الملك " ينفض بيته " وتفعيل متوقع لمجلس السياسات
جراءة نيوز - فرح مرقه -
ينفض الملك عبد الله الثاني المناصب الاقرب اليه ويعيد تشكيلها بصورة قاسية وهو يقيل رئيس ديوانه الدكتور فايز الطراونة بعدما بقي في منصبه لخمس سنوات متواصلة، ويستبدله بشخصية اقل صخباً بكثير من وزن الامين العام الاسبق يوسف العيسوي.
نخب العاصمة عمان التقطت في الخبر اشارة ايجابية، واعتبرت التعيين مؤشرا على علاقات اكثر انفتاحا بين مؤسسة القصر والشارع الاردني، باعتبار رئيس الديوان الجديد معروف بتواصله المباشر مع مختلف الفئات بالاضافة لكونه بعيدا عن "التسلّط على المؤسسات” باسم الديوان الملكي، وفق ما كتبه عنه خبير قانوني متابع وخطير مثل الدكتور صخر الخصاونة، وهو يؤكد ان تعيين الرجل يمنح رسالة ايجابية حتى للحكومة الجديدة.
بهذا المعنى، وبتغيير رئيس التشريفات ايضا، يرتب الملك بيته الداخلي بالتزامن مع ترتيبات كبرى تلوح بالافق ولا يزال الغموض يكتنف حتى التعبيرات الاردنية عنها، حيث يلتقي الملك عبد الله الثاني ولليوم الثاني ضيفا غير مرغوب به بالنسبة للاردنيين دون بث أي صور، أو تفاصيل، إلا تلك التي تتعلق بالثوابت الاردنية.
الملك وصاحب الوصاية الهاشمية التقى الثلاثاء مع صهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنر أي "مَن نزع عنه الوصاية” قبل نحو شهر وصرّح ان "القدس وكل ما فيها” هي تحت الوصاية الاسرائيلية؛ ويبدو ان الملك كان يحتاج للتأكد بأن الاسرائيليين لا يطمحون عملياً بالوصاية، وذلك ما يفترض انه حصل قبل ذلك بساعات والملك يستقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
المهم، انه وفي الحالتين لم تبثّ مؤسسة الديوان اي صور عن اللقاءات واكتفت بخبر يؤكد على تمسك الاردن بانسحاب اسرائيل حتى خط الرابع من حزيران 1967، بالاضافة للوصاية على القدس واقامة دولة فلسطينية، وهي ثوابت اردنية لا احد يمكنه الجزم اذا ما لقيت "قبولا او رفضا” او حتى شهدت تفاوضا مع الجانب الامريكي.
أياً كانت تفاصيل صفقة القرن او تسوية الاقليم المقبلة، فعمان تعرف جيدا انها على الاغلب ستدفع اكبر ثمن فيها، خصوصا والملك اليوم لا يتحدث باسم الاردن فقط، بل ويبدو انه يحاول حماية وجهة النظر الفلسطينية التي لا تزال بعيدة عن طاولة المفاوضات مع تزايد الخلاف وتصاعده بينها وبين ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب.
مع التطورات المذكورة، يبدو ان ملك البلاد استحوذ على ملف السياسة الخارجية، وهي فكرة تبدو اكثر وضوحاً اليوم وهو يعقد لقاءاته دون الكثير من التفاصيل، في محاولة للبقاء ضمن بوتقة القرار الموحد، ولكن انضاج السياسة الموحدة المذكورة ايضاً في هذه الفترة الحساسة بحاجة لخطوات عميقة واستراتيجية وانتقاء بعناية لمجلس المستشارين المصغر الذي يبدو ان "مجلس السياسات العامة” سيكونه، وترجح الانباء ان تتسلمه شخصية اعلامية دبلوماسية سياسية مختلطة وذكية مثل الدكتور محمد المومني، وزير الاعلام الاسبق، كما قالت "رأي اليوم” سابقا.
في مرحلة حساسة، تُطهى فيها تسوية اقليمية ضخمة، تؤثر على الاردن وحدوده وموقعه، يبدو ان الملك بحاجة عمليا لشخصيات قوية تدعمه في هذه المرحلة، ومن خارج علبة "الطراونة- حسان -فاخوري” التي كانت تتصدر المشهد السياسي سابقا على اختلافها واتفاقها. المشهد الجديد، قد يكون بحاجة لخبرات كانت طوال الوقت على تماس مع المعادلة "الامريكية الاسرائيلية الفلسطينية الاردنية” او احد اركانها، وهنا الاسماء كثيرة، ولكن المشكلة مع معظمها "قطيعة طويلة مع القصر” وتجاهل تام من المرجعيات، ولا حاجة للخوض مجددا بالاسماء فعدنان ابو عودة ومروان المعشر وعبد الكريم الكباريتي وعون الخصاونة، وآخرون غيرهم يمكن الاستفادة من خبراتهم خصوصا في هذه المرحلة وبطريقة مباشرة تشكل للملك في عمان "مائدته المستديرة” على الطريقة البريطانية القديمة.
صحيح ان الامر ليس بالسهولة المكتوبة، ولكن المناخ الاردني اليوم يمهد فعلا الطريق لمثل هذه الخطوات التي اضافة لمأسسة التفكير السياسي في الدولة فهي تجسّر طرقاً قُطعت بين القصر وبعض الشخصيات الاردنية الهامة والاساسية في التاريخ الاردني والاقليمي واحيانا العالمي، وهذا بحد ذاته اضافة يحتاجها الطرفان في مرحلة صعبة داخليا وخارجيا.
القصر اليوم بحاجة لاداء مختلف مع تسلم الملك "شخصيا” وبوضوح الملفات السياسية المتعلقة بالخارج واطاحته بمعظم "الضاربين بسيفه” في السياسة سابقاً، وهو ما يخدم توحد الرؤية وتركيزها، الا ان ذلك بالضرورة لا يغني عن التركيز على ايجاد خلايا نشطة مختصة بالدراسات والتحليلات والمشورة، وهنا لا يشكل مجلس السياسات المشهد كله، فمركز ادارة الازمات (المركز الوطني للأمن وادارة الأزمات) ايضا بحاجة للمزيد من التفعيل بعدما تأخر جدا عن رصد المشهد الداخلي في الحراكات الاخيرة.
بهذا المعنى فهيكلة الاجسام المتعلقة بالسياسة والعلاقات الدولية المتعددة ايضا بحاجة هيكلة وتكريس للسلطات وتقاسم دقيق للادوار، يمكن فيه تصدر "أشقاء الملك” لملفات استراتيجية وخصوصا المتعلقة بالقضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية، بعدما ظهروا بصورة قوية في مؤتمر اسطنبول الاخير تعبيرا عن رفض الاردن لنقل السفارة الامريكية الى القدس، وبصورة استساغها جدا الاردنيون.
في الاثناء، يبدو رئيس الوزراء الجديد الدكتور عمر الرزاز متموضعاً فعلا في الملفات الداخلية الخدمية والاقتصادية، ومكتفيا بذلك، وهو طبعا ما يجد تبريره بكون الملفات المذكورة متهالكة ومنهار بعضها اصلا وبحاجة للكثير من العمل، الى جانب كونه يحاول وبسرعة بالغة تثبيت انطباع ايجابي تأذّى كثيرا بعد اعلانه تشكيلته الوزارية المخيّبة للامال.