استفتاء كردستان يجر إلى صدام بين الطالباني والبارزاني
قال مركز للدراسات الاستراتيجية مقره أبوظبي امس ان تداعيات استفتاء كردستان على الانفصال قد تنشئ حالة من الصراع الحقيقي بين السياسيين الأكراد وتدخلا عسكريا من قبل الحكومة المركزية في بغداد.
وأكد المركز الإستشاري الإستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية ان عملية أستفتاء أقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر 2017 أدخلت العراق والمنطقة بدائرة الخطر، والتغيير الجيوسياسي، بعدما قرر القادة الكرد توجيه الشعب الكردي في شمال العراق نحو هذه العملية، وتحديد خيار (الأنفصال) عن البلد الأم، كخيار وحيد لهم، متجاهلين طلب الحكومة المركزية بإلغاء هذه الخطوة لإسباب عدة.
ومن ابرز هذه الاسباب عدم دستوريتها، ولإن العراق برمته يسعى لإنهاء نفوذ التنظيم الإرهابي (داعش) فوق أراضيه، إضافة إلى شمول مناطق عديدة خارج إقليم كردستان بهذا الإستفتاء، وهي مناطق إصطلح على تسميتها ب"المتنازع عليها" تسيطر عليها قوات البيشمركة الكردية فيما يفترض أن تكون تحت سلطة القوات ألأتحادية حتى يتم حسم أمرها دستوريا وفق (المادة 140).
وأشار المركز في التقرير الذي قدمه د. فارس خطاب الباحث الإستراتيجي في المركز، إلى أنه وبالرغم من كل التنبيهات وحتى التحذيرات من العاصمة بغداد، سواء كانت تشريعية ممثلة بمجلس النواب العراقي أم تنفيذية من خلال مجلس الوزراء، أو تلك التي أتت من دول الجوار للعراق (تركيا، إيران، سوريا).
ورغم عدم إبداء أي بلد في العالم (بإستثناء إسرائيل) قبوله لما ذهبت إليه قيادة إقليم كردستان العراق، إلا أن الأستفتاء جرى في الوقت والصيغة التي أريد له أن يكون عليها.
وخرج الشعب العراقي الكردي داخل وخارج العراق ليقول (نعم) للأنفصال عن العراق وبنسبة تجاوزت الـ 92 بالمائة (بحسب المفوضية العليا للإنتخابات في الأقليم)، وهو ما قاد إلى تنفيذ بعض التحذيرات بإجراءات فعلية على أرض الواقع، كأوامر بغداد للسيطرة على المطارات الدولية في أربيل والسليمانية وكذلك منفذ إبراهيم الخليل الحدودي مع تركيا في منطقة زاخو.
يضاف الى ذلك عزم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على تعيين محافظ جديد لكركوك، وسيكون على الأغلب بصلاحيات حاكم عسكري مطلق لإدارة شؤون المحافظة، مدعوما بقوى أمنية وعسكرية ومن فصائل الحشد الشعبي، مع تحركات عسكرية مشتركة عراقية تركية وعراقية إيرانية، لإحكام الطوق على مناطق إقليم كردستان وخنقها ومن ثم إجبارها على التراجع وإلغاء نتائج الإستفتاء والعودة إلى الحالة التي سبقت سيطرتها على المناطق المتنازع عليها.
وأوضح تقرير المركز أن بغداد تستثمر اليوم في المادة 109 من الدستور العراقي، والتي تنص على أن مسؤولية "السلطات الاتحادية ان تحافظ على وحدة العراق ونظامه الاتحادي"، أي أن قوات الأمن الاتحادية، والمؤسسات التشريعية والوزارات والمحكمة العليا وغيرها يمكنها معاقبة الإقليم الساعي للانفصال حتى يعود عن هذا الأمر، وهو ما قامت وستقوم به حكومة العبادي وبتنسيق كبير مع أنقرة وطهران.
لكن في المقابل، فإن رئيس الاقليم مسعود بارزاني، وقد خطط لهذا الأمر، يرى أن هذه الخطوة التي دعا شعبه لإجرائها (الإستفتاء)، هي من الناحية الرسمية قائمة على أساس الحصول على نتائج قانونية ملائمة ومتطابقة مع قواعد القانون الدولي في موضوع حق الشعوب في تقرير مصيرها، مع إبقاء النتائج القانونية للإستفتاء تحت اليد وقت الحاجة، عندما تتبلور فكرة إستقلال الدولة على الصعد الوطنية والاقليمية والدولية.
كما يحاول أن يهرب من قواعد القانون الدولي إلى ما يشار إليه بحكم "العرف والعادة"، أي أسوة بأية حالة إنفصال جرت حول العالم، وهو ما سينطبق أيضا على حالات مشابهة في تركيا وإيران سواء فيما يخص مواطنيهم الأكراد أم سواهم.
