البطالة تدفعهم إلى "نبش القبور" ... شباب في الأغوار الجنوبية يتاجرون بالجثث ويفتحون القبور على أصحابها !

جراءة نيوز - عمان : بات نبش القبور القديمة أملا بالعثور على دفائن، مهنة عشرات الشبان المتعطلين عن العمل في  غور الصافي والنقع بلواء الأغوار الجنوبية، بعد أن يئسوا من رحلة البحث عن فرصة عمل توفر لهم مصدر دخل كريم. وبرغم معرفتهم أن ما يقومون به يعرضهم للمساءلة القانونية، وقناعتهم بأن عوائد المجازفة لا توازي خطورتها، إلا أن ضيق الحال وانعدام البدائل لم يترك لهم مجالا للاختيار. ويؤكد ممتهنو نبش القبور أن جهدهم الكبير في البحث عن فرص عمل بدون جدوى، دفعهم إلى توظيف هذا الجهد في عمل آخر لعله يعود عليهم بالفائدة، خاصة أن بعض رحلات البحث انتهت بالعثور على دفائن فخارية وتحف استطاعوا فيما بعد بيعها.   

 

  ومن اللافت أن البحث عن الدفائن في القبور المنتشرة في اللواء التي تعود للفترتين الرومانية والبرونزية يزداد بشكل واضح مع دخول فصل الصيف نتيجة تراجع العمل الزراعي في اللواء وانحصار فرص العمل فيه. ويعتبر لواء الغور الجنوبي من جيوب الفقر العشرين في الملكة، إذ تصل نسبة الفقر إلى 37 %، فيما يتقاضى 1529 معونة وطنية وفق بيانات صندوق المعونة الوطنية. ومن الجدير ذكره أن مهنة نبش القبور بدأت تأخذ شكلا ممنهجا لدى ممتهنيها، من حيث معاينة مواقع الحفر خلال النهار، ومن ثم تحديد ساعة للبدء في عملية الحفر التي تكون غالبا عند حلول الظلام وبعد أن يكونوا قد قسموا انفسهم الى مجموعات على حسب سعة منطقة الحفر لضمان عدم تفويت أي قبر من عملية النبش. ومن المفارقات، أن رواج مهنة نبش القبور دفعت مهتمين بالقطاع السياحي إلى دعوة الجهات المعنية للاستفادة من المهارات والخبرات في التنقيب التي اكتسبها حفارو القبور، سواء من خلال إشراكهم في مشاريع الحفريات الأثرية التي تجرى من قبل دائرة الآثار العامة، أو من خلال حفرياتهم الخاصة بهم.

 وتعد سفوح التلال المحاذية لموقع طواحين السكر أو ما يعرف بخربة الشيخ عيسى في بلدة غور النقع أكثر المواقع استهدافا في عمليات البحث. ويجرم قانون الآثار العامة لسنة 1988 والمعدل المؤقت للعام 2002 كل من يقوم بالتنقيب عن الآثار، أو من يتاجر بها، أو يساعد أو يشارك بذلك بدون الحصول على رخصة للتنقيب، يمكن استصدارها من وزارة الداخلية، حيث تنص المادة 26 من القانون على حبس كل من يخالف القانون مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار وبما يتناسب مع قيمة الأثر. ويقول أحد الشبان (23 عاما) الذي فضل عدم نشر اسمه إنه لجأ إلى مهنة البحث عن الدفائن في القبور القديمة بعد أن فقد الأمل في فرصة عمل له في المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة في المنطقة نتيجة تدني مستوى تحصيله العلمي الذي لم يتجاوز المرحلة الابتدائية. وأشار إلى أن مهنة حفر القبور أصبحت غير مجدية لاعتمادها على الحظ  في إيجاد الأواني الفخارية التي تباع بأسعار زهيدة. ويؤكد محمد (37 عاما) أن مهنة حفر القبور التي يعمل فيها منذ سنوات أصبحت مهنته الأساسية، حيث يعمل مع رفاقه في ساعات المساء بعد أن يحددوا مكان الحفر خلال فترة الظهيرة. وبين أنهم يعانون من استغلال تجار التحف والأواني الفخارية التي يشترونها بأثمان زهيدة على الرغم من المخاطرة التي تواجههم أثناء عملية الحفر. ويقول سالم ابراهيم (30 عاما) بأنه يأمل أن تكون هنالك مشاريع إنتاجية للشباب في منطقة الأغوار الجنوبية التي تعتبر واحدة من جيوب الفقر العشرين في المملكة، مشيرا إلى أن طاقة الشباب في المنطقة كبيرة وكل ما ينقصهم هو فرصة لإثبات انفسهم. وأكد استعداد الشباب الذين يلهثون وراء دفائن القبور للعمل في الورش التي تنفذها دائرة الآثار العامة في المنطقة، لافتا إلى أنهم لجأوا إلى تلك المهنة نتيجة الفقر الشديد الذي تعيشه أسرهم. على أن مدير مكتب الآثار بالأغوار الجنوبية جهاد درويش يؤكد تراجع الاعتداءات على المواقع الأثرية في المنطقة مقارنة بالأعوام العشرة السابقة التي كانت تستنزف الكثير من آثار وكنوز تاريخية تحكي تاريخ المنطقة.

 

وبين أن تكثيف الرقابة على تلك المواقع وزيادة الوعي لدى المواطنين بأهمية المحافظة على الهوية الوطنية والتاريخية للمنطقة، ساهم في الحد من الاعتداءات على المواقع الأثرية. وأضاف درويش أنه تم تسييج المواقع الأثرية كطواحين السكر في غور النقع وتل الشيخ عيسى الذي يحوي أبنية ذات طراز معماري متنوع، من أجل الحفاظ عليها ومنع عمليات الاعتداء، إضافة إلى عمليات الترميم والتنقيب في المواقع الأثرية في غور النقع والصافي. ويعتبر لواء الأغوار الجنوبية أحد أهم المواقع الأثرية والسياحية في الأردن، ويضم نحو 20 موقعا أثريا منها ما هو مكتشف وتجري له أعمال الصيانة والترميم ومنها مايزال ينتظر اكتشافه. ومن أهم المواقع الأثرية المكتشفة في اللواء كهف لوط والذي يقع في بلدة غور الصافي على تلة مرتفعة تطل على غور الصافي والبحر الميت، وهو موقع مقدس لدى المسلمين والمسيحيين واستعمال هذا الكهف لأول مرة في العصر البرونزي (1750 ق.م - 300  ق.م)، ويوجد في الموقع دير وكنيسة ذات أرضية فسيفسائية ملونة ويعتبر من أهم المواقع التاريخية والدينية في اللواء. ونظرا لأهمية الموقع أنشأت وزارة السياحة متحفا ومركزا للزوار أطلق عليه اسم "متحف أخفض مكان على الأرض" بلغت تكلفته نحو المليون دينار.