توفيق كريشان يخرج عن صمته ويعتبر أن : عملية التزوير قد لا تكون عملية مؤسسية فقد تكون فردية !
جراءة نيوز - عمان : هل يمكن العثورعلى سياسي أردني واحد لديه الجرأة أو المزاج أو قدرة التحكّم بلسانه بحيث يكتفي بالحديث «بعيداً عن السياسة»وفي هذا الوقت بالذات؟ نقصد في فصل «الربيع العربي « الذي أصبح فيه كل شيء سياسة، وسياسة تعوم في فائض الشك ونكهات الريبة ومحفزات رفع الصوت.
في السنوات الماضية وحتى فترة غير بعيدة ،كان الحديث «بعيداً عن السياسة «مغرياً وممتعاً للسياسيين المحترفين. فما يعرفونه ويجهله الشارع، هو أكثر بكثير مما يودّون الخوض فيه. الآن تغير الوضع واختلطت بعض الاشارات الحمراء بالصفراء بالخضراء.. حديث السياسي «بعيداً فعلاً عن السياسة» بات وكأنه تهمة بالغياب عن الصورة أو انعدام الموقف أو شبهة بجفاف الذاكرة .
ذوات سبق وتحدثوا «بعيداً عن السياسة « وكانوا ممتعين في سردهم الهادئ، اختلفت نبرة الكثيرين منهم هذه المرّة. حديثهم أضحى أكثر إثارة بالمواقف وأثرى بالتفاصيل التي وإن كان عمرها أكثر من خمسين سنة إلا أنها تأتي موصولة بالذي نراه الآن ويفاجئنا .
الحكي «هذه المرة « له ميزة أخرى. فهو يكشف أن العديد من رجالات الدولة الذين لم نكن نرى منهم سوى صفحة التجهم واليباس، هم بعد التقاعد أصحاب بديهة رائقة وتسعفهم النكتة عندما تحرجهم الأسئلة.
طوال السنوات العشرين الماضية لم يغب عن المشهد العام.! فما بين عضوية المجلس النيابي التي بدأ بها حياته السياسية (1993) وعضويته في معظم الحكومات المتعاقبة، نجح الباشا بأن يصنع نموذجاً لرجل الدولة الذي لم يكد يترك مجال تخصص في العمل العام إلا وأتقنه.
توفيق كريشان هو صاحب أطول حقيبة لوزارة البلديات التي تخلق تماساً يومياً بالهموم المعاشية التي يعرفها سكان غرب عمان. ومن خلال وزارة الدولة للشؤون البرلمانية امتلك الرجل الخلية العصبية الخفية للحياة الأثيرة. ومن هذه الخبرة في بيروقراطية الدولة مع عقلية ليبرالية عشائرية، فقد استطاع أبو عبدالله أن يشكل نموذجاً للشيخة بمفهومها العصري الذي يحاكي المقتضيات الأردنية في المرحلة التي اهتزت أو تضاءلت فيها القيم والمرجعيات والخطوط الحمر الاجتماعية التقليدية. ولذلك فان توفيق كريشان حين يتكلم الآن، والآن بالتحديد، عن الإصلاح المفترض والحراكات الاجتماعية وتداول السلطة التنفيذية والفساد وعن الإخوان المسلمين والصوت الواحد وبقية القائمة الطويلة من العناوين الحساسة، فانه يجد الكثيرين الذين ينتظرون سماعه.
• لكم يا باشا وجهة نظر معروفة في الوسط السياسي تسجلون فيها مأخذ على سرعة تغيير الحكومات عندنا وكيف انها كظاهرة مسؤولة عن كثير من السلبيات في حياتنا السياسية والعامة. كصاحب أطول حقيبة لوزارة البلديات، لديك بالتأكيد رؤية ميدانية لموضوع اللامركزية التي يقال أن أفضل طرق تنفيذها أن تبدأ من المحافظات.. أي أن تكون لكل محافظة ما يشبه الحكومة المحلية التي تغني المواطن عن المجيء لعمان وتوسيط النواب والأعيان لحل المشاكل. ما الذي يمنع تطبيق هذه النظرة؟
دعونا نتحدث في منتهى الصراحة والوضوح، هذا الذي بدأ به الدكتور عبدالسلام المجالي، وكانت هي ما يحوز على فكره بتطبيق اللامركزية في المحافظات، بحيث تكون المحافظة عبارة عن دولة مصغرة.. ولاية مصغرة، ويكون المحافظ هو المسؤول وارتباطه يكون مباشراً مع رئيس الوزراء ويكون لكل مدير دائرة عبارة عن وزير في حكومة محلية في تلك المحافظة، ويوضع لها موازنة خاصة مستقلة، ولكل دائرة من الدوائر موازنتها.
