الشطرنج الليبي.. من يقدر على إنقاذ البلد؟



أدى إسقاط نظام معمر القذافي وانهيار السلطة إلى ظهور عدة مراكز إدارية في ليبيا بل لا يوجد لها الحكم الشرعي في اطار كل البلد. فيمكن الكشف هنا أنه يسعي بعص الزعماء إلى تحقيق المصالح الشخصية إضراراً للمصالح الوطنية وكذلك انقسام البلد إلى الأجزاء المتعددة. وتم انقسام ليبيا إلى 3 مناطق منفصلة فيما بينها طرابلس، برقة وفزان. إضافة إلى ذلك ظهرت في ليبيا الولايات المختلفة في اطار المدن مثل مصراته والزنتان وسرت وغيرها. وأدى ذلك إلى المواجهات الكثيفة بين القبائل والعشائر.
في نفس الوقت تحاول الأمم المتحدة اتخاذ الإجراءات من أجل وضع الاستقرار في ليبيا. تحت رعاية الأمم المتحدة تم توقيع الاتفاق السياسي الليبي في ديسمبر 2015، وتم انشاء الاتحاد الرئاسي وتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فايز السراج. ومنح هذا الاتفاق الأسس القانونية لمجلس النواب الذي تم اختياره في مدينة طبرق شرق ليبيا والذي يدعمه قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.
على الرغم من كل الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة تستمر المواجهات بين الجماعات المتطرفة الإسلامية والقبائل والعشائر والعصابات المجرمة ما يؤدي إلى الحرب الأهلية ولها الأسباب التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبينها التدخلات الخارجية من قبل الدول الأخرى. على سبيل المثال تدخل دول الناتو في 2011 رغماً على قرار الأمم المتحدة رقم 1973 حوّل ليبيا إلى ملاذ مناسب للجماعات المتطرفة والإرهابية ومركز الاتجار بالبشر وبالمصادر الطبيعية الرخيصة.
أما الآن فتنقسم ليبيا إلى المنطقتين على طول محور الشرق – الغرب وتقع المنطقة الشرقية تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي. في مطلع يوليو استعادت تشكيلات الجيش الليبي السيطرة على بنغازي ووضعت هناك الاستقرار النسبي.
مع ذلك في المنطقة الغربية تم تحويل التوتر بين أنصار فايز السراج وحكومته الوفاق الوطني من الجانب وأنصار خليفة الغويل و حكومته الإنقاذ التابعة للمؤتمر الوطني العام من الجانب الثاني إلى الاشتباكات المباشرة في نهاية مايو العام الجاري.
يجب الإشارة إلى أن أصبح الجزء الجنوبي للبلد ميدان القتال بين قوات الشرق والغرب، بين العشائر والإرهابيين وتعتبر اغتيالات أنصار خليفة حفتر في مدينة براك الشاطئ مطلع مايو 2017 بأيدي متطرفي "القوة الثالثة" (من مصراته) تأكيداً لذلك.
من الواضح أن الوضع صعب جداً ويتفاقم كذلك بسبب نشاط الجماعات السلفية المسلحة (التي تتبع الأيديولوجيات المختلفة) والتي تتقاتل غرب البلد وبينها "فجر ليبيا" و "مجلس شورى ثوار بنغازي" و"أنصار الشريعة" و" كتيبة شهداء 17 فبراير" و"درع ليبيا" والجماعات الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك تستخدم الغرب الوسائل الأخرى التي تمثل تهديداً جدياً لعدم الاستقرار في كل المنطقة وهي "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"الإخوان المسلمين".
من الجدير بالذكر أن يلعب المشير حفتر الدور الرئيسي في مكافحة "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"  وهو يستمر اتخاذ الإجراءات بتصفية الجهاديين في الأراضي الليبية وخاصة في منطقتي سبها وسرت. بعد هزيمة المتطرفين في مدينة سرت في نهاية يوليو هربوا هم نحو 3 اتجاهات فيما بينها جنوب غرب (نحو مدينة سبها) وغرب (نحو مدينة صبراتة) وجنوب شرق (نحو الحدود مع السودان). أن صعوبة مواجهة الجماعات الإرهابية تكمن في تجنيدها العدد الكبير من الشباب المتطوعين من تونس والجزائر ومالي وتشاد والنيجر والدول الأفريقية الأخرى وكذلك في انضمام إليها الإرهابيين الذين فروا من سورية والعراق.
أما المنطقة الشرقية فهناك تم وضع الاستقرار في الوقت الراهن خلافاً للأوضاع في المنطقة الغربية حيث توجد الفوضى بسبب عدم توفر الوزن السياسي عند فايز السراج وحكومة الوفاق الوطني وكذلك بسبب تنوع الجماعات السلفية والاختلافات بينها.
على الرغم من ولاء هذه الجماعات للسراج فلا تطوع لأي زعيم سياسي في الوقعي. على سبيل المثال سمحت قوات هيثم التاجوري (التي تدعم حكومة الوفاق الوطني بالشكل المزعوم) باستيلاء وحدات خليفة الغويل على بعض المباني الوزارية في طرابلس في أكتوبر عام 2016. بالإضافة إلى ذلك تظهر الأسئلة حول شرعية دعم السراج لهذه الجماعات الإرهابية ومن المحتمل هو يستخدمها كوسيلة ضد خليفة حفتر الذي يكتسب المزيد من الشعبية بين آهالي ليبيا.
يمكن استنتاج أن خلافاً لرئيس الوزراء فائز السراج يعتبر المشير خليفة حفتر شخصية عسكرية سياسية بارزة على لوحة الشطرنج الليبية فهو قادر على تجميع وتوحيد القبائل والعشائر تحت العلم الواحد وتقييد تدفقات المهاجرين غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي وتصفية التنظيمات الإرهابية "داعش" و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"الإخوان المسلمين" وهكذا سيستأنف الدولة القانونية في ليبيا.