التوجيه الملكي لتفعيل الإصلاح
القراءة الملكية الدقيقة والمعمقة للمشهد الوطني مجسدة في حديث جلالة الملك عبد الله الثاني إلى التلفزيون الأردني الأسبوع الماضي ، ركزت على الأولوية التي يحتلها موضوع الإصلاح على الأجندة الوطنية ، بوصفه قاعدة الانطلاق الأساسية للولوج بالأردن إلى المرحلة السياسية القادمة بعد ان تم انجاز منظومة القوانين والتشريعات الناظمة للعمل السياسي ، استنادا إلى التعديلات الدستورية التي تم إقرارها ، والتعاطي معها كأرضية ديمقراطية متينة يعول عليها كثيرا في إقامة المشروع الإصلاحي الأردني المنشود .
وما الإشارة التي انطوى عليها التوجيه الملكي للحكومة بالتعاون مع السلطة التشريعية لتعديل قانون الانتخاب في دورة استثنائية لمجلس الامة ، بحيث تتم زيادة عدد المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية ، إلا التجسيد الواقعي للإصرار الملكي على تفعيل الحياة الحزبية المؤسسية والبرامجية ، والارتقاء بمستوى العمل السياسي الأردني إلى مستويات طموحة عبر تأطيرها بأطر مؤسسية تهدف إلى تكريس النهج الديمقراطي وتفعيله في المشهد السياسي الأردني ضمن آليات وأدوات قانونية ، اتساقا مع الهدف من عملية الإصلاح والذي يتمثل في توسيع قاعدة التمثيل والمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار ، وتمكين المواطن من المساهمة بهذه العملية من خلال المشاركة في الانتخابات ، بما يخدم الغاية من عملية الإصلاح ممثلة في تشكيل حكومات برلمانية ، تستند إلى وجود أغلبية حزبية أو تكتل نيابي في مجلس النواب .
وما التدخل الملكي بهدف تعزيز الأداء الحزبي والمؤسسي من خلال تعديل القائمة الوطنية ، وبما يتوافق ويتناغم مع الرغبات الشعبية وتطلعات الرأي العام والشارع الأردني والفعاليات الحزبية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني ، إلا لضمان تحقيق اكبر مشاركة ممكنة في العملية الانتخابية لاثراء المسيرة الاصلاحية والديمقراطية في بلدنا .
اما فيما يخص اعتراض البعض وعدم قبوله بقانون الانتخاب او اصراره على تفصيل قانون خاص به بحيث يأتي وفقا لقياساته ومواصفاته دون ادنى مراعاة لرغبات القوى السياسية والحزبية الاخرى والشرائح المجتمعية المختلفة ، فأعتقد ان هذا يتعارض مع ابسط متطلبات العمل الديمقراطي الذي يقتضي مراعاة واحترام الرأي الاخر . دون ان نغفل قضية هامة وتتمثل في اعتماد مفهوم التدرج في النموذج الاصلاحي الاردني ، والذي ينطوي على استعداد للتطوير والتعديل والتغيير حسب مقتضيات العملية الاصلاحية وضمن القنوات الدستورية المتبعة ، ومنها بطبيعة الحال القناة التشريعية ممثلة بدور مجلس النواب في اقرار التعديلات المطلوبة .
ما يحتم على هذا البعض ادراك هذه الحقيقة الثابتة والنظر بعين الجدية الى اهمية مشاركته بالانتخابات النيابية ، لاختيار ممثله في البرلمان بحيث يصبح قادرا على ترجمة وتحويل مطالبه الاصلاحية الى اجراءات ووقائع عبر انخراطه بالمنظومة السياسية لممارسة دوره كمواطن فاعل ومؤثر في مخرجات هذه المنظومة ، وليس من خلال رفع الاصوات والشعارات خلال المسيرات ، والتي لن ترى طريقها الى الواقعية الا اذا مرت بالقنوات الدستورية التي تتيح المجال امام المواطن لتفعيل دوره التشاركي في عملية صنع القرار .