إصلاح السقف بينما تشرق الشمس على الاقتصاد العالمي

يتمتع الاقتصاد العالمي الآن بانتعاش متزامن؛ لكنه ربما يثب غير مستدام في حال لم ترتفع أعداد الاستثمارات خاصة في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع.
وتهدد جبال الديون أيضاً إمكانية استدامة الانتعاش، كما أوضحت منظمة التعاون والتنمية -مجموعة الدول الثرية التي تتخذ من باريس مقراً لها- في آخر تقاريرها للتوقعات المستقبلية.
ويمثل هذا التقرير الأغنية المعشوقة لكاثرين مان، التي كانت اقتصادية رفيعة بارزة لدى المنظمة، وهو يقترح أن الإغاثة مشروعة، لكن الرضا عن النفس أمر غير محبب نهائياً.
وتتوقع منظمة التعاون والتنمية نمواً عالمياً من 3.6 % لهذا العام، وذلك من %3.1 في العام الماضي. ومن المتوقع للنمو أن يصل إلى 3.7 % في العام المقبل؛ أي ما يقارب متوسط الفترة الممتدة من العام 1990 إلى 2007.
وتعد بريطانيا العضو الوحيد في المنظمة الذي ليست التوقعات تقول إنه سيحقق نمواً أعلى مما حققه في العام 2016. وتحدد الصين والهند الآن هذه الوتيرة العالمية أيضاً.
وترصد منظمة التعاون والتنمية 45 اقتصاداً تولد مجتمعة 80 % من الناتج العالمي.
ولا يتوقع لأي من هذه الدول أن تنكمش في الأعوام الحالي والمقبل وما بعده، ومع ذلك، فعبر مجموعة السبع، ما تزال معدلات الاستثمارات الصافية دون ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية العالمية.
ومن المتوقع لنمو الإنتاجية العمالية أن يتحسن بطريقة ما، لكنه سيبقى أدنى بشكل جيد مما كان عليه خلال الفترة الممتدة بين العامين 1995 و2007 وفوق كل ذلك، تواصل المديونية المرتفعة تهديدها للانتعاش.
وفي الدول مرتفعة الدخل، فإن نسبة ديون الشركات إلى الناتج المحلي الإجمالي استقرت منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في بعض الدول، لكنها تستمر في الارتفاع في أخرى (مثل فرنسا).
وعلى المدى الطويل، ارتفعت ديون الشركات أسرع من رصيد الإنتاج الرأسمالي في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
وقد تم التعاقد بشأن بعض هذه الديون من أجل إعادة شراء بعض الأسهم وبالتالي رفع أسعارها.
وتعد مثل هذه الهندسة الاقتصادية نتيجة للمزايا الضريبية للدين والرابط العصري بين الأجور التنفيذية وأسعار الأسهم.
وتبقى ديون الأسر مرتفعة في العديد من الدول مرتفعة الدخل، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا.
وليست الاقتصادات الناشئة على الأقل تعاني مستويات مرتفعة من ديون الأسر. لكن العديد منها راكمت ديون شركات كبيرة، والعديد منها بالعملات الأجنبية.
وأصبحت نسبة ديون الشركات إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين أعلى منها في جميع الاقتصادات مرتفعة الدخل تقريباً. وبما لا يبعث على المفاجأة، تراجعت تقديرات أصول الشركات في كل من الدول مرتفعة الدخل والناشئة على حد سواء.
إذن، ما هي المخاطر المرتبطة باستمرار ارتفاع الديون في العديد من الدول؟ تكمن إحداها في أن رأس المال سجين لدى شركات الشبح أو كما تسمى أيضاً بـ"الموتى المشاة أو الزومبي". وفوق كل شيء، إلى ما هو أبعد من نقطة معينة، يميل تحقيق المزيد من الائتمان إلى خفض النمو وزيادة فجوة عدم المساواة والخطر الأكثر إلحاحاً هو أن أسعار الفائدة الأعلى ربما تزيد صعوبة السيطرة على الديون الحالية.
ومن شأن ذلك أن يولد موجة ثانية من الأزمات ولن تكون هذه الأزمات جديدة بقدر ما هي تعود إلى الاضرابات التي ضربت اقتصادات أميركا وأوروبا في الفترة ما بين 2007 و2012.
