القمة الأردنية الروسية .. نتاج ذكاء النظام ودرء المؤامرات
دعونا بداية أن نقف برهة على هامش التذكر ؛ حدثت في النصف الثاني من العام الماضي رهانات بأحجار عربية وأخرى غربية على زعزعة قوة النظام الأردني وفاعليته وحيوية نشاطاته في الدور الهام الذي يلعبه في المنطقة بالتعاطي مع الجانب الإقليمي والجانب الدولي ..
ولأن الولايات المتحدة ذات سياسة المصلحة فوق كل اعتبار ، فعلى حلفائها وأصدقائها قبل أعدائها التنبه من ذلك ، فكانت قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول نقل السفارة الأمريكية والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني فتيلا للخلاف ، فقد لوح ترامب بمعاداة كل من يصوت ضد قراره وتوالت التلميحات بتقريب للصورة أكثر حين هدد بقطع المساعدات ..
وعندها واجه الأردن جمودا ، ودخلت العلاقة في دهاليز الصمت السياسي والدبلوماسي ، وتأخرت الاتفاقية المتعلقة بالمساعدات والتي تكون على مدار خمسة أعوام ، وبالتزامن مع ذلك الصمت ، لم يكن الأردن قد أبدى تقهقرا في موقفه في سياق المقايضة على الدعم والمساعدات ، ولم يتردد في مواصلة تفاهماته وتعاوناته مع المجتمع الدولي دون خوف أو تواكل ..
ولأن هنالك معايير هامة تسلط الضوء على فكرة التركيز على تحديد الموقف تجاه الأردن من قبل الولايات المتحدة ، أولا قوة النظام الأردني وفاعليته في المنطقة ، وثانيا العامل الجيوسياسي للأردن ، والذي يملي على الولايات المتحدة إعادة النظر مرارا وتكرارا خوفا على مصالحها في المنطقة وخصوصا مع اسرائيل..
هذان العاملان لعبا دورا هاما في تسيير الإتفاقية الجديدة المختصة بالمساعدات الأمريكية ، والتي أبرمت الأسبوع الماضي ، بالإضافة إلى أن الدور الهام للأردن لعب بطريقة احترافية - من منظور سياسي - من أن يخضع أو يركع لتهديدات صراحة كانت أو تلميحا ، وحتى في إطار التخاذل العربي نحو الملف السوري الذي يحمل فيها الأردن مسؤولية كبرى بشقيها الدبلوماسي ؛ عبر المساعي الحميدة لوقف الصراع وجعل المناطق الجنوبية في سوريا أكثر أمنا لإيجاد حل لآلاف المواطنين السوريين القابعين تحت ركام الحرب ، وبالشق الانساني ؛ عبر تحمل الدولة الأردنية لمسؤولية عدد ضخم من اللاجئين الذين كان قد استقبلتهم على أراضيها ..
وفي صدد الدور الأردني تجاه الأزمة السورية فقد شهدت موسكو قمة أردنية روسية حديثا ، للبحث في سبل التعاون المختلفة ولتمتين العلاقة بين البلدين ، وهنا نعود في مثل هذا المشهد المعبر عن الأقطاب والتعاونات إلى إبان النظام الدولي ثنائي القطبية والذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية ليستمر إلى نهاية الحرب الباردة ، حيث كانت الدول التي تواجه مشاكلا مع المعسكر الرأسمالي والذي كان برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ، فإنها لن تبقى بمعزل عن العالم والمساعدات وأطر التعاون المشتركة التي تضمن لها دفع خططها في التنمية بل ولن تصبح خالية الوفاض ، حيث ستجد المعسكر الاشتراكي بانتظارها فاتحا ذراعيه لمد يد التعاون باتفاقيات غابت عن بطش الولايات المتحدة الأمريكية وتزمتها ، ولأن الحاضر امتداد الماضي فاتفاقية المساعدات جاءت كخطوة تضمن " خط الرجعة " لما صرح به ترامب واستباقا للقمة الأردنية الروسية ، فروسيا اليوم هي وريثة الاتحاد السوفييتي الذي كان بالأمس ، ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تبقي حلفائها على اتصال وتواصل ..
وبذلك فإن الولايات المتحدة تعي وتدرك أن الأردن كنظام يختلف جملة وتفصيلا بحيويته الدولية عن أي نظام آخر وذلك بفضل صانع سياسته الخارجية جلالة الملك عبد الله الثاني ، فجولات الملك المتعددة والمستمرة وقنواته الدولية المفتوحة تخلق البدائل دوما بلا خوف ولا اضطراب ..
وعليه فإن الدب الروسي لن يتخلى عن حليفه في المنطقة - أي بشار الأسد - وسيقوم بكل ما يمكن القيام به في سبيل توفير الدعم اللازم لهذا النظام ، وفي فهم الواقع السياسي فإن حماية النظام تبدأ من حماية البيئة المحيطة به ، فإن كانت الولايات المتحدة تخشى على أمن اسرائيل في المنطقة ، فإن روسيا تخشى هي الأخرى على أمن سوريا ، في الحالتين فإن الأردن جار الدولتين (دولة سوريا الشقيقة ، والكيان الصهيوني ) ، وهي الهمسة السامة التي ما زالت تجوب في أدمغة المتآمرين على هذا البلد ..
وحفظ الله أردننا ، وقائدنا الفذ من كل سوء