اليمن يعوم عملته

بشكل مفاجئ، أقر البنك المركزي اليمني، الخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية، تحرير سعر عملته المحلية "الريال”، بعد أكثر من عام على تثبيت أسعار الصرف رسميا، وبقائها خارج السيطرة في السوق السوداء.

ومع ذلك لم يحمل القرار جديدا بالنسبة لسعر العملة، فالبنك وحده الذي كان يتعامل بالسعر الرسمي (250 ريال مقابل الدولار)، أما البنوك التجارية وشركات الصرافة، فكانت تتعامل بسعر السوق الذي يرتفع إلى 380 ريالا، في بعض الأحيان.

ويأتي قرار تعويم الريال، وسط أزمة اقتصادية تعيشها البلاد منذ اندلاع الحرب في البلاد (قبل أكثر من عامين)، فيما يقول خبراء إنه سيضاعف الأعباء الاقتصادية على المواطنين.

وما يعزز ذلك أن الخطوة تتزامن مع عدم صرف رواتب الموظفين الحكوميين، في عدد من المحافظات، لفترة تزيد عن 9 أشهر.

** قرار التعويم

وأكد البنك المركزي، في وثيقة مؤرخة بتاريخ أمس الأول الإثنين، اطلعت عليها الأناضول، أن "سياسة إدارة سعر الصرف قائمة رسميا على أساس التعويم، وليس ترتيبات التثبيت”.

وألغى البنك، اعتبارا من أمس الثلاثاء، التعامل بسعر الصرف المثبت على أساس 250 ريالا مقابل الدولار الأمريكي الواحد.

ودعا المركزي اليمني البنوك التجارية والإسلامية، إلى التعامل في الجمهورية اليمنية، بسعر الصرف السائد في السوق السوداء للدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى.

** شح النقد الأجنبي

وبالنسبة إلى الخبير الاقتصادي اليمني "أحمد سعيد شماخ”، فإن عملية التعويم هي قائمة فعلاً قبل اتخاذ القرار، "لأن البنك المركزي لم يعد لديه احتياطي من النقد الأجنبي، وبالتالي فقد أدواته التي يمكن أن يساهم بها في تثبيت السعر”.

وأضاف "أنه لم يعد أحد يتعامل مع البنك المركزي، الذي أقر سعرا محددا للصرف، لكنه لا يدعم القطاع المصرفي، ولا يضخ إلى السوق الأموال النقدية المطلوبة من العملة الصعبة، للحفاظ على السعر المطروح”.

وزاد "شماخ”، في تصريح للأناضول "السوق السوداء هي من تحدد أسعار الصرف، أما البنك المركزي فقد كل أدواته”.

ويواجه اليمن أزمة حقيقية في نقل الأموال من الخارج إلى الداخل، فيما تقوم غالبية المؤسسات الإنسانية والأممية، بتقديم الدعم مباشرة للمستحقين.

يضاف إلى ذلك، أن الغالبية العظمى من الأموال داخل البلاد تتحرك خارج القنوات الرسمية (البنك المركزي والمصارف)، عدا عن تلف أكثر من 60 بالمائة من النقد، وعدم استبداله بآخر مطبوع حديثا.

** الفقراء في الواجهة

ويرى مطلعون أن التعويم لن يهز السوق أو يرفع الأسعار بنسب عالية، كما حصل مع مصر تماما، بل سيكون تأثيره أقل حدة، نتيجة لتعامل القطاع المصرفي بأسعار الصرف في السوق السوداء سابقا.

وبالمقابل، يعتقدالخبير الاقتصادي اليمني مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أن القرار "سيكون له تأثير سلبي على أسعار المواد الاستهلاكية (..) سيكون هناك ارتفاع في الجمارك، وبالتالي سيؤثر ذلك على أسعار المواد”.

وأوضح أن الحكومة ستستفيد قليلا مع ارتفاع أسعار الجمارك، لكن الفائدة ستكون محدودة بسبب محدودية وصول الإيرادات إلى البنك المركزي جراء الأوضاع الراهنة.

والتأثير الأكبر، يضيف نصر، "سيكون على الطبقة الفقيرة من المواطنين، نظرا لأن اليمن بلد مستورد، وإضافة أعباء جديدة على فاتورة الاستيراد ستكون كلفته أكبر على المواطنين”.

ولفت إلى "أن القرار سيخدم بعض البنوك التي لديها أموال وتركزات واستثمارات بالدولار (..) ذلك سيجعل قيمتها أعلى مما هي عليه بالسعر الرسمي”.

وسيكون لقرار التعويم انعكاسات سلبية، على التعاملات الرسمية التي كانت تعتمد السعر الرسمي، ومنها الجمارك التي ستصعد بنسبة موازية لارتفاع سعر الصرف البالغة 45 بالمائة، وانعكاس الزيادة على المستهلك النهائي.

وبحسب نصر "لن يؤثر القرار على البنوك، لأنها عمليا تتعامل بسعر السوق السوداء وهو خاضع للعرض والطلب”.

ويأتي قرار التعويم، فيما بات الفقر والجوع يهددان حياة نحو 19 مليون يمني مع استمرار الحرب والحصار، في ظل نقص شديد للمواد الغذائية، وغياب غير مبرر للمنظمات الدولية.

والشهر الماضي، أكمل موظفو الجهاز الإداري للدولة في اليمن شهرهم التاسع دون أن يتقاضوا رواتبهم المتوقفة جراء الصراع الاقتصادي بين الحكومة الشرعية وجماعة "الحوثي” على البنك المركزي.

** نهب المركزي

وقال مصدر رفيع في فرع البنك المركزي اليمني بمحافظة "مأرب”، أن "الرصيد الاحتياطي من العملة الأجنبية لدى البنك المركزي انتهى بسبب نهبه من طرف الحوثيين”.

وأضاف المصدر للأناضول، مفضلاً عدم نشر اسمه "البنك لم يعد يقدم شيئا لافتا (..) لا ضخ أموال في السوق، ولا سيطرة على البنوك لصرف العملة بالسعر الرسمي”.

لكنه رأى أن قرار التعويم، "قطع الباب أمام المبتزّين من الصرافين، وأصحاب البنوك التجارية”.

ومنذ 2014، اشتدت حرب الحكومة الشرعية ضد الحوثيين وقوات حليفهم، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قبل أن تدخل السعودية، بطلب من الرئيس عبد ربه منصور هادي، لقيادة حلف عربي، لصدهم، في مارس/ آذار 2015.