مع ممثلي القطاع الخاص ، وغرف الصناعة والتجارة وغيرها من الهيئات والنقابات والأحزاب ، فتلك المبادرة يجب أن تفضي إلى مشروع وطني للاقتصاد الكلي ، وليس لشرح وجهة نظر الحكومة والاستماع إلى وجهات النظر الأخرى ، في سجال لا يؤدي الغاية المتوقعة منه ، والأهم من ذلك هو عقد شراكة حقيقة بين القطاع العام ، والقطاع الخاص المشغل لحوالي سبعين بالمئة من القوى البشرية الأردنية ، وفي الأثناء يجب الكف عن التلميح إلى الأعباء الناجمة عن رواتب الموظفين ، وتكلفة القطاعات والخدمات العامة ، فتلك هي مسؤولية الدولة التي تشكل عائدات الضرائب والجمارك والرسوم النسبة الأعلى في موارد الموازنة العامة.

 و المطلوب إذن هو إعادة هيكلة أو هندسة مؤسسات الدولة كي تكون قادرة على المساهمة في مشروع النهضة الوطنية الذي دعا إليه جلالة الملك ، و إلى أحداث تغيير كلي في مفهوم الوظيفة العامة ، و تدريب و تأهيل الموظفين ، ووضع معايير صارمة لتقييم الأداء ، على أن بعض ما نشهده من توجه لترشيق الجهاز الحكومي من خلال أسلوب التقاعد المبكر هو مدخل خاطئ لا يخلو من المزاجية احيانا ، و لا يأخذ في الاعتبار أثره على التزامات مؤسسة الضمان الإجتماعي ، و في جميع الأحوال لا يجوز الاستمرار في إتخاذ القرارات بناءا على الإنطباعات العامة و الإجتهادات الشخصية ، و إنما بناءا على الدراسات العملية والعلمية لواقع الإدارة العامة ، و كيفية تطويرها و تفعيلها .

 إننا في هذا المجلس متجهون هذه المرة إلى محاسبة الحكومة على كل ما ورد في بيانها الوزاري ، و سيطلب من الحكومة جدولا زمنيا لكل إجراء وعدت به ، فليس من اللائق لها ، و لا لنا ، أن نكتفي بجمال اللغة ، و حسن الصياغة ، و نحن في الأصل لا نطالب الحكومة بأكثر من الصدق في القول ، الإخلاص في العمل ، و لا بد أن رئيس الحكومة يعلم علم يقين أسباب فشل الحكومة التي كان عضوا فيها ، و قد صرح بنفسه بأن الخدمات الحكومية في قطاعات عديدة ما تزال دون المستوى الذي يطمح إليه المواطنزن .

 المواطنون يا دولة الرئيس هم هذا الشعب الأردني العظيم الذي بادر منذ نشأة الدولة الأردنية إلى التحالف و التضامن مع النظام الهاشمي على مبادئ و منطلقات الثورة العربية الكبرى ، و المشروع النهضوي العربي ، و طموحات الأمة في الحرية و الإستقلال و التقدم و الرقي و الإزدهار ، و هو سابق على غيره في هويته الوطنية القومية ، ووعيه و فهمه للصراعات التي تدور من حوله ، و في الصدارة منها القضية الفلسطينية التي يعتبرها قضيته الأولى ، و هو يشكل الظهير القوي لمواقف جلالة الملك الداعمة للنضال الفلسطيني في سبيل إقامته لدولته المستقلة على أرضه بعاصمتها القدس الشريف ، و هو مدرك أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية و المسيحية في المدينة المقدسة جزء لا يتجزأ من إيمانه و عقيدته و من وحدة الهدف و المصير التي تجمعه مع الشعب الفلسطيني الشقيق .

 و الشعب الأردني مدرك للتحديات و الصعوبات التي يواجهها بلده ، و قد ضرب أروع الأمثلة عبر كل الأزمان بأنه مستعد للصبر و التضحية و العطاء ، و لكنه لا يقبل المزايدة على موقفه، و لا التحايل على وعيه ، و لا العبث بحاضره و بمستقبل أبنائه، و لم يعد ممكنا اليوم لأي حكومة أن تتعامل معه إلا بالشفافية و الوضوح و المصارحة بالحقائق ، فهو صاحب الحق الأول في رعاية مصالحه و إدارة شؤونه بصدق و أمانة و إخلاص ، الأمر الذي يفرض على الحكومة أن تعمل كل مافي وسعها لإستعادة ثقة الشعب بها ، و ذلك هو الإمتحان الذي نواجهه معا في هذه المرحلة الفاصلة بين نهجين أحدهما تجاوزته الأحداث ، و الثاني يفتح السبيل نحو مرحلة جديدة من العمل الجاد ، القائم على التخطيط السليم ، و التفعيل الأكيد لعناصر قوة الدولة و مؤسساتها المختلفة .

 و لا يأخذنا الإنطباع السائد إلى أن قانون الضريبة العامة هو الذي اثار الضجة بحد ذاته ، و لكن الشعور العام بعدم التنفيذ السليم للقوانين القائمة ، و سوء إدارة الموارد ، و التباطؤ و الإرتجال ، و غياب العدالة ، و سيادة القانون إلى جانب مظاهر الفساد و الواسطة و المحسوبية هو السبب الحقيقي الذي أدى إلى فقدان الثقة ، و الخوف من مستقبل الأيام .

 أعود و أكرر مرة اخرى لن يكون بإمكاننا التقدم إلى الأمام خطوة واحدة إذا اعتمدنا الأساليب القديمة نفسها في التعامل مع واقع جديد ، و إذا أساءت الحكومة فهم العلاقة مع مجلس النواب ، و لم تتعامل معه بناءا على ثقل و قيمة موقعه في الدستور الأردني، و أن يكون الدافع إلى ذلك هو التعاون و التشارك في إتخاذ القرار ، لكي نتمكن من تجاوز هذه المرحلة الصعبة و المعقدة ، و نقف معا في التصدي لمشكلاتنا الداخلية ، و تثبيت و تمتين موقف الدولة في التعامل مع المشاريع الظاهرة و الخفية التي تستهدف المنطقة بأكملها .

 و في الختام ، إن لبلدنا الأردن الحبيب تاريخا عظيما من الثبات في مواجهة الشدائد ، و عبر التاريخ كله مرت من عنده كل الحضارات الإنسانية ، و لم يكم يوما إلا رقما كبيرا في كل المعادلات الإقليمية و الدولية ، و هو اليوم يختبرنا جميعا لكي نعلوا إلى مستوى قوته و قيمته و موقعه ، و شرف موقفه علينا أن نكبر بالقدر الذي يليق بتاريخه و جهاده و شعبه العظيم .

بارك الله في بلدنا و مليكنا و شعبنا و أمتنا ، إنه سميع قريب مجيب ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .