حلم المونديال الانجليزي يصل إلى العقبة السويدية
تحلم انجلترا بلقب كبير منذ العام 1966، يوم توجت على أرضها بكأس العالم في كرة القدم. بعد 52 عاما، يجد "الأسود الثلاثة" أنفسهم أمام فرصة مثالية للمضي قدما نحو لقب مونديال 2018، لكن يتوجب عليهم أولا تخطي العقبة الجدية المتمثلة بالسويد في لقاء الدور ربع النهائي اليوم السبت في سامارا.
ستحتاج انجلترا إلى الكثير لتتمكن من تخطي السويد، المنتخب الذي وصل الى هذه المرحلة بعدما أزال من طريقه أسماء من العيار الثقيل: هولندا في التصفيات الأوروبية، ايطاليا أبطال العالم أربع مرات في الملحق، وبطريقة غير مباشرة، ألمانيا حاملة اللقب في المجموعة السادسة لمونديال 2018.
سيحتاج الانجليز أولا الى نجاعة هجومية متمثلة بمواصلة القائد هاري كاين شهيته التهديفية التي جعلته حتى الآن يتصدر ترتيب الهدافين مع ستة أهداف. ستحتاج أيضا لاختراق الصلابة الدفاعية وتجانس المنتخب الذي حرم ثلاث منتخبات من أصل أربعة واجهته في مونديال روسيا، من التسجيل. ذهنيا، سيحتاج اللاعبون الشبان في التشكيلة الانجليزية إلى ان يكونوا أقوى من صدى التاريخ الذي سيتردد في أذهانهم: في ثماني مباريات رسمية، لم تفز انجلترا على السويد سوى مرة واحدة، وذلك بنتيجة 3-2 في الدور الأول لكأس أوروبا 2012 (مقابل فوزين للسويد وخمس تعادلات).
الأكيد ان المنتخب الانجليزي يزداد ثقة مع مرور الوقت في روسيا. راهن مدربه غاريث ساوثغيت على لاعبين من الشباب، ولم يخسر رهانه حتى الآن. معاكسة التاريخ؟ تم ذلك في الدور ثمن النهائي، مع النجاح في ركلات الترجيح للمرة الأولى في كأس العالم بعد ثلاث محاولات فاشلة.
أمام كولومبيا، بدت انجلترا على وشك الوقوع مجددا في الفخ نفسه. تقدمت 1-0، وعادل المنتخب الأميركي الجنوبي في الدقيقة الثالثة من الوقت الضائع. امتدت المباراة إلى الكابوس الذي لطالما أرق الانجليز: ركلات الترجيح. ابتسم الحظ على غير عادة، لكن التوجس هو من تكرار تجربة مريرة: يوم فازت على اسبانيا في ربع نهائي كأس أوروبا 1996 بركلات الترجيح، عادت وخسرت في نصف النهائي أمام ألمانيا بالسلاح نفسه.
ما تزال كأس العالم الذهبية تدغدغ المخيلة الانجليزية. قالها المدافع جون ستونز الخميس بكل وضوح "نريد ان نعيدها الى المنزل"، إلى مهد كرة القدم الذي لم يكن على قدر هذا الحمل، واكتفى بلقب كبير يتيم في تاريخه. وأضاف "أحب ان أفوز بكأس العالم، انجلترا تحب ان تفوز بكأس العالم.. مر زمن طويل مذ فزنا بها. نريد جعل الناس في بلادنا فخورين".
في البطولتين الأخيرتين، كان الأداء الانجليزي محرجا: خروج من الدور الأول في مونديال 2014، وثمن نهائي كأس أوروبا 2016. هذه المرة، التحدي الانجليزي أكبر، ويزداد حمله ثقلا اذا ما أدرك اللاعبون ان ركلات الترجيح ضد كولومبيا تابعها أكثر من 23 مليون انجليزي عبر الشاشات.
اعتبر ستونز لاعب مانشستر سيتي انه "من الرائع ان نرى الدعم الذي نلقاه في بلادنا. الجميع يدعمنا.. تصلني مقاطع فيديو وصور من الأصدقاء يتابعون المباريات، في الحانات، أينما كانوا".
هل ستكون السويد محطة سهلة نحو الدور نصف النهائي؟ بالنسبة الى ستونز، مقاربة المباراة بهذه الطريقة تنم عن "غباء".
أضاف "أحيانا في امكان منتخبات كهذه ان تطيح بك.. لا شك بأنهم فريق جيد. ما كانوا ليصلوا إلى هنا لو لم يكونوا جيدين".
لا يمكن ان تقارب السويد من منظار المحطة السهلة نحو الدور المقبل. تصدر المنتخب الاسكندنافي مجموعة ضمت المانشافت حامل اللقب، والمكسيك وكوريا الجنوبية، وهو يخوض البطولة في غياب أبرز نجومه، زلاتان ابراهيموفيتش الذي اعتزل دوليا العام 2016، ولم يبد المدرب الحالي يانه أندرسون ترحيبه بعودته الى صفوف المنتخب لخوض المونديال.
وصل السويديون الى هذه المرحلة للمرة الأولى منذ مونديال 1994 حينما أنهوا مونديال الولايات المتحدة في المركز الثالث. فرض أندرسون نظاما صارما في مجموعة تفتقد للنجوم والأسماء البارزة على الساحة العالمية.
تلقوا هدفين وخسارة وحيدة في المونديال حتى الآن، وأتت أمام ألمانيا في مباراة لم تحسم نتيجتها سوى في الدقيقة الخامسة الاخيرة من الوقت بدل الضائع.