بدأنا بالتطبيق وأذكر أول سنة من عام 1997 قمنا بعمل موازنة لكل محافظة وكان لدينا 12 موازنة قدمت لمجلس النواب وتم مناقشتها بهدف التخفيف على المواطن من قدومه من محافظات بعيدة مثل معان والعقبة ليقضي معاملته مثل إصدار شهادة ميلاد أو هوية أحوال مدنية وغير ذلك من الإجراءات، فأصبحت على أساس حكومي لا مركزية ولها دورها ومهمتها وموازنتها المستقلة وتعييناتها. بدأنا في هذا الموضوع وما يتعلق بالبلديات. فأهم مؤسسة موجودة في المجتمع المحلي هي البلدية التي تعتبر مؤسسة أهلية مستقلة مالياً وإدارياً. وكان التوجه أن يكون قانون الإنتخاب للبلدية، الهيئة المنتخبة من قبل الناخبين أن تكون هيئة استشارية مستقلة، وأن يكون هناك رئيس وأعضاء للبلدية ومدير تنفيذي يتولى كافة الأمور الإدارية الموجودة من تعليمات ونقل وفصل ..الخ، كل ما يتعلق بالأمور الإدارية ليس للمجلس البلدي أية علاقة فيها، حتى نترك للرئيس والأعضاء ان يخططوا ويضعوا الاستراتيجية وما على المدير إلا أن ينفذ ما تقوم به هذه اللجنة أو الهيئة المرتقبة. ولكن للأسف، وهذا ما نشعره به ويحصل أن كل حكومة تأتي تنسخ ما قامت به الحكومات السابقة. فعندما جاءت حكومة جديدة ألغت ما قام به الدكتور عبدالسلام المجالي وعدنا إلى ما كنا عليه. وهكذا كلما تأتي حكومة جديدة تقوم بعمل استراتيجيات جديدة وعندما تصل إلى منتصف الطريق أو ثلثه يتم تغيير الحكومة وتنسخ الذي قبله.
• كما حصل في قانون الإنتخاب الحالي؟
نعم.. هذا ما حصل في القانون الحالي، كنت في حكومة الدكتور معروف البخيت، اشتغلنا على هذا القانون واتصلنا مع كافة فئات المجتمع، من أحزاب ونقابات مهنية وكافة شرائح المجتمع الأردني، وكان هناك تواصل مستمر ومن خلال لجنة الحوار برئاسة طاهر المصري، بدأنا نناقش القانون وأضفنا واشتغلنا عليه إلى أن خرجنا بقانون يرضي تقريباً 60-70 بالمائة من فئات المجتمع الأردني.. مثلاً أخذنا العقبة كدائرة لها نائبان ونائب عن كوتا المرأة، فاعتبرنا عدد نواب العقبة ثلاثة، وقلنا للناخب الحق أن يصوت لثلاثة وما ينطبق على العقبة ينطبق على بقية مناطق المملكة. مثلاً عمان لها 20 أو 25، فيما 6-7 دوائر بعض الدوائر فيها ستة وبعضها خمسة وبعضها ثلاثة وبعضها أربعة، والسلط مثلاً دائرة واحدة فيها 10 أو 12 نائباً ، والصوت الثاني صوت القائمة. وكان التوجه مثلما جاء في قرار لجنة الحوار، القائمة النسبية المفتوحة. الحكومة وصلت إلى مرحلة أن تقوم بعمل قائمة نسبية مغلقة، فلم يكن هناك توافق عليها وتوجهنا نحو المفتوحة. استقالت الحكومة وجاءت حكومة الدكتور عون الخصاونة بقانون ليس له أساس ولم نسمع عنه وهو ما يسمى بالنائب التعويضي، فخرجنا من النائب الوهمي إلى النائب التعويضي. في السابق كنا دوائر وهمية والآن جئنا إلى دوائر تعويضية، لكن التعويضية ممكن أن تسير في بلد مثل ألمانيا فيها أحزاب، أما عندنا فكل الذين ينجحون من خلال الأحزاب الوطنية الموجودة ينجحون من خلال قواعدهم وعشائرهم، باستثناء جبهة العمل الإسلامي، كحزب منظم ومرتب حسب الأصول، وله أناسه ونوابه، ونتمنى عليه أن يكون له دور كبير جداً في المشاركة في الإنتخابات القادمة..
الآن جاءوا لنا بقانون جديد، صوت للمواطن يكون صوت للدائرة والصوت الثاني يكون على مستوى الوطن، وهذا الأمر غير صحيح وغير سليم ويجب ان يكون هناك توافق كامل على قانون الإنتخاب، لأنه من أهم قوانين الإصلاح التي بدأنا فيها في عمليات التعديلات الدستورية. وبرأيي أن العيب ليس بالقانون، لا بالصوت الواحد ولا بالقائمة النسبية ولا بقائمة ال89 كما كانت، العيب يكمن في تطبيق القانون.. والعيب أن يكون هناك تدخل في الإنتخابات ينتقص من حريتها ونزاهتها.
