ادلب تشكل لحظة افتراق بين الخصوم والحلفاء في الصراع على سورية

يرى مراقبون أن الصراع على حسم أمر محافظة ادلب السورية التي اصبحت بؤرة مركزية للمجموعات المسلحة سيشتد في مقبل الأيام، لكن احدا لم يتوقع ماهية السيناريوهات التي سترسم المشهد النهائي في هذه المنطقة، التي لا يبدو انها ستتشابه في نهاية الصراع مع محافظة حلب التي انتزعها الجيش السوري من المسلحين اواخر العام الماضي.
فصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، تتوقع ان ينفرط عقد "الترويكا السورية"(روسيا. ايران. تركيا) خلال الصراع على حسم أمر منطقة ادلب التي اصبحت ملاذا للمجموعات المسلحة بعد هزائمها المتتالية في سورية.
وتطرقت الصحيفة إلى لقاء "ثلاثية" العمل الروسية، التركية والإيرانية في طهران لبحث الهدنة في المحافظة الأكثر إشكالية - إدلب، لافتة الى ان اجتماعات مجموعات العمل الروسية الإيرانية التركية التي بدأت في طهران أول من أمس تبحث في مهمة تعزيز الهدنة في مناطق تخفيف التوتر المتفق عليها، ومحاولة استخدام الأسلوب نفسه، الذي استخدم في مناطق أخرى. ومن بين هذه المهمات التوصل إلى الهدنة في محافظة إدلب أكبر معاقل المتمردين، مع أن التوصل إلى اتفاق بشأنها ليس سهلا.
وقالت الصحيفة، أنه يجب أن يستمر لقاء هذه المجموعة على مستوى الخبراء يومين. وقد أعلن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في منتدى آسيان أن "الحديث سوف يستمر خلال اللقاء عن كيفية تعزيز نظام مناطق تخفيف التوتر في سورية. وكما تعلمون، هناك حاليا ثلاث مناطق في جنوب البلاد والغوطة الشرقية وشمال حمص. والآن، يجري العمل لتحديد المنطقة الرابعة التي هي الأكبر والأعقد في محافظة إدلب". وقد أكد لافروف أن هذه المحافظة تقع تحت سيطرة المتمردين إضافة إلى مجموعات "الجهاديين". أي أنها الأكثر إشكالية مقارنة بالمناطق السابقة.
ولم يستبعد الوزير الروسي أن يتطلب تحديد منطقة تخفيف التوتر في إدلب مساعدة الولايات المتحدة، وقال: "نحن ننطلق من أن "الثلاثية" ولاعبين آخرين، بمن فيهم الولايات المتحدة، لديهم تأثير في جميع المجموعات المسلحة، باستثناء الإرهابية التي لن يشملها أي اتفاق. فإذا استخدمت روسيا وتركيا وإيران والتحالف الأميركي نفوذها بصورة متزامنة على لاعبين محددين يواجهون بعضهم بعضا والسلاح في أيديهم، فإن التنازلات ستساعد على وقف إطلاق النار، وسوف تتهيأ الظروف للعملية السياسية".
من جانبه، قال الباحث العلمي في المعهد الملكي الموحد للدراسات العسكرية (RUSI) مايكل ستيفينس للصحيفة إن "التوصل إلى حل لمحافظة إدلب سيكون صعبا للغاية، لأنه ليس لدى أي قوة خارجية النفوذ اللازم عليها لمراقبتها والتحكم بما تقوم به المجموعات الأساسية المسلحة هناك، وخاصة تحالف "هيئة تحرير الشام" الذي يضم "جبهة النصرة". أي ليس هناك ما يضمن تنفيذ أي اتفاق بشأن منطقة تخفيف التوتر. الأتراك هنا هم القوة الأساسية في محاربة "هيئة تحرير الشام"، ولكن كما يبدو فهم غير قادرين على عمل شيء ما. وأعتقد أن هذا هو العامل الحاسم الذي يحركهم للتقارب مع روسيا في مسألة إنشاء منطقة تخفيف التوتر في إدلب".
ويؤكد ستيفينس أنه لفهم البديل السياسي لـ "هيئة تحرير الشام" في إدلب بعد الانتصار عليها، من الضروري أن ننظر إلى كيفية رسم روسيا لمصالحها السياسية في هذه المحافظة. وقال: "برأيي لن يكون بمقدور الأسد العودة إلى إدلب قريبا. لذلك فإن هذه المنطقة هي المكان الرئيس الذي منه يمكننا التوضيح للعالم التنازلات السياسية لمختلف الأطراف في سورية. وأقول بصدق إنني لا أرى حلا قريبا لإدلب. وإن ما يقلق هو قدرة "هيئة تحرير الشام" فتح طريق مباشر إلى حدود دولة عضوة في الناتو (المقصود تركيا)".
ويقول كبير الأساتذة في قسم العلوم السياسية بمدرسة الاقتصاد العليا في موسكو ليونيد إيسايف، إنه سيكون على اللاعبين في محافظة إدلب دمج استراتيجيتين متعارضتين: "من جانب الالتزام بنظام الهدنة، ومن جانب آخر محاربة المجموعات الإرهابية وفي مقدمتها "هيئة تحرير الشام". وهذه دائما مشكلة، وخاصة عندما لا تكون الحدود واضحة بين "هيئة تحرير الشام" ومجموعات مسلحة أخرى غير إرهابية". ويضيف إيسايف أن الاستفزازات في مثل هذه الظروف تزداد من هذه الجهة أو تلك. وهذا "يجعل هذه المنطقة معقدة جدا لتحقيق مهمة تخفيف التوتر الذي حددته مفاوضات أستانا".
ولا يستبعد إيسايف أن تكون محافظة إدلب قد خصصت لتكون ضمن مجال النفوذ التركي، ولكن "الأحداث الأخيرة تشير إلى أن تركيا حرمت من حرية المناورة هناك بعد وصول "هيئة تحرير الشام" إلى إدلب وتحولها عمليا إلى إحدى أقوى المجموعات في المحافظة. وقد كان الأتراك يؤثرون عبر مجموعات موالية لهم. بيد أن هذه المجموعات ضعفت إلى درجة اضطرت معها إلى تسليم مركز المحافظة. ونظريا تستطيع تركيا إرسال قواتها، بيد أن هذا ليس الخيار الأفضل لأنقرة، لأني أشك في موافقة طهران ودمشق عليه، وخاصة أنه يعرض للخطر اتفاقات أستانا".
ميدانيا، ما يزال الوضع في غوطة دمشق الشرقية صعبا للغاية بالرغم من استمرار مفعول سريان مذكرة تخفيف التوتر في سورية، وذلك بسبب تجدد المواجهات الدموية بين فصائل مسلحة تنشط في المنطقة.
وتتضارب معلومات صادرة عن أطراف النزاع المستمر في الغوطة الشرقية منذ نيسان (ابريل) المنصرم بين "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقا) و"حركة أحرار الشام الإسلامية" من جهة و"فيلق الرحمن" و"جيش الإسلام" من جهة أخرى.
وأفاد "جيش الإسلام" أول من أمس أن مسلحيه سيطروا على كتل واسعة من مزارع الأشعري، علاوة على مسجد ومدرسة في المنطقة، ويلاحقون فلول جبهة النصرة "لتخليص الغوطة الشرقية وأهلها من شر هذا التنظيم وخبثه".
في غضون ذلك، أعلن "فيلق الرحمن" عن شنه هجوما على مواقع لـ"هيئة تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام" المتحالفة معها في بلدات كفربطنا وعربين ومديرا، وأكد نشطاء سوريون أن اشتباكات عنيفة تدور في محاور داخل مديرا، إذ تحاول "أحرار الشام" إحراز تقدم وتطالب "الفيلق" بتسليم المنشقين وإعادة أسلحتهم.
ونقلت صحيفة "الوطن" السورية، عن مصادر محلية قولها إن جولة جديدة من الاقتتال في الغوطة بدأت مطلع الأسبوع الحالي بانشقاق نحو 250 عنصرا من "أحرار الشام" وانضمامهم إلى "فيلق الرحمن"، مما دفع "النصرة" إلى شن هجوم على مقرات "الفيلق" لإخراجه من كفربطنا.
وذكر النشطاء أن مسلحي "هيئة تحرير الشام" أطلقوا من جانبهم النار على مئات المواطنين الذين خرجوا إلى شوارع في محيط مدينة عربين احتجاجا على تواجد "الهيئة" في المنطقة، دون ورود أنباء عن خسائر بشرية.
في الوقت ذاته، ما تزال الخلافات بين "الحليفين" قائمة إذ كذّب "فيلق الرحمن" تصريحات "جيش الإسلام" بشأن وجود تنسيق بينهما، متهما "الجيش" باستغلال مواجهاته مع "الهيئة" لبدء التقدم في منطقة الأشعري، خلافا لوعوده السابقة.
من جانبه، استفاد الجيش السوري من الوضع الذي يسود المنطقة لمتابعة تقدمه إلى مواقع لـ"النصرة" بحي جوبر ومنطقة عين ترما غير المشمولين باتفاق الهدنة، إذ استعاد سيطرته، بعد تمهيد صاروخي وجوي مكثف، على القطاع الأوسط والأبنية المرتفعة في عين ترما وعدة كتل موازية لطريق زملكا-جوبر، إضافة إلى عدد من الكتل على محور دوار المناشر وجحا في عمق حي جوبر، حسبما ذكرته صحيفة "الوطن".
أما بخصوص مناطق أخرى من البلاد، فنقلت مواقع معارضة عن "المجلس المحلي" في قرية أم باطنة شرق مدينة القنيطرة جنوب سورية، أن 83 عائلة نازحة عادت إلى قراها، بعد تثبيت اتفاق وقف التصعيد في المنطقة.
كما نقلت عن رئيس المجلس المدعو أبو علاء قوله: "إن قرابة 50 عائلة عادت إلى قرية الخالدية، و40 إلى قرية ممتنة، فيما عادت ثلاث عائلات فقط إلى أم باطنة، وذلك خلال شهر"