حصاد تبسيط المنشأ أقرب إلى الصفر

قبل مايزيد عن عام ونصف العام، لا يمكن وصف نشوة الحكومة، عند إعلانها بدء تطبيق اتفاق تبسيط قواعد المنشأ.
واحتفاء بتلك المناسبة عقد رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي ووزير التخطيط والتعاون الدولي عماد فاخوري ووزير الدولة لشؤون الإعلام الدكتور محمد المومني، مؤتمرا صحفيا مشتركا مع سفير الاتحاد الأوروبي اندريا فونتانا بحضور سفراء دول الاتحاد الأوروبي، فيما لم يحضر وزير الصناعة والتجارة والتموين حينها المؤتمر.
كانت تلك لحظة لا توصف، يتبعها خير عميم، سينعكس على تعزيز الصناعات الوطنية بمنحها إمكانية التطور ورفع سوية المواصفات والمقاييس للمنتجات المصدرة لدول الاتحاد الأوروبي.
واعتبرت الحكومة، في حينها، أن "ما تم التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي بخصوص تبسيط قواعد المنشأ يعد خطوة في غاية الأهمية”، وأخذت تعدد مزايا وخصائص الاتفاق الاستثنائي.
أما اليوم، وبعد مرور أكثر من عام ونصف العام على دخول اتفاق تبسيط قواعد المنشأ الأوروبية حيز التنفيذ، فإن الخيبة لا توصف، سيما أن حجم الإنجاز والاستفادة الأردنية من هذا الاتفاق اقرب إلى الصفر.
فهل كان اتفاق تبسيط قواعد المنشأ قفزة حكومية في الهواء، ولماذا فشلت أغلب الشركات الوطنية في التطبيق، لماذا نطالب الآن بإعادة التفاوض حول بنود الاتفاقية وتحسين الشروط، أين الدراسات السابقة على هذه "الخيبة الحكومية”.
وبحسب الأرقام الرسمية  ، لم يتجاوز عدد الشركات التي استطاعت التصدير عبر هذا الاتفاق 3 شركات منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ خلال شهر تموز (يوليو) من العام 2016.
وتبلغ قيمة تصدير الشركات الثلاث حسب البيانات الرسمية 1.947 مليون يورو، في حين أن عدد الشركات التي حصلت على تفويض واستكملت شروط التصدير 8 شركات، لكنها لم تصدر بعد.
صادرات هذه الشركات كانت إلى إسبانيا وقبرص وفرنسا وبلجيكا وهنغاريا وتركزت في قطاعات الألبسة والبلاستيك.
التبريرات الحكومية حول تواضع الإنجاز، وفق مصدر مطلع، يعود إلى أن السوق الأوروبية ما يزال جديدا أمام المصدر الأردني، فيما المصانع الأردنية تسعى إلى إيجاد مستوردين لمنتجاتهم.
وبرر القطاع الخاص تواضع الشركات التي استطاعات التصدير إلى عدم قدرة المنتجات الوطنية على المنافسة داخل هذه الأسواق، نظرا لارتفاع الكلف، إضافة إلى غياب الخطط الترويجية والتسويق للمنتجات الأردنية وتحديد احتياجات هذه الأسواق.
وبلغت قيمة الصادرات الوطنية إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي 124.5 مليون دينار، فيما بلغت قيمة مستوردات المملكة من دول الاتحاد الأوروبي 3.1 مليار دينار.
ووقع الأردن والأوروبيون اتفاقية "تبسيط قواعد المنشأ”، ودخلت حيز التنفيذ في تموز (يوليو) 2016 وتستمر حتى العام 2026، بهدف السماح لمنتجات المصانع الأردنية بالدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تفرض شروطا قاسية على البضائع الأجنبية المنتجة خارج دول الاتحاد.
واشترطت الاتفاقية على المصانع الراغبة بالاستفادة منها توظيف 15 %، لأول عامين، من العمالة السورية من مجمل العمالة على خطوط الانتاج المخصصة للتصدير إلى أوروبا، على أن ترتفع إلى 25 % كحد أقصى بعد العامين الأولين، وأن تشكل العمالة الأردنية 75 %.
وشمل الاتفاق 18 منطقة ومدينة تنموية وصناعية في أنحاء المملكة كافة، تستطيع أن تصدر حوالي 3 آلاف سلعة للسوق الأوروبية، باستثناء الزراعية والصناعات الغذائية.
وتضمن الطلب الأردني من الاتحاد الأوروبي الذي لم يتم الرد عليه بعد ثلاثة محاور رئيسية؛ أولها توسيع نطاق المناطق المشمولة بالاتفاق، والثاني إعادة النظر بشرط الأيدي العاملة السورية، والثالث زيادة مدة اتفاق تبسيط قواعد المنشأ.
وأكد رئيس غرفة صناعة عمان، العين زياد الحمصي، أن استفادة المصانع الأردنية من اتفاق تبسيط قواعد المنشأ الأوروبية ما زالت محدودة رغم مرور أكثر من سنة ونصف على هذا الاتفاق، مشيرا الى أن أهم عوائق الاستفادة من هذه الاتفاقية هي عدم شموله لجميع القطاعات الصناعية الفرعية وأهمها الصناعات الغذائية الأردنية، التي تعتبر من الصناعات الرئيسية التي يتم تصديرها، اضافة الى اشتراط تشغيل المصنع المصدر 15 % كحد أدنى من العمالة السورية للسنة الأولى والثانية من تاريخ دخول الاتفاق حيز النفاذ، ومن ثم تزيد النسبة لتصل الى مالا يقل عن 25 % مع بداية العام الثالث، وهو أمر من الصعب تحقيقه بسبب عدم إقبال اللاجئين السوريين على استصدار تصاريح عمل بسبب خشيتهم من فقدان المزايا التي يحصلون عليها كلاجئين.
