أفريقيا والتجارة العملاقة

"على أفريقيا أن تتحد"، كتب أول رئيس غاني، كوامي نكروما، في العام 1963، آسفا على بيع دول أفريقيا المواد الخام لمستعمريها السابقين بدلا من تبادلها بينها. ولم يترجم حلمه الأفريقية حقيقة.
وحتى اليوم، ما تزال الدول الأفريقية تتاجر مع أوروبا ضعف ما تفعل بينها. لكن روح الوحدة هذه تحركت الآن للدفع بمنطقة تجارة حرية قارية، تشمل دول القارة السوداء الـ55. وبدأت المحادثات في 2015، وهدفت إلى تشكيل هذه المنطقة في نهاية العام الحالي. وعلى النقيض من منظمة التجارة العالمية، تحرز المحادثات التجارية الأفريقية تقدما ملحوظا.
وفي اجتماعهم الذي عقد في الأول والثاني من الشهر الحالي في نيامي، عاصمة النيجر، اتفق وزراء التجارة الأفارقة على تعديل نهائي لنص الاتفاق. ويغلب الظن أن رؤساء الدول سيوقعونه في آذار (مارس) المقبل، بمجرد إبرام بروتوكول مصاحب له بشأن السلع (فقد تم التوصل إلى اتفاق بشأن الخدمات). ولكن الحواجز التجارية لن تتقهقر بين عشية وضحاها، لاسيما وأن منطقة التجارة الحرة القارية لن تدخل حيز النفاذ إلا عندما تصدق عليها 15 دولة. وحتى عندما يحدث ذلك، ليس الاتفاق يضع الآن سوا إطاراً ما يزال يتعين فيه وضع بعض التفاصيل المتعلقة بتخفيض التعريفات. ولم تبدأ بعد المفاوضات المنفصلة التي تغطي المنافسة والاستثمار وحقوق الملكية الفكرية.
ومع ذلك، يحرص التكنوقراطيون على نقاش هذا الاتفاق. ويرى تشيدو أوساكوي، كبير المفاوضين النيجيريين ورئيس منتدى التفاوض، الأمر على أنه "فرصة تاريخية عملاقة" للفرار بعيدا عن التركة الاستعمارية. وتذهب قرابة 82 % من صادرات دول أفريقيا إلى قارات أخرى؛ وهي تتألف في معظمها من السلع. وعلى خلاف ذلك، فإن أكثر من نصف تجارة أفريقيا الداخلية هي من المنتجات المصنعة. ويقول مناصروا هذه الاتفاقية أنها سوف تخلق أسواقا أكبر وأكثر تنافسية، لتساعد بذلك في إشعال فتيل التحول إلى دول مصنعة، الأمر الذي لطالما كان متعثرا في أفريقيا.
ويضع القادة الأفارقة أيضا عيونهم على العلاقات مع بقية العالم. فلكونهم لم يعودوا قادرين على الاعتماد على الامتيازات التجارية أحادية الجانب مع الدول الثرية، أصبحوا مضطرين إلى إبرام الصفقات التبادلية التي تعتمد أكثر مبدأ الأخذ والعطاء. وعلى هذا الأساس، يمكن لاتفاقية منطقة تجارة حرة قارية أن تعطي أفريقيا ثقلاً أكبر في المحادثات مع أوروبا وأميركا، وفقاً لجورج بوتينغ، من "المركز الأفريقي للتحول الاقتصادي"، مؤسسة فكرية أفريقية.
ومع ذلك، ربما تضعف الضغوطات السياسة لتسريع المحادثات النص النهائي. وترمي الإتفاقية إلى إلغاء الرسوم الجمركية على 90 % من المنتجات خلال خمس إلى عشر سنوات، وهو أمر أقل طموحا مما يفرضه وقعه. بحيث أن جزءا من التجارة الداخلي الأفريقية يتم بين أعضاء في مناطق تجارة حرة أصغر، مثل "مجتمع تنمية جنوب أفريقيا". أم البقية، فتتركز في مجموعة صغيرة من السلع. وبين بيتر درابر، من شركة "توتوا" الاستشارية الجنوب أفريقية، أنه من خلال الإبقاء على الرسوم الجمركية على 5 % فقط من المنتجات، تستطيع دول أفريقيا فعليا أن تستبعد بالفعل معظم وارداتها من الليبرالية.
وتقدر دراسة أجرتها اللجنة الاقتصادية المعنية بالشأن الأفريقي في الأمم المتحدة أنه، من خلال هذه الاتفاقية، سوف ترتفع التجارة الداخلية بين دول أفريقيا بنسبة 52 % في العام 2022 عما كانت عليه في العام 2010. وفي ضوء أن ذلك سيحدث بافتراض التخلص من جميع التعريفات، فإن التأثير الحقيقي سيكون بالتأكثر أكثر تواضعا. وتظهر الأبحاث أيضا أن المكاسب الأكبر لا تأتي من تخفيضات التعريفات، وإنما من القضاء على العقبات غير المرتبطة بالتعريقات إلى جانب تخفيض أوقات النقل. ولن يكون ذلك مدعاة للتعجب لدى السائقين الذي يقفون في طوابير طويلة من الشاحنات على المراكز الحدودية النموذجية الأفريقية. ويقدر البنك الدولي أن الأمر يستغرق ثلاثة أسابيع ونصف حتى تمر حاوية من قطع غيار السيارات من تدابير الجمارك الكونغولية.
ولدى الدول الأفريقية سجلاً مختلطاً بشأن تيسير التجارة. فقد خفضت النقطة الحدودية الجديدة وقت نقل البضائع بين تنزانيا وأوغندا بنسبة 90%. ولكن حتى مع تخفيض الجمارك، ما تزال دول شرق أفريقيا تقيم حواجز غير جمركية، مثل المعايير المتبانية للسلع. ويبلغ التجار غير الرسميون، ومعظمهم من الإناث، التعرض للتحرش والإبتزاز على الحدود. وفي الوقت ذاته، تم إضاعة الكثير من مواعيد التسليم النهائية على الطريق المؤدي إلى منطقة التجارة الحرة الثلاثية، وهي خطة أخرى لربط بين ثلاث كتل إقليمية.
وتتعارض التجارة الحرة مع التيارات السياسية في العديد من الدول، بما فيها جنوب أفريقيا ونيجيريا، حيث تخشى الحكومات فقدان سيطرتها على السياسة الصناعية. وهو يخشون خسارة أرباح التعريفات الجمركية أيضاً، لأنهم يلقون صعوبة في جمع الضرائب الأخرى. ويمكن للصبر على اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية أن يكون أمرا حكيما، في ضوء أن ذلك يعطي الدول مزيدا من الوقت لتتكيف معها. وها هم التكنوقراط متفائلون. وفي هذا الخصوص، يقول بوردينس سيباهوزي، كبير المستشارين الفنيين في الاتحاد الأفريقي حول منطقة التجارة الحر القارية: "أنت تخلق الأساس أولا، ومن ثم يمكنك أن تبني منزلك، حتى وإن تطلب ذلك سنوات عديدة".