بتكوين تضرب قوانين السوق بعرض الحائط

تواصل العملة الإلكترونية "بتكوين" ارتفاعها الحاد دون توقف وسط استمرار الغموض حول هذه العملة الافتراضية ومخاوف البعض من انهيارها المفاجئ.
وصعدت العملة صعودا فلكيا إلى أربعة عشر أمثال قيمتها خلال العام الحالي ؛ إذ كان سعرها أقل من ألف دولار في مطلع العام الحالي لتتجاوز 15 ألف دولار حتى كتابة هذا التقرير وهو ما جذب الاهتمام إليها في أنحاء العالم.
لكن الأمر الخيالي أن هذه العملة الافتراضية تضاعفت قيمتها أكثر من 15 مليون ضعف مقابل الدولار (15.449 مليون ضعف) خلال 9 سنوات إذ كان سعرها حين اطلاقها 0.001 دولار فيما يبلغ سعرها اليوم 15.450 ألف دولار.
وقد تصل الزيادة في سعر البتكوين نحو 20 % في اليوم الواحد الأمر الذي زاد التساؤلات حول مصير هذه العملة المشفرة التي لا يدعمها أية أصول.
والمتتبع لتداول الـ "بتكوين" يلاحظ أن فئة الشباب والباحثين عن تحقيق الربح السريع هم الأكثر اهتماما بمراقبة تحركات وتصنيع هذه العملة التي لا تخضع لأي مراقبة مركزية.
وتعرف الـ "بتكوين" على أنها عملة إلكترونية بشكل كامل تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها، وهي أول عملة رقمية لامركزية (فهي نظام يعمل دون مستودع مركزي أو مدير واحد)، أي أنها تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها.
وتتم المعاملات بشبكة الند بين المستخدمين مباشرة دون وسيط من خلال استخدام التشفير، ويتم التحقق من هذه المعاملات عن طريق عُقد الشبكة وتسجيلها في دفتر حسابات موزع وعام يسمى سلسلة الكتل.
وتم اختراع البتكوين من قبل شخص غير معروف أو مجموعة من الناس عرف بإسم "ساتوشي ناكاموتو" وتم إصداره كبرنامج مفتوح المصدر في العام 2009.
الخبير المالي والقانوني غسان معمر يرى أنه الـ"بتكوين" هي نقطة تحول في تاريخ البشرية، حيث استطاع مطورو تقنيات التعامل الإلكتروني قلب قاعدة "مركزية الثقة " لتصبح " لا مركزية الثقة"، ولتكون الأخيرة أكثر كفاءة وضمانا لحقوق المتعاملين من الأولى.
يشار إلى أن (بتكوين) دعما بعد إعلان الجهة الرئيسية المنظمة لسوق المشتقات في الولايات المتحدة يوم الجمعة أنها ستسمح لمجموعة سي.ام.إي و سي.بي.أو.إي جلوبال ماركتس بإدراج عقود بتكوين آجلة.
إلى ذلك يبين معمر أن لامركزية الثقة في المعاملات من خلال توفير شبكة من أجهزة الحاسوب عبر الإنترنت تتولى كل ذلك هو أهم ما يميز التداول في "بتكوين" وأن هذه الشبكة لا شيء يجمعها ببعضها البعض إلا أنها قامت بتنصيب واستخدام تطبيق البلوك تشين عليها أو ما يسمى سلسلة الكتل.
ويوضح معمر أن التداول في هذه العملة يكون عبر التفاعل مع الملايين من اجهزة الحاسوب من تلقاء ذاتها ودون أي تدخل بشري.
ويشرح أكثر حول عملية التداول بها أنه إذا أراد أي شخص شراء جزء من هذه العملة على الانترنت فإنه ثمة حاسوب عليه ابلاغ باقي الحواسيب ان تقوم بربط هذه الحركة بالكتل السابقة لها، وتتم هذه العملية عبر بناء معادلة رياضية معقدة للغاية ليس بإمكان أي حاسوب حلها بمفرده أيا كانت المدة، بل لا بد من اشتراك جميع حواسيب الشبكة حول العالم مجتمعين لتتعاون فيما بينها لحل هذه المعادلة.
ويشير معمر إلى أن ايجاد الحل، سيكون من نصيب أحد الاجهزة الذي سيسبق نظراءه ولو بفارق جزيئات من الثانية، وهذا الحاسوب يصبح الفائز، ويكون من حقه ربط هذه السند إلى الكتلة السابقة، كما يصبح من حقه تعميم الحل على باقي الاجهزة حتى تتمكن من اجراء الربط، والانتقال إلى المعادلة التي تليها.
ويرى أنه ليس بامكان أي حاسوب اختراق المعادلة بمفردة ما لم تجتمع جميع الحواسيب مع بعضها البعض لفك شفرتها، وهذا أمر من المستحيل تحققه لان أحدا لا يستطيع ان يتحكم بملايين الحواسيب عن بعد ايا كانت قدرته.
وأما عن تصنيع أو "تعدين" هذه العملة فيرى معمر أنها عملية صعبة ومعقدة للشخص كونها تحتاج إلى جهاز حاسوب يعمل 24 ساعة ومربوط بأجهزة تقوية تدعم التصنيع.
ويتوقع معمر أن يواصل الطلب على هذه العملة الأمر الذي سيدعم صعودها إلى مستويات قياسية جديدة.
بدوره اختلف خبير الاستثمار وادارة المخاطر د.سامر الرجوب مع معمر حول مصير هذه العملة متوقعا أن تنهار قريبا، كون أن التضخم في سعرها بشكل سريع وحاد هو إشارة إنذار أنها سوف تنهار.
ويبني الرجوب توقعاته على أن هذه العملة افتراضية وليس لها أي دعم من الأصول المادية المعروفة، إلى جانب أن الارتفاع في سعرها تجاوز القيمة العادلة والقيم المفروضة.
ويشبهها بسوق المشتقات وعقود الخيارات الآجلة والتي قد تنهار في أي أزمة مالية، لافتا إلى أن محبي المغامرة والمقارمة هم المهتمين أكثر بالتداول في هذه العملة.
إلا أن الرجوب اتفق مع معمر حول أن قاعدة التداول في العالم كله سوف تتغير وأن "بتكوين" هي تجربة ومقدمة لعملات افتراضية مستقبلا سوف تلغي التعامل بالنقد.
ويرى أن المستقبل لقاعدة التداول الجديدة سينطلق في الدول الأكثر تقدما ليصل بعد سنوات للدول النامية.
بدوره اتفق الخبير المالي والمراقب للأسواق العالمية سامر ارشيدات مع الرجوب حول أن هذه العملة عبارة عن فقاعة وسوف تتبخر.
ويرى ارشيدات أن الارتفاع الحاد في سعر البتكوين وبطريقة عنيفة هو مؤشر على قرب نهايتها.
ويقول إن "البتكوين عملة وهمية ليس لها أصول .. هي عبارة عن لاشيء".
ويرى ارشيدات أن عملة بتكوين سوف تخلق العديد من المشاكل لدى المتعاملين فيها، لافتا إلى أن الأصول الصحيحة كالذهب هي الباقية.
أخيرا ؛ لا بد نختم هذا التحليل بتساؤل ؛ هل سيقتنع العالم بتداول هذه العملة مستقبلا بدلا من العملات الورقية ؟