مطالبات بإعادة التفاوض مع صندوق النقد
على وقع الهتافات والاعتصامات والإضراب، الذي حدث يوم الأربعاء الماضي، كانت بعثة صندوق النقد الدولي إلى المملكة تدقق في ملفات الحكومة الأردنية، وتقرأ تطور الأداء ومدى الاستجابة لاشتراطات "الصندوق".
وبالضرورة، استمعت البعثة، وربما شاهدت ماجرى، قبيل مغادرتها اراضي المملكة بيوم؛ حيث غادرت يوم الخميس الماضي.
"مباركة" البعثة لأداء الحكومة وإجراءاتها، قابله سخط وغضب شعبي، ومطالبات بسحب مشروع القانون المعدل لضريبة الدخل من مجلس النواب، الأمر الذي جعل الحكومة في مأزق بين التزاماتها الدولية والمطالبات الشعبية المتصاعدة التي أمست تطالب برحيل الحكومة ذاتها.
فهل لدى الحكومة من خيارات مع "الصندوق"؟، وهل يمكن تعديل أو تأجيل تطبيق الإصلاحات"؟، وفي حالة التأجيل هل سيؤثر ذلك على الأردن في التصنيفات الائتمانية.
مصدر حكومي مطلع قال إن "بعثة صندوق النقد الدولي، التي غادرت الأردن قبل أيام، عبرت عن ارتياحها لأداءالحكومة".
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن رئيس "بعثة صندوق النقد الدولي إلى الأردن، مارتن سيرسولا، دقق الأرقام الحكومية، ووجد أن الأردن ملتزم بتحقيق كل المؤشرات التي تعهد بها، وبالبرنامج الإصلاحي، لاسيما ما يتعلق بمؤشرات العجز والدين وتسديد المتأخرات، ناهيك عن التزامه بإعداد مشروع قانون ضريبة الدخل".
وتوقع المصدر أن يصدر "الصندوق تقريره حول أداء الاقتصاد الأردني خلال الفترة المقبلة".
وطالب خبراء اقتصاديون صندوق النقد الدولي بإعطاء الأردن فترة سماح، أو تأجيل البرنامج الإصلاحي في ظل ما يشهده الشارع الأردني من رفض واحتجاجات ضد مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل.
وقال الخبير الاقتصادي، جواد العناني، إن الصندوق معتاد على أن تواجه قراراته برفض واحتجاجات شعبية في كل الدول التي يعمل معها.
وأضاف العناني أن الأجدى أن تتم إعادة التفاوض على كل البرنامج مع الصندوق، وأن يتم تأجيل البرنامج لمدة عامين حتى العام 2020 على أن يتم خلال هذه المدة تحقيق إصلاحات حقيقية في البلاد ووضع برامج انتاجية واستثمارية كفيلة بزيادة معدلات الاستثمار وتحقيق النمو الحقيقي.
أما البرنامج الحالي، وفقا للعناني، فلن يحقق أيا من أهدافه سواء على صعيد النمو أو العجز وبدليل تقرير البنك الدولي الأخير الذي أظهر أن النمو في دخل الأفراد ناقص خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لأن النمو بنسبة 2 % رافقه زيادة في أعداد السكان ودخول اللاجئين بأعداد كبيرة، إلى جانب ارتفاعات كبيرة في الأسعار على مدى هذه الفترة.
وفي خصوص قانون ضريبة الدخل بالصيغة التي تنوي الحكومة فرضه بها، قال العناني إنه "لا ينصح بفرض هذا القانون، بل يجب العمل على منهجية جديدة لتحقيق الإصلاحات لأن الأسر والمواطنين الأردنيين لم يعد بمقدورهم التحمل أكثر من ذلك".
من جهته، قال وزير تطوير القطاع العام الأسبق، ماهر مدادحة، إن "إمكانية أن يقوم الصندوق بمنح الأردن فترة لتنفيذ برامجه يعتمد على ماهو منصوص عليه في مواد الاتفاق بين الطرفين والقدرة على المناورة في هذه المواد".
ورأى "قد يكون لدى الصندوق قبول للتفاوض على بعض البنود (التأزيمية) وأن يراعي الحراك الشعبي الكبير في الشارع الأردني".
وقال إنه ليس من مصلحة الصندوق أن يكون هناك اضرابات وقلاقل تنفر الاستثمارات وتنعكس على نسب النمو الاقتصادي، الأمر الذي يتنافى مع تحقيق أغراضه.
ورأى أن الصندوق يحاول دائما أن يأخذ أعلى درجة من الإصلاحات بتشديده على تطبيق الإصلاحات، إلا أنه، وبالنهاية، فإن هذه الإصلاحات مرهونة بمدى قبول الناس لها".
يشار إلى أن البرنامج الحالي الذي تنفذه الحكومة وهو "التسهيل الممدد" يأتي بعد أن أنهت برنامج الاستعداد الائتماني الذي عقدته مع الصندوق طيلة ثلاث سنوات مضت وانتهت من تنفيذه في آب (أغسطس) 2015، وتم خلاله تطبيق العديد من الإجراءات التي ركزت على رفع الدعم في مجال الطاقة، وخاصة إلغاء دعم المحروقات لتحل محله التحويلات النقدية المباشرة.
وقال الخبير الاقتصادي، زيان زوانة، "إن الكرة في ملعب المفاوض الأردني وإن حصول الأردن على أي مهل أو سماح يعتمد على مدى قوته في التفاوض ووضع حد لتعنت الصندوق إزاء أي قرارات والزامات من طرفه".
وأكد زوانة أن الأردنيين خلال الأيام الماضية نجحوا في ايصال رسالة للمؤسسات العالمية كافة بأنهم شعب "ليس غبيا أو يحجم عن دفع الضرائب كما روجت الحكومة لذلك أمام الصندوق".
في هذا الخصوص، أكد زوانة أن الأمر لايقف عند ضريبة الدخل وحدها بل إن المواطن الأردني فريسة منظومة ضريبية كاملة تشمل ضرائب المبيعات والرسوم العالية على السلع والخدمات.
وبموجب الاتفاق الأخير مع الصندوق، قامت الحكومة باخضاع نحو 164 سلعة لضريبة 10 %، فيما أخضعت سلعا أخرى (كانت معفاة) لضريبة 4 و5 %.
إضافة إلى ذلك، رفعت الحكومة حينها أجور النقل العام بنسبة 10 %، وزادت أسعار الخبز بنسب وصلت إلى 100 % بعد رفع الدعم عنه.
كذلك يتم رفع أسعار المحروقات والكهرباء شهريا منذ بداية العام الحالي كان آخرها مع بداية الشهر الحالي وبنسب وصلت إلى 5.5 % لأصناف المشتقات النفطية ومقدر 4 فلسات لكل كيلو واط من الكهرباء قبل أن يوقف تنفيذ القرار بإيعاز من الملك عبد الله الثاني للحكومة لإيقاف تطبيق القرار.