قواعد تحديد مواعيد الإقلاع والهبوط

في العام الماضي، تنقل نحو 3,7 مليار راكب عبر السماء على متن طائرات تجارية، وهناك القليل ممن تأمل في السبب الذي يقف وراء تحديد أوقات الرحلات الجوية، وعدد أقل يدرك حقيقيةً تلك العلاقة بين المنظمين وخطوط الطيران بشأن بتحديد مواعيد الهبوط والإقلاع.
وعلى مدى السنوات الـ70 الماضية، كانت عملية وضع الجداول الزمنية للرحلات في المطارات الدولية تقع على عاتق مؤتمر "سلوت"، وهو اجتماع نصف سنوي لشركات الطيران ومنظمي المطارات يديره "اتحاد النقل الجوي الدولي" (مجموعة من شركات الطيران).
واستقطب الاجتماع رقم 141، والذي عقد في مدريد الأسبوع الماضي بهدف وضع جدول الصيف القادم، أكثر من 1300 ممثل من 250 شركة طيران وقرابة 300 مطار من جميع أنحاء العالم. وبعد اتخاذ الممثلين أماكنهم حول طاولة المباحثات (كل شخص يمثل مطاراً أو شركة طيران) في قاعة ضخمة، يبدأ هؤلاء تباحث وإعادة جدولة شركاتهم ومطاراتهم لتعظيم كفاءة شبكاتهم الجوية. ويبدو الأمر وأنه "تسريع وتحديث لأوقات خطوط الطيران"، بحسب لارا موغان، منظمة المؤتمر.
وعلى الرغم من تكنولوجيا أجهزة الكومبيوتر سرعت الأحداث بطبيعتها، إلا أن تخصيص مواعيد ومناطق الهبوط والإقلاع اختلفت قليلاً منذ مؤتمر العام 1947، فبدلاً من ترك الخيار للمطارات حتى تحدد من يستخدم مدارجها ومتى، صمم النظام لجدولة هذه الأمور على يد لجان الخطوط الجوية. وفي ستينيات القرن الماضي، مع تزايد الحركة المرورية في بعض المطارات، أصبحت هذه اللجان المختصة وسيلة للمتاجرة بأثمن المواعيد والمدارج.
ومنذ سبعينات القرن الماضي، أصبح توجيه مواعيد ومدراج الإقلاع والهبوط يستند إلى "المبادئ العالمية التوجيهية" الخاصة بـ"اتحاد النقل الجوي الدولي"، وتقول هذه المبادئ أن شركة الطيران يمكنها إن أرادت أن تحتفظ بجدول أعمالها الخاص بالموسم الماضي نفسه إذا ما كانت تتبع 80 % من المنظومة العملية نفسها الخاصة بتلك الفترة.
وبالنسبة إلى أي مواعيد أصبحت متاحة تبعاً لقاعدة "استخدمها أو اخسرها" فيتم إتاحتها إلى متقدم آخر لأخذها في حال لم تستخدمها الشركة المعنية بالشكل اللائق. وتصر بعض الأماكن، بما فيها الاتحاد الأوروبي، أن على المتقدمين الجدد أن يحصلوا على نصف المواعيد والمدارج المتاحة، ومن ثم تقوم خطوط الطيران بتبادل أو تعديل التوقيت بين بعضها البعض في المؤتمر في محاولة تعظيم أرباحها. وتتيح بعض الدول، مثل بريطانيا، إمكانية الإتجار بالمواعيد المتاحة وحتى بيعها بين خطوط الطيران.
ويدعي اتحاد النقل الجوي الدولي أن هذه العملية عادلة ومفتوحة، لاسيما مع تقديم منسقي الجداول المستقلين لأول مرة في تسعينات القرن الماضي. وينبغي لهؤلاء أن يضمنوا الإدارة النزيهة للمبادئ التوجيهية، حتى لا تبرم المطارات الصفقات مع شركات الطيران المحلية خلف الأبواب المغلقة.
وحتى مع ذلك، ما يزال المنظمون حول العالم يعتقدون أن هذا النظام يدلل أصحاب المناصب الرفيعة والشركات القديمة أكثر من غيرها. وقد قالت مراقبة المنافسة البريطانية، على سبيل المثال، أنها "خلقت حيازات ثابتة من الجداول الزمنية المتاحة حالياً"، واضعةً بذلك الحواجز أمام دخول الشركات الأحدث والأكثر كفاءة.
وهناك أخريات أكثر شراسة في توجيه الانتقادات، وفي هذا الخصوص، يقول أندروا شارلتون، وهو استشاري ملاحة جوية والرئيس السابق للشؤون الحكومية في اتحاد النقل الجوي الدولي: "يبدو الأمر وأن خطوط الطيران قد منحت النعمة والتأييد الكافيين حتى أصبحت تستطيع الرهن والبيع أو المقايضة كما تشاء". وأصبحت مبادئ الجدولة الزمنية التوجيهية وكأنها: "محاولة واضحة لتشويه السوق".