ويكمن أحد أسباب عدم الاعتقاد بأن هذا سيحدث هو التحول من الإقراض المصرفي إلى سندات الشركات؛ فقد أصبحت قدرة مؤسسات الإقراض الضخمة، مثل البنوك، على تحمل الخسائر محدودة.
وينبغي لتخفيف أهمية مثل هذه المؤسسات أن يجعل من الاقتصادات ذات الاستدانة العالية أكثر مرونة.
ومع ذلك، فإن مدى تعرض هذه المؤسسات للأخطار ما يزال كبيراً، وليس أقلها التعرض إلى الأرصدة السكنية المغالى بتقديرها.
ويفرز الاعتماد الكبير على السندات في الحقيقة مخاطره الخاصة؛ فاقتصادات السوق الناشئة عرضة في كل وقت لمخاطر العملات الأجنبية.
وعلاوة على ذلك، فإذا ما تعثرت مجموعة جيدة من الشركات إلى درجة الإفلاس، لا شك أن المصارف التي تقرضها ستتأثر. وربما تحفز خسائر السندات الكبيرة وقف التمويل أيضاً ولذلك، فإن الانتقال من البنوك إلى تمويل السندات أمر يحمل أيضاً مخاطر جمى للاقتصادات المثقلة بالديون أساساً.
والسؤال المهم هو لماذا يمكن لأسعار الفائدة أن ترتفع؟ السبب الجيد هنا هو النمو الأقوى، والذي من شأنه على الأقل أن يحسن توقعات العديد من الشركات والأسر المثقلة بالديون.
والسبب السيئ يمكن أن يكون حدوث طفرة في التضخم، وفي حال احتاجت البنوك إلى تشديد سياستها النقدية فإن ذلك ربما يؤدي إلى سقوط بعض المدينين في مصائب عديدة، تماماً كما حدث في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.
ويمكن للاستجابة إلى ارتفاع معدلات التضخم بسياسة التشديد أن تحفز موجات من التباطؤ الحاد وغير المتوقع.
والقلق المعاكس هو أن لا تكون للمصارف المركزية المساحة الكافية للاستجابة وفي المجموع، يجعل ارتفاع الديون معايرة السياسة النقدية أكثر صعوبة.
والآن، بما أن الانتعاش يسير على قدم وساق، فإنه من الضروري إجراء تغييرات جذرية في الاقتصادات. ومن هذه التغييرات المهمة ضرورة التخلص من المعاملات التفضيلية بما يخص الضرائب المفروضة على الديون؛ حيث تشجع المدفوعات المناطة بالأسهم الاقتراض المكثف: ومن هنا فإن معاملتها في النظام الضريبي ينبغي أن تخضع لإعادة النظر. ومن شأن زيادة رأس المال أن تجعل البنوك أقل هشاشة.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الاقتصادات الناشئة أن تخفف اقتراضها بالعملات الأجنبية.
وفي الوقت نفسه، يجب بذل كل جهد متاح لرفع الاستثمارات العامة والخاصة. وتعد الإسكانات أحد الحقول الأكثر أهمية في هذا الصدد، وهذا بدون تأجيج ذلك النوع من الطفرة التي شوهدت في إسبانيا قبل الأزمة. وعلى نطاق أوسع، من المهم جداً أن يقود الاستثمار هذا الارتفاع في حال كان المراد منه الاستمرار والاستدامة. وينبغي للاستثمار العام أن يلعب دوره الرئيسي في هذا الأمر، خاصة في تحسين البنية التحتية ودعم التقدم العلمي والتكنولوجي الحيوي. وليست قلة الاستثمارات وارتفاع المديونية وحدها العقبات التي يواجهها الاقتصاد العالمي بواقع الحال. فالمخاطر السياسية مرتفعة أيضاً، وكذلك التهديدات التي تواجه التجارة الحرة.
ولكن زيادة الاستثمار وتخفيف الدين هما من الأولويات العليا.
وكما وضع الرئيس الأميركي، جون إف كيندي، الأمر في العام 1962: "إن أفضل وقت لإصلاح السقف هو الذي تكون فيه الشمس ساطعة".
ومن الضروري جداً التوقف عن التجاوزات المفرطة في الديون الخاصة غير المنتجة التي ورثتها لنا الأزمة والفترة التي أعقبتها.
ولن يحدث هذا التحول في ليلة وضحاها. لكننا يجب أن نتخلص من محفزات مثل هذا السلوكيات المحفوفة بالمخاطر.