إن ضاع الطريق فابحثوا عن الجيش

يا للقدر ما أعدله ، ويا لهذا الوطن ما أجمله ، ما بين صُّحرٍ ونهر اعتدلت يوماً فوق هذه النجود طوابير الجنود ، الغرّ الميامين ، النسور تتلوها صقور ، والضياغم تتناسل دون أب وأم ، سكنوا الخنادق وعشقوا رائحة البارود ، زهدوا بالدنيا الدنيا ، وبالقصور التي علّمت أطفالها النكوص و القُصور، فهم العسكر الذين سطرّوا بالأحمر القانيّ سفر المجد على هذه الحدود ، فلله دركم أيها الجُدود ، زرعتم جماجمكم الشريفة سورا صدّ حقد الصهاينة ذوي القلوب السود ، ودفعتم شر من خانوا العهود .

 تلك الليوث لم تصغَر حين صغرُت شخصية التجار وصُعرّت خدود الثوار ، أولئك الشمّ الأباة من رعيلنا الشريف الذي مشى على الشوك وصبروا على النار ، ولم يعرفوا الفرار ، تلك الجحافل التي قدمت القوافل من الشهداء الأبرار ، رفعوا راية الله في الميادين فخفق علم الوطن فوق ثرانا ، ليصبح المنارة التي أنقذت سفن العابرين عبر أروقة الزمن ، وعبر الصحاري والقفار ، عبر الحدود والسدود ، باحثين عن قدر الله في وطن لا يلفظ أضيافه ولا يضام أهله ، وطن نبكي عليه ولا نبكي منه ، فهذه الأرض أمُنّا التي لا نعقّها ، بل نرّوها بالدم الشاب، لتزهر في خريف أعمارنا الأزهار ، حين يبكي الشيّب شوقا لأيام الشباب.

 فحيا الله جيشنا ، جيش الأُسود ، وكتائب الليوث وسرايا الفهود ، أولئك الذين ضحوّا بالنفس والحال وأرخصوا الدمّ والمال ، كي تتنعم هذه الأجيال بكل ما ترونه اليوم في هذي البلاد ، فلتنَعموا بالراحة والرخّاء ، وبجمال مدينتكم والحدائق الغنّاء ، أو فلتستعينوا بالله على جهد البلاء وعيش الضنك والشقاء ، ولكن تذكروا جيدا : كان الثمن قوافل ليس لها ثمن ، وضريبة على الثمن كانت دموعا ودماء ، فثمن هذا الوطن قوافل الشهداء من جيشنا الأردني الأبيّ ، فلتنتصب أيها المجد فوق هذه البيداء ، فحقك أن ترفع الهامة لتطاول عنان السماء .

«يا شيخنا يا عزّنا على المعارك دزنا « ، تلك كانت أهزوجة الرجال ، الأوفياء الذين لم تسّطّر السياسة أحرف الخُبث على أحداقهم ، فخاضوا معارك العروبة والفداء ، بكل شرف وكبرياء وبكل بطولة عصماء ، كانوا يفترشون التراب على أرض الوطن وفي فلسطين ، ويتلحفون السماء ، وعيونهم الى مهوى الفؤاد في أرض الإسراء ، إنهم الذين ناموا في خدون السلاح وتركوا للقُمشّ من الرجال لذة النوم في خدون النساء ، فكانوا يؤمنون حقا بأن الحياة لا يبزغ فجرها بين أودية الأثداء ، بل الحياة الكريمة والكرامة العظيمة ، لا يمكن أن تولد إلا إن غسلتها بأزكى أنواع الدماء ، دماء الجنود المجاهدين ، لينبت « الدحنون» في ساحات الوغى وهضاب الفداء .

في يوم الجيش : نزجي السلام يتبعه السلام والقبُل الحرّى على شواهد القبور في كل الثغور التي تضم بين حناياها جثامين أبطال الرجال ، أولئك الذين لم يتعلموا فن الإبتزاز ، ولا الإتجار بالوطنية ومقايضة الولاء والإنتماء بكرسي «هزاز « ، أولئك الأحباب ، أولئك الرفاق والأصحاب الذين استبسلوا في كل المعارك ، أولئك الذين تركوا لنا بقية من إرث العرب ، شرف ومروءة وكبرياء ، وعلى هذا فليحيا الأحياء ، فالمجد لا يشترى بالمال يا معشر الأدعياء ، المجد ثمنه الإيمان والإخلاص والإنتماء والعمل الذي سنامه دماء الأوفياء .

أيها الأردنيون الأباة : اعلموا أن السلاح مهما تكدس من بنادق و دبابات ومدفعية وطائرات ، لن يغدو عن كونه ألعابا، إن كان في أيدي الجبناء ، السلاح يحتاج الى الرجال الذين لا يلهثون وراء المال والأعمال ، فإن طال الزمان أو قصُر فالعدو يا أخوتي لا ينام ، فعلموا أولادكم كيف يكون الرجال أبطالا حتى وهم نيام ، ويا قومي ان ضاعت بنا الدروب ، واشتدت الأزمات والخطوب ، وضاعت في هذا الوطن الطريق فابحثوا عن الجيش إنه الطريق ، سينقذ في آخر المطاف كل غريق !

تحية يا رعيلنا العظيم من جيشنا الباسل العظيم، ولقائدنا الرمز ألف تحية.