لا يركز المنتخب على الاستحواذ أو السيطرة، أو الضغط الهجومي أو الاستعراض. يدرك مدربه واللاعبون حدود المهارة الفردية في مواجهة المنتخبات الأخرى التي تضم نجوما من أندية كرة القدم الأوروبية. فلسفة اللعب السويدي مماثلة لما هي عليه البلاد: باردة، صبورة، وفعالة.
بالنسبة إلى قائده أندرياس غرانكفيست "بطبيعة الحال لدى المنتخبات الأخرى لاعبون أفضل على الورق، وندعهم يحصلون على الكرة في الأماكن التي نريد لهم ان يحصلوا عليها فيها".
وتابع "اذا نظرتم الى المباريات التي خضناها حتى الآن، بطبيعة الحال كانت نسبة الاستحواذ أكثر مع الخصم، الا اننا خلقنا فرصا أخطر. هذه هي طريقة لعبنا.. هذا هو طريقنا نحو النجاح".
دورماز رمز مناهضة العنصرية والوحدة في السويد
لعب 15 دقيقة فقط في كأس العالم لكرة القدم في روسيا، لكن جيمي دورماز جسد مع السويد في مونديال روسيا 2018، رمزا لمناهضة العنصرية والحس الجماعي لمنتخب بلاده.
هي إحدى الصور المميزة للمونديال الروسي خارج المستطيل الأخضر: وقف دورماز بلحيته الطويلة، في حصة تدريبية يقرأ أمام وسائل الاعلام من هاتفه الخلوي، نداء لوقف الهجمات العنصرية ضده وعائلته أمام زملائه الذين اصطفوا خلفه وصفقوا له في النهاية.
الخطأ الذي ارتكبه؟ تسبب بالركلة الحرة التي سجلت من خلالها ألمانيا هدف الفوز (2-1) في الدقيقة الخامسة من الوقت بدل الضائع في مباراتها امام السويد في الجولة الثانية من الدور الاول. هزيمة لم تمنع السويد من العبور الى الدور ثمن النهائي، ومنه على حساب السويد (1-0) الى ربع النهائي لملاقاة انجلترا اليوم السبت في سامارا.
بعد مباراة ألمانيا، انهالت الشتائم العنصرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد دورماز، الذي ولد قبل 29 عاما في أوريبرو من أب تركي وأم لبنانية (كلاهما من الآراميين السريان) هاجرا إلى السويد من تركيا.
قال دورماز في معسكر المنتخب السويدي في غيليندجيك "أنا سويدي وفخور باللعب للمنتخب السويدي. لن أدع بعض العنصريين يدمرون هذا الفخر".
تلقى تهديدات في حسابه على انستاغرام، حيث تم نعته بالـ "صرصور" (وهو مصطلح مهين يقارن بـ "اللعين")، أو "شيطان عربي" ، أو "إرهابي" أو "طالبان".
عندما كان يلعب في اليونان مع أولمبياكوس بيرايوس (2014-2016)، زار معسكرا اللاجئين السوريين وتلقى وقتها أيضا انتقادات على هذه البادرة.
ردا على ذلك، انتشر عبر مواقع التواصل أيضا وسم يدافع عنه، وتم تنظيم تظاهرة لدعمه في ستوكهولم.
إلياس دورماز، شقيقه البالغ 18 عاما، وهو أيضا لاعب كرة قدم، أعرب عن "حزنه" أمام الكاميرات. وقال "شعرت بخيبة امل من الطريقة التي تم التعامل بها مع أخي لأنه سويدي ويمثل المنتخب الوطني السويدي. من الصعب بالنسبة إلي ان أرى ذلك".
وزيرة الرياضة السويدية أنيكا ستراندهال ارتدت قميص اللاعب لدعمه، برقمه 21، خلال جلسة أسئلة في البرلمان.
وافق دورماز على أن "يُنتقد بسبب أدائه"، لكنه رأى أن "الحد قد تم تجاوزه"، لأنه تم أيضا تهديد أسرته وأطفاله.
لكن لاعب تولوز الفرنسي ليس فقط رمزا لمكافحة العنصرية في السويد، فهو يمثل ايضا قوة المجموعة السويدية التي بلغت الدور ربع النهائي لكأس العالم للمرة الأولى منذ العام 1994.
وقال مدرب السويد يانه أندرسون بعد الفوز على سويسرا (1-0) في ثمن النهائي "لدينا فريق رائع، داخل أرضية الملعب وعلى دكة البدلاء"، معتبرا ان "كرة القدم هي رياضة جماعية. نحن نعرف كيف وصلنا إلى هنا".
لم يلعب دورماز سوى ربع ساعة، وهو الوقت الذي ارتكب فيه ذلك الخطأ المؤسف على تيمو فيرنر، الذي لم يكلف السويد في النهاية أي شيء.
في 47 مباراة دولية، سجل ثلاثة أهداف فقط، بيد أن أحدها كان حاسما على الطريق إلى كأس العالم ضد فرنسا حيث سجل هدف الفوز (2-1) الذي خول السويد خوض الملحق الأوروبي عندما اقصت ايطاليا بأسلوبها الدفاعي الذي أثبت نجاحه الكبير في مونديال روسيا.
حاليا، يشارك في الغالب من مقاعد البدلاء، حيث يلاحظ بلحيته ووشومه من الرموز المسيحيةالمشرقية.