«القشّة» التي قصمت ظهر البعير

يُحكى أن أعرابياً أراد السفر إلى أحد الأمصار، وكان لديه جمل قوي طالما تحمل أعباء الترحال مع صاحبه..

قبيل سفره، أخذ الرجل يضع أحمالاً ثقيلة على ظهر جمله، واحدة تلو الأخرى، حتّى بلغ الحِمل الثقيل على ظهر البعير المسكين محمله.

لم يتوقّف الرجل عند هذا الحد، بل زاد من الأمتعة والأحمال الثقيلة ما ينوء عن طاقة البعير الذي أخذ يصرخ متأوهاً محاولاً لفت انتباه صاحبه للورطة التي أوقعه فيها، عبثاً..

تجمهر الناس، والدهشة تعتريهم من صبر الجمل المسكين من الاحمال المكدّسة فوقه، ما لا يطيق على حمله جمال أربعة، وصاحبه يكابر أمامهم، متباهٍ بجمله الّذي فاض الكيل بخفيه وساقيه الراجفتين.

لم يكترث صاحبنا لرغاء بعيره المشهود بصبره، فأراد أن يضيف على أحماله حزمة أخيرة خفيفة من القشّ، وما أن وضعها على ظهره حتّى قصمته، وخرّت ساقاه، فانبطح على الأرض منهكاً صارخاً..

تلّك حكاية شعبية قديمة، انبثق عنها مثل شعبي شهير لاحقاً يقول: القشّة التي قصمت ظهر البعير.

والحقيقة، ان القشّة لم تكنّ سبباً في قصم ظهر البعير أبداً، بل كانت هناك أحمال سابقة كلّ واحدة أثقل من أختها، فوق ظهر البعير الّذي تحمّلها طوال عمره، الى ان بلغ حدّ صبره وذروة تحمّله، ولم يعد يستوعب قشّة اضافية واحدة.

قانون ضريبة الدخل، لم يكن هو الآخر السبب الأوحد في خروج الناس عن طورهم ساخطين غاضبين إلى الشوارع خلال الأيام الماضية، فقد سبق خروجهم تراكمات عديدة: من رفع متوال للأسعار والضرائب طال جميع مسلتزمات حياتهم واستنزف جيوبهم وأعصابهم.. قوانين مكممة، فساد لم يروا أصحابه خلف القضبان، برلمان مغيب عن همومهم، وحكومة وضعتهم تحت ضغوط تنوء عنها الجبال..

سوء إدارة لموارد البلاد والعباد، بنوك تغولت على المواطنين، توريث مناصب، عطاءات لعيون رجالات البزنس، تنفيعات لأصحاب وأقارب، مساواة ليس في قواميسها فقراء ومستضعفون، عدالة لا تطال متنفّذين، جوع، فقر، بطالة، مخدّرات، محسوبيات، وخوّف على الأبناء ومستقبلهم..

قانون ضريبة، كان بمثابة القشّة.. القشة التي قصمت صبر المواطنين، وأطاحت بحكومة الملقي التي لم تلتقط أنين الناس وأوجاعهم.