عدوى النجومية السورية” تصيب فناني لبنان في دراما رمضان

مع بلوغ الموسم الدرامي الرمضاني منتصفه، بدا واضحًا أن عدوى النجومية السورية انتقلت إلى لبنان عبر المسلسلات السورية اللبنانية المشتركة التي يتم فيها، بصورة غير مقصودة، تبادل الخبرة والتجربة، ولا سيما في مجال الأداء التمثيلي.

ومن بديهيات فن الدراما، سواء في المسرح أو التلفزيون أو السينما، أن الممثل، الذي يسعى لنيل الاعتراف بموهبته، يتطلع، دائمًا، إلى خوض التحدي بالوقوف أمام نجوم مكرسين، كي يثبت قدراته ومهاراته التمثيلية "المؤجلة”، وهو امتحان وفرته الأعمال المشتركة بين سوريا ولبنان.

ويلاحظ نقاد فنيون أن فناني لبنان، الذين ظلوا "وراء الكواليس” لسنوات، خاضوا ذلك التحدي بنجاح، لافتين إلى أن متابعة سريعة لبعض الأعمال الدرامية الرمضانية، التي تقاسم فيها الفنانون السوريون واللبنانيون الأدوار، أظهرت نجاح الممثليين اللبنانين في مجاراة نظرائهم السوريين، أصحاب الباع الطويل في التألق الدرامي.

وكانت فصول الحرب السورية، المستمرة منذ نحو 8 سنوات، أجبرت صنّاع الدراما على البحث عن خيارات بديلة، فكان لبنان البلد الأقرب، جغرافيًا واجتماعيًا وثقافيًا، والذي سرعان ما تحول إلى مسرح لتصوير غالبية المسسلات السورية، التي استعانت، تبعًا للظروف الإنتاجية الجديدة، بفنانين وفنيين لبنانيين.

ورغم التباين الطفيف بين اللهجتين السورية واللبنانية، إلا أن فناني البلدين أظهروا إيقاعًا متناغمًا أضفى على تلك المسلسلات المشتركة جاذبية جمعت بين عفوية اللبنانيين وأدائهم التلقائي من جهة، وبين خبرة السوريين وتقاليدهم المتراكمة خلال العقود الأخيرة، من جهة ثانية.

واللافت أن لبنان، الذي لطالما عرف بمجتمعه المنفتح رغم محاولات حزب الله "الرقابية والأيديولوجية المزعجة”، رفد الدراما السورية بالعنصر النسائي أكثر من الرجالي، وهو ما أفضى إلى خلق "ثنائيات درامية” جمعت بين سحر الفنانات اللبنانيات وجاذبيتهن المحببة، وبين مهارة الفنانين السوريين الذين تشربوا الصنعة من الممثلين المؤسسين الذي يشهد لهم أرشيف التلفزيون السوري بالريادة.

وثمة أمثلة كثيرة عن هذه "المزاوجة الدرامية المثمرة” التي لم يستفد منها اللبنانيون فحسب، بل كذلك أنقذت الدراما السورية من "مأزق التسويق”، فمن المعروف أن الأعمال الدرامية التي يتم إنتاجها وتصويرها في سوريا، باتت تواجه صعوبة في العرض على المحطات الكبرى، بسبب المواقف السياسية من النظام السوري، على عكس الأعمال السورية "المطعمة لبنانيًا”، والتي تجد طريقها إلى تلك القنوات، بسهولة.

مسلسل "طريق” هو مثال على هذا التعاون الفني اللبناني السوري، وفيه تتألق النجمة اللبنانية نادين نسيب نجيم إلى جانب الفنان السوري عابد فهد، عبر عمل رومانسي، تولت إخراجه السورية رشا شربتجي، وتدور أحداثه حول علاقة حب تجمع بين شاب وفتاة ينتميان لطبقتين مختلفتين فكريًا واجتماعيًا، وهو ما شكل اختبارًا للأداء التمثيلي لبطلي المسلسل اللذين ينجحان في تقمص دوريهما ويقدمان درسًا في "الأداء” الذي يتكامل بحضور فنانين آخرين مثل عبد الهادي الصباغ ووفاء موصللي، وختام اللحام، ونهلة عقل داوود، وجنيد زين الدين وغيرهم.

ولا يختلف مسلسل الهيبة في جزئه الثاني، والذي يحمل عنوان "الهيبة العودة”، عن سابقه في مستوى الأداء التمثلي، فرغم النجومية الطاغية للفنان السوري تيم حسن، غير أن اللبنانيين، كذلك، يثبتون مواهبهم وحضورهم العفوي ومنهم، على سبيل المثال، رفيق علي أحمد، ونيكول سابا، وأويس مخللاتي، وعبدو شاهين، مع ظهور خاص للفنانين النجمين عبد المجيد مجذوب وأحمد الزين.

وتطل الفنانة اللبنانية "ماغي بوغصن” عبر مسلسل "جوليا” لتقف أمام الفنان السوري قيس الشيخ نجيب، في دراما تتناول حكاية امرأة مصابة بتعدد الشخصيات، وحين تلجأ لطبيب نفسي من أجل معالجتها يشتبك الاثنان معًا في علاقة معقدة تشكل أحداث المسلسل. الأدوار هنا تتكامل أيضًا بين فناني سوريا ولبنان، إذ يشارك في العمل إلى جانب البطلين، تقلا شمعون، وليليا الأطرش، ووسام الصباغ، وجيسي عبدو، ومجدي مشموشي…وسواهم.

ومن بين الأعمال الرمضانية، التي تعكس نجاح "الكاستينغ” السوري اللبناني، يأتي مسلسل "تانغو” الذي يقوم ببطولته الفنان السوري باسل خياط، إلى جانب مقدمة البرامج اللبنانية دانييلا رحمة التي تخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى من خلال هذا المسلسل الذي أخرجه السوري رامي حنا. ورغم جمال البطلة التي كانت فازت بلقب ملكة جمال المغتربين، إلا أنها تندمج مع الدور المسند لها على نحو يرشحها للمزيد من أدوار البطولة في مسلسلات مقبلة، وانتزاع النجومية، سريعًا. ولا يمكن هنا إغفال اسم الفنانة اللبنانية القديرة سميرة بارودي، وكذلك باسم مغنية.

ويشيد النقاد بتجربة الإنتاج الدرامي المشترك، ليس فقط بين سوريا ولبنان، بل بين مختلف البلاد العربية، معتبرين أن مقولة "التضامن العربي”، التي رددها القوميون العرب لعقود طويلة، والتي لم تطبق يومًا، "تجسدت، أخيرًا، في الدراما”.

ويندر أن نجد في السنوات الأخيرة دراما وطنية خالصة، بل بات العمل الفني المشترك سمة تجمع العرب وخصوصًا بين مصر وبلاد الشام ومنطقة الخليج العربي”، وهو ما يعتبره النقاد تطورًا نوعيًا من شأنه الارتقاء بالمستوى الدرامي، من النواحي الفنية والتقنية والجمالية.