وتشير الأرقام الصادرة من وزارة العمل إلى أن عدد اللاجئين السوريين الذين حصلوا على تصاريح عمل لا يكاد يتجاوز 69 ألف عامل ما يشكل 35 % من العمالة المطلوبة، يتوزعون بشكل رئيسي على القطاعات الزراعية والانشائية والتجارية.
وبين الحمصي أنه رغم أن هذا الاتفاق يوفر فرصا قيمة لزيادة الصادرات الأردنية الى الاسواق الأوروبية من حيث ازالة المعيقات المتعلقة بقواعد المنشأ لعدد كبير من المنتجات الصناعية، الا أن الشروط التي شملها هذا الاتفاق، جاءت في ظل غياب قنوات ربط كافية بين المصنعين والمستوردين من جهة وبين دراسة حاجات السوق الأوروبية وكيفية مواءمة المنتج الأردني للمواصفات الأوروبية، الأمر الذي أضعف استجابة القطاع الصناعي للقرار وأظهر حاجته للمزيد من الوقت والبرامج للتكيف مع ما يجب أن يكون المنتج ليستفيد من الاتفاقية.
وقال رئيس جميعة المصدرين الاردنيين، المهندس عمر ابو وشاح، إن برنامج تبسيط قواعد المنشأ الأوروبية لن ينجح في تحقيق الاستفادة للشركات الأردنية وزيادة التصدير إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وأرجع أبو وشاح عدم نجاح البرنامج إلى أمرين؛ الأول نظرة المستهلك والمستورد الاوروبي لمنتجات دول الشرق الأوسط؛ حيث أن تقبل هذه المنتجات غير مشجع لهم، في حين أن الأمر الثاني يتعلق بوجود صعوبات وشروط معقدة في بنود الاتفاق خصوصا فيما يتعلق بتحقيق شرط توظيف العاملة السورية.
في ظل بقاء حوالي 7 سنوات على مدة الاتفاق، أكد أبو وشاح ضرورة إعادة النظر بهذا الاتفاق تتعلق بالسماح بدخول المنتجات الأردنية إلى دول الاتحاد الأوروبي اذا كانت تحقق شروط الصناعة الأردنية، وهي 40 % منتج محلي، إضافة إلى اعادة النظر بشرط العمالة.
وبين أن النجاح في أي سوق يتطلب خطوات استباقية تبدأ بدراسة احتياجات السوق من المنتجات الأردنية وتحديد ماذا يحتاج، إضافة إلى حملات ترويج للتعريف بالمنتج الأردني وبتادل الزيارات المكثفة بين مجتمع الأعمال في دول الاتحاد الأوروبي والأردن.
وقال رئيس جميعة الشركات الصناعية الصغير والمتوسطة، المهندس فتحي الجغبير، إن تواضع الإنجاز من هذا الاتفاق يعود إلى صعوبة تحقيق شروط الاتفاق، خصوصا فيما يتعلق بالعمالة السورية، إضافة إلى عدم مقدرة الشركات على التصدير بشكل فردي إلى هذه الأسواق لارتفاع الكلف خصوصا النقل والترويج والتي تنعكس سلبا عدم المقدرة على المنافسة، خصوصا وأن حوالي 90 % من الشركات الأردنية صغيرة ومتوسطة.
وقال إن الاستفادة من تبسيط قواعد المنشأ يتطلب النظر بشكل جديد وعاجل باتفاق تبسيط قواعد المنشأ مع الاتحاد الأوروبي في ظل تواضع الانجاز ومنح مزيد من التسهيلات من خلال زيادة عدد المنتجات المستفيدة من القرار.
وأكد الجغبير ضرورة توسعة نطاق المناطق المشمولة بالاتفاق، إضافة إلى تخفيض نسبة العمالة السورية المشروطة بالاتفاق حتى تتمكن الشركات الأردنية من الاستفادة لتصدر إلى هذه الدول.
ودعا إلى ضرورة إنشاء بيوت تصدير للاستفادة من القاعدة الانتاجية الواسعة التي يمتلكها الأردن من خلال تقليل الكلف وايجاد مستوردين للمنتجات الأردنية.
وبحسب دراستين منفصلتين لمنظمة العمل الدولية وبرنامج التنافسية الأردني، يواجه تعزيز الاستفادة من الاتفاق العديد من التحديات، خصوصا فيما يتعلق بتحقيق شرط العمالة السورية؛ حيث إن مستوى أحجام العمالة السورية للعمل في القطاع الصناعي يشكل العائق الأكبر، إضافة إلى عدد المصانع العاملة في المناطق الـ18 المحددة بالاتفاق في القطاعات المعنية والتي يبلغ عددها 936 مصنعا، في حين بلغ عدد المصانع التي لديها القابلية المباشرة للتصدير 70 مصنعا فقط.