أين صوت وزارة الثقافة ومؤسساتنا الثقافية حِيالَ ما يجري ؟
أين وزارة الثقافة وأين مؤسساتنا الثقافية- وأخص تلك التي تتلقى دعماً سنوياً من ميزانية الحكومة- حِيالَ ما يجري مِن قضايا محلية وشؤون وطنية وفي ظِل ما يتردد هنا وهناك وما يتمُّ تناقله وتبادله وتداوله ؟
أتساءَلُ لماذا ارتخت الأقلامُ وخَبَت أصوات المنابر الثقافية وهذا أوانُها، للنُطق بكلمة حقٍ تكونُ كالسَّد المنيع بوجه سيل الإشاعات التي تُهوِّل الأمور فتجعل من الحَبَّة قبةً بغرض خلق ضَربٍ مِن الشَّك والإحباط والارتباك واليأس عند الناس، ومِثلها غوغائية الشائعات التي تُطلُّ علينا بوجهها القبيح بين حينٍ وآخر في تَجنٍّ صارخٍ على كِيان أردننا المجيد وتاريخهِ وبُنَاتِه، ونُكرانٍ لِمَنَعَتِهِ وإنجازاته وتجاهُلٍ لِتجاوزهِ بِحكمةٍ وفِطنةٍ وإرادةٍ قويةٍ تحدياتٍ كبيرة عَصَفت به فما زادته إلا قوة واستقراراً ؟
أتساءَلُ وقد طال الإنتظار لماذا لم يتم تسليط الضَّوء على ما أُنْجِز وبُنِي وشُيِّدَّ على مدى سنواتٍ من العطاء أليست مهمتكم الرئيسية نشر المعرفة وتثقيف الناس وتوعيتهم ؟ ولِما لا تشُدُّون الأبصار لإبراز ما تحقق من مُنجزات على أرضنا الأردنية، تلك المُنجزات التي أحدثت نقلة نوعية في جميع مناحي الحياة، فلما لا تجهرون بصوت مرتفعٍ وبفخرٍ لإيضاح أين كُنا وأين نحنُ الآن.. وكيف كانت بدايات الأردن وما آلَ اليه الآن مِن تطورٍ ونهضة ونَماء؟ أوَليست براهين وأدِلَّة ما تحقق ماثلة ملموسة فحيثُما نُدير أبصارنا نجدُ النهضة العمرانية وشبكات الطرق الحديثة والأنفاق والجسور، وأحدث وسائل النقل البري والبحري والجوي بالإضافة إلى شبكات المياه التي تصل إلى السكان في شتى مواقعهم. ونجد المشاريع الصناعية الضخمة وأحدث الوسائل والتقنيات الزراعية، ومعامل انتاج الغذاء والدواء، والصروح الطبية، والجامعات ومراكز البحوث، هذا إلى جانب المدن الجديدة والحضرية والمناطق الاقتصادية، وما تحقق أيضاً مِن نقلة نوعية في مَيْدانيّ الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وما حظيت به مواهب الشباب الرياضية من دعمٍ ، وثمة ميادين أخرى كثيرة شهدت منجزات لا يتسع المقام للشرح عنها والجهود ماضية لمزيدٍ من المشروعات الكبيرة لما تقتضيه مسؤولية النمو السكاني المتزايد والتزاماته. كيف لهذه المنجزات المشرقة أن لا تحظى بحصة من المهرجانات وورشات العمل المختلفة والندوات التي تُعقَدُ دونما انقطاع؟
أتساءَلُ أَمِنَ الإنصاف والعدل تغييب أسماءِ عُلماء الأردن من حسابات الثقافة بالرغم من إسهامِهم الكبير المُثمر في بناء حضارة أردننا وتقدمه وتطويره في تخصصاتهم العلمية المختلفة؟ ولمصلحة مَن إغفال مؤلفاتهم القيمة وبحوثهم وإنجازاتهم التي تشهد بها دول العالم المتقدمة، بينما لا نجد لها أيّ ذكرٍ عندكم حتى في أخباركم وكأنّ بلدنا يخلو من العلماء المبدعين؟ وهل الثقافة محتكرة وسقفها لا يتجاوز العمل الأدبي من شعر ورواية وقصة وفنون شعبية وما ماثل، هذه التي نتابع كيف يجري تعظيم نِسبةٍ مَحْظيَّةٍ مِن أصحابها، ويتم التوسع بتغطية أخبار ما يُقدِّمونه، وإن كان مِنه وباعترافِ النُّقاد، ما هو رصف كلامٍ بكلام وليس بالمستوى المطلوب مِن الجودة والبناء والغرض ولا تراه يُقدم الجديد لمنفعة القارىء والوطن!
ولمَّا كانت الثقافة ورسالتها التوعية وفتح المدارك والتثقيف، فأين مشاريعكم مِمَّن جعلوا التفرقة والتمييز دأبَهُم ودَيْدَنَهُم؟ لقد انتظرنا لسنواتٍ عقد مؤتمرٍ وأكثر وورشات عملٍ تَتَّسِم بالصراحة والشفافية وتجمع الأطياف مِن منابت وأصول مختلفة ومناطق متعددة في حوارٍ أخويٍ هادىءٍ هادفٍ عقلاني، لوأدِ ما يعتمل في نفسِ أيٍّ كانَ مِن أسباب إختلافٍ او خِلاف، ولرأب أي صَدْعٍ، ورصِّ الصفوف وتوحيد الكلمة ليكون تراب هذا الوطن مهوى أفئدة الجميع، وصونه والحِفاظ على مُقدَّارته ورِفعته مِن مهمة الجميع، ولوضع الاعتبارات الوطنية والأمنية فوق كل اعتبار.
