لماذا تختلف الأسواق مع علماء السياسة بشأن مجموعة السبع؟
إذا قلنا أن قمة هذا الشهر التي جمعت زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع في كندا كانت غير عادية فإننا بهذا لا نوفيها حق قدرها. فقد شاب هذا التجمع الودي تقليديا الذي يمكن التنبؤ بنتائجه والذي يتألف من دول متشابهة الفِكر تبادل الاتهامات والخلاف، الأمر الذي أدى إلى عجزه عن تحقيق الإجماع حول البيان النهائي. ولكن في حين كان المحللون السياسيون متسرعين في الإعلان عن نهاية تماسك وسلامة مجموعة السبع والجدوى منها، كانت الأسواق هادئة. والواقع أن النتائج الأطول أجلا ربما تثبت أن الأسواق كانت محقة، وإن كان الأمر لن يخلو من بعض الشروط المؤهلة.
أوردت التقارير أن المشاركين في قمة مجموعة السبع اشتبكوا حول قضايا مثل تغير المناخ وإمكانية إعادة إدخال روسيا. لكن الخلاف الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة النطاق تغذى في الأساس على الخلافات حول التأثيرات التجارية بين الأعضاء. والواقع أن هذه الخلافات، التي تضخمت بفِعل الاختلافات المستديمة حول حقائق أساسية، أعاقت التقدم في مجالات أخرى كانت لتجتذب قدرا أكبر من الإجماع، بما في ذلك قضية إيران، وبعض القضايا الأخرى المرتبطة بالشرق الأوسط، وكوريا الشمالية، والهجرة، وإغاثة اللاجئين.
اتهم ممثلو الولايات المتحدة الدول الأعضاء الأخرى في مجموعة السبع بالدخول في ممارسات تجارية غير عادلة والتي يزعمون أنها ألحقت الضرر بالاقتصاد الأميركي والعمال الأميركيين على نحو غير متناسب. وقد واجه بقية أعضاء مجموعة السبع، وجميعهم حلفاء تقليديون للولايات المتحدة، الرئيس دونالد ترمب بالبيانات التي كانوا يأملون أن تثبت أن التجارة كانت مفيدة للغاية لجميع البلدان.
لكن الولايات المتحدة تمسكت بموقفها. وفي غياب التنازلات من قِبَل شركائها التجاريين، بما في ذلك المزيد من التبادلية، أعلن ممثلو أميركا على نحو لا لبس فيه أن الولايات المتحدة قد تفرض تعريفات جديدة على الواردات من كندا، والاتحاد الأوروبي، واليابان.
يمثل هذا النهج خروجا حادا عن الماضي، وصدمة أخرى للمؤسسة ورأي الخبراء. وعلى الرغم من الاحتياج إلى إدخال بعض التعديلات على العلاقات التجارية، فإن مثل هذه التغييرات كانت تنفذ في الماضي بطريقة منظمة وتعاونية، وليس تحت ضغوط ثابتة ومتزايدة تتمثل في التعريفات. وبدلا من ذلك، يبدو أن الاقتصادات الكبرى في الغرب الجيوسياسي عازمة على الانخراط في صراع انتقامي على التعريفات والذي قد يتحول إلى حرب تجارية كاملة النطاق تلحق الضرر بكل هذه الاقتصادات.
ولكن لم تكن الاقتصادات الغربية الأخرى فقط هي التي دفعت الولايات المتحدة إلى حمل السلاح. فالآن تلاحق إدارة ترمب الصين لحملها على معالجة سرقة الملكية الفكرية والحد من الحواجز غير الجمركية (مثل متطلبات المشاريع المشتركة). وهنا يتفق جميع أعضاء مجموعة السبع الآخرين على أن شكاوى أميركا مشروعة، وأنهم أيضا يتعرضون للضرر والأذى.
مع ذلك، ونظرا للصراع حول التجارة الداخلية بين الدول السبع، عجزت المجموعة عن التوحد حول استجابة شاملة ومنسقة في التعامل مع الصين. وأعقب القمة تصعيد للنزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة، مما أدى إلى تفاقم حالة عدم اليقين التي تهدد الآن انتعاش النمو المتزامن الذي بدأ بالفعل يفقد زخمه بسبب عدم كفاية الإصلاحات السياسية في دول عديدة بخلاف الولايات المتحدة.
