حدث في مكة.. مدرسة تقيم حفل زفاف لطالبة يتيمة
لم يخطر ببال الفتاة البرماوية عبير عثمان أن فرحتها بزواجها سوف تكتمل في يوم من الأيام وأن تزف كباقي مثيلاتها في العمر، بعدما توفي والدها وتركها كسيرة يتيمة برفقة والدتها الأرملة التي لم ترزق بغيرها ليعانيا سويًّا هم الفقر والعوز، حتى تغير ذلك كله في لحظة إنسانية مؤثرة حينما فاجأتها إدارة مدرستها الثانوية بإقامة حفل زفافها في المدرسة بحضور أمها ومشاركة زميلاتها ومعلماتها. عبير الطالبة في المستوى السادس في ثانوية خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، تقطن في أحد الأحياء الشعبية مع مجتمعها الجالية البرماوية التي استوطنت مكة المكرمة منذ تهجيرهم من بلادهم قبل عقود من الزمن على أيدي البوذيين المتطرفين. سقطت دمعة عبير الأولى وهي تضع رجلها اليمنى على المنصة التي أقيمت لها في باحة المدرسة، مرتدية ثوب العروس، ثم تتالت دموع الفرح التي كانت أفضل ما يترجم مشاعرها وأحاسيسها بعد أن توقفت الكلمات في فمها.
تقول قائدة المدرسة أمل محروس: إن فكرة الاحتفال بالطالبة أتت بعد أن اطلعت إدارة المدرسة على حالتها الإنسانية والاجتماعية وأرادت أن تضع بصمتها في حياة الطالبة الفقيرة، ولاسيما أنها في المستوى الأخير من الدراسة وباتت على مقربة من وداع المدرسة. وروت وكيلة المدرسة المعلمة منال عاشور قصة فكرة الزفاف؛ فقالت: "توفي والدها خلال الفصل الدراسي الأول، وتم عقد قرانها بعد وفاة والدها بفترة وجيزة وهي وحيدة والدتها وليس لديها عائل؛ ففكرنا في استغلال زمن ساعة النشاط اليومية على مدى الأسبوع فعملت فيها الطالبات في تجهيز كل ما يخص العروس من ملابس وعطور وإكسسوارات وغيرها من المستلزمات”. وأضافت: "كل ذلك كانت هدايا من الطالبات وأمهاتهن ممن رحبن بالفكرة وشددن على يد بناتهن للمشاركة في هذا العمل التطوعي”. لم تكن عبير على علم بكل ما يرتب لها من خلفها حتى جاء اليوم الموعود؛ فدعت إدارة المدرسة والدتها بحجة تكريم ابنتها لمشاركتها في الأنشطة المدرسية، وهناك تمت المفاجأة. فالطالبات جهزن زفة للطالبة مع والدتها وزميلاتها المقربات وأعددن مع المعلمات منصة العروس بحسب صحيفة سبق.
تقول عبير إنها فقدت قدرتها على الكلام لتعبر عن شكرها وامتنانها فصمتت تاركة لدموعها المجال للحديث والتعبير، ثم ساد الصمت على جميع الطالبات والمعلمات ووالدتها، التي بدأت تكرر كلمات الشكر طوال الوقت. وأضافت عبير: "لا أدري كيف أردُّ هذا الجميل الذي صنعوه لي؟ أنا عاجزة عن مكافأتهم ولو شكرتهم طيلة حياتي ما أوفيت لهم حقهم، سأظل محتفظة بهذه الذكرى الجميلة وسأحكيها لكل من أقابله”. وأردفت: "هذا في الحقيقة يعكس طبيعة المجتمع السعودي النبيل والكريم وحكومتها التي ما فتئت في خدمة الإسلام والمسلمين، وقد استضافتنا هنا في أرضها منذ عشرات السنين، وقدمت لنا التعليم المجاني، واليوم زادوا علي من فضلهم بهذا العمل الذي ينم عن كرم العرب وشهامتهم”. وأثنت المعلمة منال عاشور على جهود الطالبات والمعلمات، وقالت: "أود أن أشكر كل من ساهم وبذل في هذا العمل، وأخص بالشكر المعلمة صفاء خياط التي نفذت هذه الفكرة، ورائدة النشاط المبدعة المعلمة أميرة جمدار، والمنسقة العامة للعمل التطوعي بالإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة الدكتورة سميرة بناني، ومساعدة إدارة التميز الأستاذة حياة البدري؛ اللواتي حضرن المناسبة”. وأضافت: "كما أشكر السيدة صالحة قرنفلة والدة الطالبتين "لجين بكار، وأختها جمانة” التي شاركتنا الفرحة وساهمت في تنسيق ساحة المدرسة احتفالًا بعروس المدرسة كهدية وشراكة مجتمعية منها”.