• كيف يتم التزوير؟
التزوير يحصل عندما يتم التدخل في الانتخابات. لا يأتي من الحكومة فقط، المرشحون أنفسهم يحاولون اللعب في نتائج الانتخابات، ويستغلون المال السياسي وهذا تزوير. عملية التزوير قد لا تكون عملية مؤسسية فقد تكون فردية.
• نسف كل ما يقوم به الرئيس أو الحكومة أو الوزير ليس جديداً.
يجب أن لا يكون هناك مركزية في اتخاذ القرار، فالوزير منصبه سياسي ويجب أن لا يتدخل في الأمور الفنية أو الإدارية، التي هي من واجب الأمين العام.
• يعني الفساد الإداري أشد من الفساد المالي؟
الفساد الإداري هو الأساس. عندما تصلح الإدارة ينضبط المال. الوزير يضع السياسة العامة لوزارته ويراقب تنفيذها. دوره سياسي. مجلس الوزراء هو الذي يضع السياسة العامة للدولة، وهو المسؤول عن أعماله، ويجب على الأمناء العامين للوزارات تنفيذ هذه السياسة العامة التي توضع، أما عندما تحدث تدخلات ويصبح هناك فساد إداري وفساد مالي، والنتيجة نصبح نطالب بمحاربة الفساد واجتثاثه.
• بالمناسبة الحديث عن الإنتخابات النيابية وبتفصيل أكثر.. كم من الوقت سيستغرقنا حتى نصل إلى مرحلة التناوب الحزبي للحكومات؟ وبتفصيل أكثر هل يستهويك موضوع القائمة النسبية لتشكيل حزب أو ائتلاف في الإنتخابات القادمة؟
الأحزاب لغاية الآن لم تتجذر في الأردن، مع احترامي وتقديري لقانون الأحزاب. وكما قلت سابقاً العيب ليس في القوانين، لكن هناك مادة في قانون الأحزاب، فعندما يكون لدي حوالي 20 أو 25 حزباً، حزب عدده 250 وآخر عدده ألفان، وحزب به ثلاثة آلاف، لكن الحزب الذي لديه 250 شخصاً هل نسميه حزباً؟! ثانياً كحكومة تأتي لدعم هذه الأحزاب، كيف أعطي حزبا لديه 500 شخص مبلغ 50 ألف دينار في السنة وحزب لديه من 4-5 آلاف نعطيه 50 ألفا.. كيف يصح هذا؟! ثالثاً الثقافة الحزبية لدينا لم تصل لغاية الآن إلى مرحلة الوعي الحزبي. الأحزاب الموجودة لدينا هي أحزاب شخصانية، والسبب لأنه غير عقائدي. لكن حزب الإخوان المسلمين حزب عقائدي ومنظم، حزب جبهة تم تشكيله من 50-60 سنة وهو قائم ، نظم نفسه وله اقتصاده ونشاطاته ووعيه ومصداقيته ودوره في المجتمع. أثبت نفسه ومصداقيته، بينما الأحزاب الأخرى ما زالت حديثة العهد، وتحتاج حسب اعتقادي إلى عشرين سنة لتتجذر. كمايجب أن تكون الأحزاب جميعها أردنية مائة بالمائة، ويكون ولاؤها وانتماؤها للوطن الأردني وليس لشخص معين.
في الحلقة القادمة توفيق كريشان: «من المسؤول عن تراجع دور شيخ العشيرة؟»
استراحة
• البداية:
ولدت في مدينة معان 1947 ودرست في مدارسها حتى عام 1967 ثم غادرت إلى القاهرة وحصلت على التوجيهي المصري، وبعدها التحقت في جامعة بيروت العربية وتخرجت عام 1973 في الاقتصاد والعلوم السياسية ثم اشتغلت في مصفاة البترول لغاية عام 1989 حيث ترشحت للإنتخابات النيابية ولم يحالفني الحظ، وفي انتخابات 1993ترشحت مرة ثانية عن محافظة معان، عندما كانت معان والعقبة ووادي موسى والشوبك محافظة واحدة وأيامها صدر قانون الصوت الواحد. وبعدها أصبحت نائباً ثم وزيراً للشؤون البلدية والبيئة، في حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي، وكان مبدأ الدكتور عبدالسلام أنه لا يريد أن يدخل نواباً في حكومته، فضغط النواب بضرورة إشراكهم في الحكومة، وكنا وقتها عشرة نواب، منهم عبدالرؤوف الروابدة وعارف البطاينة وصالح ارشيدات وعبدالباقي جمو، وقد حملت في حكومته حقيبة وزارة الشؤون البلدية والقروية والبيئة واستمررت حتى عام 1996 حيث تشكلت حكومة أخرى، ثم عاد المجالي وشكل حكومته في عام 1997 فحملت حقيبة البلديات أيضاً واستمررت مع مجيء حكومة فايز الطراونة وبعدها مع حكومة الروابدة حيث استلمت حقيبتي الشؤون القرويه والبلديه والبيئة والحقيبة البرلمانيه.