لقد وجهت قمة مجموعة السبع الفاشلة ضربة علنية للتجمع الذي كان قويا ذات يوم والذي يواجه بالفعل تحديات عصيبة بفِعل إعادة تنظيم الاقتصاد العالمي، وظهور مجموعة العشرين الأكثر تمثيلا، فضلا عن أشكال جديدة من التنظيمات الإقليمية. وعلى هذا فربما يكون من غير المستغرب أن يعلن بعض علماء السياسة نهاية مجموعة السبع. ومع ذلك، عندما فتحت الأسواق أبوابها في صباح الاثنين، كانت غير متأثرة على الإطلاق بالتطورات التي حدثت في عطلة نهاية الأسبوع؛ فمن منظورها، لم تكن قمة مجموعة السبع حدثا مؤثرا في المقام الأول.
على أحد المستويات، يمكن تفسير هذا التباين من خلال حقيقة مفادها أن الاقتتال داخل مجموعة السبع لن يخلف سوى تأثير ضئيل على النمو، وخاصة مقارنة بعوامل مثل السياسة النقدية. ومن جانب أكثر جوهرية، كانت الأسواق مهيأة لتأجيل تعديلات الأسعار الكبيرة إلى أن تتوفر أدلة دامغة على حدوث آثار اقتصادية ومالية سلبية.
في السنوات الأخيرة، واجهت الأسواق مجموعة ضخمة (ومتوسعة) إلى حد غير عادي من البيانات والمناورات السياسية غير التقليدية. ولكن في القسم الأعظم من الأمر، لم تترجم الخطابة إلى واقع، وأثبتت الإجراءات التي اتخذت أنها ضئيلة الأهمية إلى حد كبير في ما يتصل بالنشاط الاقتصادي وأسعار الأصول.
كان ذلك صحيحا في السجال الخطابي بين ترمب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون العام الماضي، والذي توقع بعض المحللين السياسيين أن يؤدي إلى صراع مسلح. وكانت هذه أيضا حال الرجعية الانتقامية الروسية المتصاعدة، والتي اعتبرها بعض المراقبين مقدمة لحرب باردة جديدة مزعجة، والنجاح الانتخابي الذي أحرزه رافضو أوروبا والأحزاب الشعبوية في الاتحاد الأوروبي، والذي أعلن بعض الخبراء أنه قد يؤدي إلى حل الاتحاد الأوروبي.
من منظور الأسواق، أثبت انتظار أدلة قوية على وجود تأثير اقتصادي، بدلا من الاستجابة لكل بيان أو حدث، كونه سلوكا مربحا. ومن المرجح أن يكون هذا هو النهج الصحيح في التعامل مع قمة مجموعة السبع أيضا، وليس فقط لأن تأثير المجموعة على النتائج العالمية تضاءل في السنوات الأخيرة. فنظرا للعدد الكبير من الروابط الاقتصادية والمالية والمؤسسية والسياسية والاجتماعية القائمة منذ أمد بعيد بين أعضاء مجموعة السبع، وجميعها تعمل كعناصر تثبيت، ربما تتبع قمة هذا الشهر قمة أخرى أكثر تجانسا وقدرة على البناء.
لم تتلق مجموعة السبع ضربة قاضية؛ فما زال بإمكانها أن تضطلع بدور على المسرح العالمي، وإن كان أقل أهمية. لكن هذا لا يعني أن الكارثة التي وقعت في كندا قد تمر بلا ثمن. فقد خسر أعضاء مجموعة السبع فرصة ثمينة للخروج بمواقف مشتركة حول قضايا يمكنهم الاتفاق عليها، واطلعت بقية دول العالم على أدلة أكثر قوة على أن العلاقات القديمة بين القلب والأطراف في إطار النظام العالمي لم تعد مدعومة بشكل جدير بالثقة بالوحدة بين قوى اقتصادية ومالية راسخة. وفي وقت يتسم بقدر كبير من السيولة السياسية والاجتماعية، فإن زعزعة استقرار الركائز المتبقية يمثل خطرا يهدد النظام ككل.