وتتجذر الكثير من المعارضة لهذا الأسلوب من حقيقة أن معظم شركات الطيران مُنحت المواعيد والمدارج دون مقابل، وعادةً ما لا ترتفع رسوم هبوط الطائرات والركاب في أوقات الازدحام، لكن ذلك ما يحدث للأجرة، وفقاً لنيكول آدلر من الجامعة العبرية في القدس. وهذا يعني أن خطوط الطيران تجني الأرباح والفوائد من ندرة قيمة الجدولة.
ووفقاً لدراسة أجريت مؤخراً، فإن الافتقار للمساحات المتاحة للهبوط في أوروبا يضخم الرسوم التي يدفعها الركاب بنحو 2,1 مليار يورو في العام الواحد، ويستولي المسيطرون على المواعيد والمساحات أيضاً على العائدات التجارية. ففي العام الماضي باعت "إير فرانس –كيه إل إم"، وهي شركة قديمة، بقعة هبوط وإقلاع لمرة واحدة في اليوم في مطار هيثرو في لندن، الأكثر ازدحاماً في أوروبا، بمبلغ 75 مليون دولار.
ويدعي اتحاد النقل الجوي الدولي أن النظام تبرره استثمارات شركات الطيران في الطائرات والتسويق. لكن مدراء الخطوط الجوية يسخرون من هذه الفكرة خلف الأبواب المغلقة. ويشبه أحدهم النظام الحالي بمصنعي الأغذية، موضحاً أن لهم كامل الحق في عرض منتجاتهم على رفوف مراكز التسوق إلى الأبد، وذلك لكونهم ابتاعوا بعض الإعلانات التلفزيونية.
ولدى شركات النقل الجوي القديمة سبب آخر للإعجاب بهذا النظام، فهو يجمد الخطوط الجوية الجديدة فعلاً ويبقيها خارج مراكزها الرئيسية. وفي العام 2012، قدرت المفوضية الأوروبية أن أقل من 1 % من مدارج هيثرو، و"تشارلز دي غول" و"أورلي" الباريسيين عاد توزيعها سنوياً وفقاً لقانون الاتحاد الأوروبي للقادمين الجدد. ولم يتحسن الوضع منذ ذلك الحين لأن العاملين في هذا القطاع يبذلون ما في وسعهم للوفاء بقاعدة الـ80 %. ويستخدم بعضهم الطائرات الأصغر ورحلات أكثر تواتراً إذا ما تطلب الأمر ذلك، في حين يلجأ آخرون إلى الرحلات "الخفية": الخسارة التي يتسبب بها الطيران بطائرات فارغة أو شبه فارغة من وإلى المطارات الرئيسية، بغية الاحتفاظ بالحصص من المدارج والمواعيد.
وقد جادلت الخطوط الجوية البريطانية "إير ويز" بأن السماح ببيع المزيد من المساحات المتاحة يمكن أن يساعد الشركات الوافدة حديثاً. لكن إتاحة التجارة يخفض أعداد المدارج والمواعيد المعادة والتي يتم تقديمها بالمجان للشركات الجديدة. وفي الواقع، فقد أتاحت المبيعات حتى اليوم للأقوياء فقط بأن يصبحوا أكثر قوة. وقد ارتفعت حصص "بريتيش إير لاينز" في مطار هيثرو من 36 % في العام 1999 إلى 54 % الآن.
وحتى مع ذلك، اقترحت المفوضية الأوروبية في العام 2011 قوانين جديدة لإدارة الإتجار بالمدارج والمساحات المتاحة عبر أوروبا. وقد انطوت هذه على تدابير إجبار شركات الطيران على استخدام قدراتها المتاحة بشكل أفضل، مثل رفع مستوى قاعدة "استخدمه أو اخسره" من 80 % إلى 85 %. لكن هذه التعديلات بقيت غير مطبقة في العام 2012، ما عاد جزئياً إلى الضغوطات التي مارستها شركات الطيران.
وتحاول دول أخرى أن توجد حلولاً أكثر راديكالية. ففي العام 2008، اقترح منظم الملاحة الجوية الأميركي تنظيم مزاد حول المساحات المتاحة في مطار نيويورك.
ويحتمل أن يكون ذلك قد خفض مكاسب شركات الطيران القادمة من ندرة قيمة المساحات المتاحة. ولكن تم التخلي عن هذه الفكرة بعد تحدي شركات الطيران هذا القرار في المحكمة. وفي العام الماضي، من جهة أخرى، اختبرت الصين فكرة هذا المزاد في قوانغتشو.
يزعم اتحاد النقل الجوي الدولي أن المزادات لا تساعد الشركات الجديدة، والتي قد لا تستطيع تحمل رسوم المدارج الرئيسية والأكثر أهمية.
وتقول آدلر أن فكرة أفضل من هذه تكمن في تسعير مدى إزدحام مدارج المطارات، بحيث يتم فرض رسوم أكبر على خطوط الطائرات لدى استخدامها في الأوقات المزدحمة.
وقد شهد مطار "غات ويك" في لندن، والذي أنجز خطوات جيدة في هذا الاتجاه، 50 % نمواً في أعداد الركاب منذ العام 2010، في ضوء أن التغييرات شجعت خطوط الطيران على الاستخدام الكامل لمدارجها وترك غير المستخدمة للشركات الجديدة.