لكن من المرجح أن مستشاري رئيس إقليم كردستان ربما لم يوضحوا له أهمية موافقة الحكومة المركزية الاتحادية للدولة ذات العلاقة (العراق) حيث تنص المادة (8) البند (4) من ميثاق حقوق الأقليات للأمم المتحدة أنه "لا يمكن القبول بأي إجراء يمكن أن تقوم به الأقلية، ضد سيادة ووحدة واستقلال الدولة"، وهو ما يرجح أن تشهد المرحلة المقبلة عددا من السيناريوهات المحتملة في العراق والإقليم وعموم المنطقة المتأثرة بهذا الإجراء، وبخاصة بعد وحدة الحراك الشعبي والحكومي عراقيا وإقليميا ودوليا إزاء معارضة الخطوة الكردية.
ويرىالمركز الإستشاري الإستراتيجي في تقريره أن أبرز هذه السيناريوهات المحتملة تتمثل بتنفيذ الحصار الإقتصادي التدريجي على الإقليم ومن قبل جميع دول الطوق، في حين أن إقليم كردستان ليس لديه منفذ بحري، وفي وقت يعتمد على وارداته وصادراته على الطرق البرية والجوية، وبخاصة أن الطريق الجوي قد تم تعطيله، بشكل شبه تام خصوصا بعد فرض بغداد حظرا جويا، ربما يمنع أي استخدام لاجواء الاقليم دون موافقة السلطات المركزية.
وهذا ما يرجح ان يكون الحصار الاقتصادي، سببا كافيا لتراجع الاقليم عن توجهه المطلق نحو التمسك بنتائج الاستفتاء، بسبب الضغط الجماهيري المتوقع والذي ربما بدت اولى بوادره خلال الايام الثلاثة التي اعقبت قرارات العراق وايران وتركيا بخصوص تقنين الحركة التجارية عبر الحدود مع اقليم كردستان، ووقف او تحديد حركة الطيران والمبادلات التجارية مع اربيل عاصمة الاقليم، والسليمانية.
اما حول تداعيات العقوبات الاقتصادية والسياسية على اقليم كردستان، يوضح "المركز الاستشاري الاستراتيجي" انها من المحتمل ان تدفع الى حالة من الصراع الحقيقي بين قطبي المعادلة الكردية (الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني والبارزاني) الذين عادة ما يوصفون بانهم " الاخوة الاعداء" الى واجهة الصدام مجددا بعد ان ارتاى حزب الاتحاد الوطني التابع للطالباني، ويتخذ من محافظة السليمانية معقلا رئيسيا له عدم التقاطع مع البارزاني لسببين اولهما ضعف الحنكة السياسية لدى قرينة جلال طالباني، السيدة هيرو والتي تتولى قيادة الحزب من بعد زوجها، وثانيهما خشية الطالبانيين من السير عكس حركة الجماهير الكردية المتعاطفة مع موضوع الاستفتاء.
هذا الصدام بين الحزبين والمدينتين قد يفضي الى اعلان السليمانية رفضها لنتائج الاستفتاء وبذلك تترك البارزاني وحده ليواجه الموقف المتأزم في عموم الاقليم. وأشار التقرير في هذا المجال، الى ان اعلان "الامم المتحدة لمبادئ التعاون والعلاقات الودية"، يؤكد على ضرورة عدم الاعتراف بالسيطرة الفعلية للدول والكيانات على مناطق اخرى بقوة السلاح او في اثناء وجود حالة عدم استقرار.
كما ان العراق مرتبط بمجموعة اتفاقيات مع جارته تركيا وبرعاية بريطانية واهمها اتفاقية عام 1926، هذه الاتفاقية تنص في مادتها الاولى على ان "العراق هو صاحب السيادة على الموصل"، وتشترط في المادة الخامسة على ان "الحدود بين العراق وتركيا لن تتغير"، وهذا ما يمنح تركيا حق التدخل العسكري او اي اجراء اخر، وفي 22 سبتمبر 2017 رفض مجلس الامن الدولي الاستفتاء قبل اجرائه بما يعني رفض كل ما يترتب عليه من اجراءات او تبعات بعد ذلك التاريخ.
وخلص تقرير المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية الى القول ان من المرجح بدرجة عالية ان تقبل الحكومة الاتحادية بالمبادرة التي تقدم بها اياد علاوي نائب رئيس الجمهورية لحل الازمة من خلال حوار يبدد صفحة المحاصصة الطائفية والعرقية، التي اسست لحكم البلاد، وادت الى ما هي عليه الان من نتائج، وقد وافق عليها السيد البارزاني، وهو ما قد يطوي صفحة قديمة والشروع بصفحة جديدة من الأمن والسلام وسيادة ووحدة الدولة العراقية.