مابعد حديث الملك للشباب
يوم الثلاثاء تحدث سيد البلاد حديثا وافيا وشاملا وعميقا تناول الرؤى والتوجهات والتطلعات التي تدفع بعجلة الوطن للمستقبل لتوصله الى استقرار وازدهار منشودين، وقد بيَن قائد الوطن كعادته العراقيل والعصي التي يضعها من اقسموا على الولاء والانتماء لله والوطن والمليك في دولاب المسيرة، فكان نواب الأمة والمسؤولون الحكوميون ومن يتحملون المسؤولية في كل مواقع الوطن من يخذلون الوطن وقائده في تنفيذ الرؤى والسياسات والتوجهات الملكية الوطنية، حيث ان براغماتيَاهم انحازت لهم دون الوطن، فكان تعطيل المسيرة وفشل ادارة سياسة الدولة ومانتج عنه من كوارث اقتصادية ناء الوطن بها وقصمت ظهره وظهر مواطنه، ووضعت الوطن في عنق الزجاجة حيث الخروج منها او الدخول فيها كلاهما مر وعسير.
لم يكن حديث الملك الا ماكنا نلمسه ونعيشه واقعا، فقد اعاق حركة بناء الوطن وتنميته وخذلان قائدنا سوء اختيار ممثلي الأمة أولا، فجاءت مجالس نيابية هزيلة في مضمونها وفكرها وايدولوجياتها، حيث انتقلت العشيرة او القبيلة من القرية او مكان سكناها الى قبة الشعب، فكانت تمثيلا زائفا وغير موفق، وهو ما درج عليه الأردنيون من أرث غير سليم، فتشوه التمثيل، وساءت مخرجات هؤلاء النواب، وتجرع الوطن برلمانا بعد آخر ويلات هذا التمثيل الذي أخَر الوطن كثيرا في وقت هو بأمس الحاجة لخطوة للأمام.
ولم يكن الملك اكثر وضوحا من تبيان هزالة تركيب مايسمى بالكتل البرلمانية، فكيف تكون كتلة من اقصى اليمين لأقصى اليسار، وهذا مايفسر تجمع هؤلاء النواب تجمعا مصلحيا لهم او لغيرهم، فلا فكر، او رؤية، او توجه يرقى لما جاءوا لقبة البرلمان من أجله، كما وأن الزحام ايضا أعاق الحركة كثيرا، لابل كثرت اخطاؤها، فعدد النوائب تضخم كثيرا، ولسنا بحاجة الا ان نقلل من هؤلاء النوائب ليقل ضررهم وتعطيلهم للحركة والتنمية، ولسنا نعمم هنا، حيث ان الشرفاء ونواب الوطن الحقيقيون غاب صوتهم في ظل هذا الزحام، فالنائب نائب للوطن وليس لمكان او جهة او فئة او طائفة او دين.
وعلى صعيد الحساب والمحاسبة فقد آن اوان ان يضع المواطنون حدا لعبث بعض النواب وتملصهم من اداء واجبهم الوطني وليس أقل من ذلك، فمن حمل صوتك مسؤول أمامك عن صدق تمثيله، وايصال نبضك وصوتك بكل أمانة واقتدار، وهي تكليف وليس تشريف، فمقدار الشرف والجاه والسؤدد هو بمقدار مايقدمه النائب لوطنه وأمته، وليس مايسعى له من مصالح ضيقة لاتخرج عن دائرة نفسه واسرته وأهله ومعارفه المقربون.
ان السير للأمام بالوطن يحتاج اليوم وليس غدا ان يمارس المواطنون الاعزاء مسؤولياتهم تجاه وطنهم، وذلك بالضغط الذي اشار اليه سيد البلاد على بعض نوائبهم بالعمل الجاد البعيد عن البهرحة الاعلامية والجعجعة التي لاتعطي ذرة دقيق، ولعل ماعناه قائد الوطن هو أشبه مايكون بالمحاكمة الشعبية لكل من يخل بواجبه تجاه وطنه من مسؤولين و نواب، لانهم شقَي التشريع والرقابة والتنفيذ، ولعل في الوطن مايحيا الجميع لأجله، فالشباب هم رجال الوطن ومستقبله ومن يرسمون له دروب التقدم والتطور والابداع، وهم أمل الوطن وقائده، بعدما غسل الوطن وسيده من طغمة جثت على صدر الوطن طويلا، فكانت ثقلا على الراحة وجربة البطن واليد لكل ماهو أمامها من مقدرات الوطن ومواطنيه.
شرفاء الوطن اكثر من اي فئة اخرى فيه من كل فئاته واجناسه واطيافه، معقود عليهم الأمل والرجاء في الوقوف صفا في وجه من خذلوا الوطن والملك، وان يتحملوا واجبهم بكل مايلزم لمثل هذا الوقوف لاعادة دفة السفينة الى مجراها الطبيعي، فالتحديات امام الوطن كبيرة، فالداخلية ناء لها كل جزء وفرد في الوطن، والخارجية تتهدد وتقايض الأردن على مواقفه العربية والاقليمية مرة بعد مرة، للتنازل او تغيير المواقف، ولايمان هؤلاء بصلابة الموقف الاردني فاننا احوج مانكون لمثل هذا التوحَد والضغط والوقوف بوجه المعطلين، حتى نحمي كل مامن شأنه اختراق جبهتنا الداخلية طمعا في الرجوع عن مبدأية مواقفنا تجاه قضايا امتنا المصيرية، وجوهرها القضية الفلسطينية.
لسنا الا عشيرة واحده وقبيلة كبرى من مختلف المنابت والاصول والاعراق والاديان، فقادم ايامنا يحتاج هذه النظرة الشاملة الكبرى التي تتجاوز حدود الجغرافيا، او العشيرة، او القبيلة، وليغضب من يعضب، فالوطن اكبر من اي تجمع او تحلَق، ومصلحته العليا فوق كل اعتبار، فملك بحجم الوطن يستحق ان يكون مواطنيه بحجم تطلعات وتوجهات قائده ،حمى الله وطننا وقيادتنا، ودرء عنه شرور الحاقدين وتربص المتربصين.
العميد المتقاعد/د.محمد سند العكايله