والسؤال عينه حول هُواة البغضاء وتُجار الإنقسامات والتباعد والإقصاء والعصبيات بأنواعها فأين دوركم التنويري التثقيفي الذي ينبغي ان يتَّسِم بالديمومة..من خلال خططٍ وبرامج وتفعيل مِن بعد، فمقتضى الحال يستدعي الإنفتاح ونبذ التباعد والغُلوِّ وإذابة الفروق ليتحول الإختلاف إلى إئتلاف والتنوع إلى تلاقٍ مُثمرٍ بوصلته الوطن وليس سواه. وما "رسالة عمان" إلا النبراس المُضيء فلا يجدر إغفال أهميتها ومراميها النبيلة.
أمَّا وقد تجاوز أردننا عندما تزلزلت المنطقة من حولنا -مع الأسف- وتعاظمت أطماع الواهمين فصمدَ وثبتَ ولم تتوقف عجلة البناء ولم تنقطع أسباب معيشة الناس وحاجاتهم ولم تتعطل أرزاقهم ولم تُمسَّ مُقدَّراتهم، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ألا يستحق هذا كله مجموعة أنشطة من قِبلكم ومن المؤسسات الثقافية بهدف التعريف بدقّة المرحلة وصعوبتها وحِنكة تجاوزها، لتوسيع المدارك وفتح الأذهان والإشادة وتسطير أحرفٍ من نور إلى قيادتنا الحكيمة وإلى مَن عَرَفنا حرارة انتمائِهم وعظيم إيمانِهم وقوة شكيمتِهم، العيون الساهرة الأجهزة الأمنية وقواتنا المسلحة الباسلة وتثمين تعبهم ونهجهم المتميزالناجح، في النهوض بالمهمات الكبيرة التي أوكِلت إليهم ،في مرحلةٍ مفصلية من تاريخنا المعصر، وقد جاءَت بِمُجملِها مُتوَّجَة بمحبتهم غير المحدودة لهذا الحِمى ومن باب غِيرَتِهم على استقراره وأمانتهم الصادقة على رسالته.
وتتخطر أسئلة لا يتسع المقام لسردها ، غير أني أختم بسؤال ونحن على وشك ختام "عمان عاصمة الثقافة الإسلامية العام 2017" فأقول تُرى كم مِن المواطنين يدري أن عمان هي عاصمة الثقافة الإسلامية للعام الجاري وخوفي أن من بين المسؤولين مَن لا يعلم بذلك؟ فكيف لمناسبة تاريخية وفرصة نادرة كهذه أن توشك أن تودعنا دون توعية وتعميم وتفاعلٍ وتفعيل حقيقي ؟ وأين الأنشطة والفعاليات الثقافية المكثفة التي تعكس الخطاب الوسطي الإسلامي وتوجهاته بهذه المناسبة الكبيرة؟ ولا أظُن إلا أنَّ مخصصات مالية غير ضئيلةٍ قد كُرِّست لهذا الحدث؟ ولِما لا نعترف أن الأنشطة الثقافية التي أقيمت لم تكن بحجم الحدث! وكيف أصلاً لبعض الأنشطة أو لمعرضِ كُتبٍ وفِرقٍ فنية أو شعبية ودبكات أن تُسهم في نقل خطاب الدولة الأردنية التي أسسها المغفور له الملك الشهيد عبدالله الأول طيب الله ثراه،على مبدأ التسامح والوحدة والحرية.أليس كان متوجباً وضع خطط واستراتيجيات لتحقيق الكثير واستثمار هذه المناسبة ؟ وهل جرى التعميم على وزارة الأوقاف والتعليم العالي لإعتبار ما يقومون به من أنشطةٍ عادية واعتيادية ضمن أنشطة "عمان عاصفة الثقافة الإسلامية" وهل وكما تناهى لإسماعنا أن يُعتبر استقبال رؤساء الجامعات للطلبة المستجدين ضمن أنشطة عمان عاصمة الثقافة الإسلامية؟ثم أليس من الحق بهذه المناسبة التاريخية التركيز الدائم وعلى مدى الشهور التي انقضت إبراز دور الهاشميين في المحافظة على المقامات الاسلامية والتاريخية في الأردن، ودورهم في إعمار المسجد الأقصى والأماكن المقدسة في القدس الشريف ورعايتها وصونها، هذه الأمر البالغ الأهمية والذي لا يدرك الكثيرون أنه ابتدأ من سنة 1924 لغاية اليوم !
وأخيراً لا بُد من ان تتسع الصدور لِما سبقَ ذِكْرُهُ من باب الشفافية والمكاشفة التي ننعم بها في بلدنا الغالي، والنقد البنَّاء لأيّ جهة لا يعني الإنتقاص من مُجمل أعمالها، بل هو دعوة لمزيد من التطوير والتحسين، بل وإعادة الحسابات ونهج العمل حيثما يتطلب الأمر !