في ضرورة مراقبة الأجور الطبية وتكاليف المستشفيات وتفعيل لوائِحها

في ضرورة مراقبة الأجور الطبية وتكاليف المستشفيات وتفعيل لوائِحها
قبل أعوام قليلة نُشِر مقالٌ بقلمي في جريدة الرأي  بعنوان "المرضى الذين يتوافدون إلى الأردن للعلاج أمانة في أعناقكم" وقد استهللتُ المقال بالإشادة إلى ما وصلنا إليه من مستوىً طبيٍ وأثنيتُ فيه على نُخَبِ الأطباء مِن أصحاب الكفاءة العالية الذين يعملون بضميرٍ حيٍ وحِسٍ إنسانيٍ. وقد نبَّهتُ في المقال نفسه إلى أننا نُصِر أن تبقى صورة بلدنا ناصعةً أمام الجميع، ونخص بالذكر أمام مَن يتوافد للاستشفاء، وبيَّنتُ ما تتعرضُ له نسبة غير ضئيلةٍ من ممارسات مختلفة وصلت إلى حدِّ جعلهم عُرْضَةً للمُتاجرة والإستغلال والاستثمار، بل والسَّمسرة في حالاتٍ. مِن ذلك أن يعتبر بعض الأطباء- ولا نُعَمِّم- أن المرضى الذين يتوافدون إلى عياداتهم يُشكِّلون صيدهم الثمين وفرصتهم السانحة، حيث يتقاضَون منهم أجوراً تزيد عن تلك التي يتقاضونها من المريض المحلي، وإنْ استخدم الطبيب جهازاً من أجهزة الفحص المتوفرة في عيادته حوسِب المريض عليه وكلما أحضر المريض نتيجة فحص ولو في اليوم الثاني تم استيفاء أجرة كاملةٍ وهكذا! كما أشرتُ لممارسات تتمثلُ بتداول المرضى بين شريحةِ أطباء -تربطهم صداقات - عن قصدٍ، بذريعة مزيدٍ من المشورة والرأي دون حاجة تقتضي ذلك كما يتضح الأمر فيما بعد، مَا يُرهق كاهل المرضى مادياً!
كما ولَفَتُّ إنتباهَ من يعنيهم الأمر إلى ظاهرةٍ تتمثَّل في توجيه أطباءَ لمرضى يُشرفون عليهم - دون ضرورة تتطلبها الحالةكما يتبين الأمر - إلى الأخصائي الفُلاني ثم إلى غيره فغيره! فتجد هذا يطلب فحوصات وتحاليل، وذاك يطلب فحصَ رنينٍ مغناطيسي أو طبقي محوريٍ من مستشفى أو مركز محدد، وغيره يطلب صُور أشعة أو فحوصات بالمناظير لمواقع في الجسم، وغيره يطلب مخططاتِ للأعصاب والعضلات والدماغ وصدى القلب وهكذا من فحوصات متنوعة. ومع تكاليف ذلك كله بالإضافة إلى مصاريف التنقلات يجيء تعبُ المريض من تلك الجولات المُضنية بالإضافة إلى حَيرته وارتباكه وقلقه كلما وُجِّه لإجراء فحص جديد! وإذا كانت بعض تلك الفحوصات ضرورية لتشخيص حالة المريض، فإن فحوصات كثيرة غيرها يتكشّفُ عدم ضرورتها كما يؤكد أطباء يُشْهَدُ بعلمِهم الواسع وخبرتِهم ومصداقيتهم على مدى سنوات عُمُرِهِم!
والآن ومع الإنخفاض الملموس لِنِسَبِ المرضى الذين يَفِدونَ للأردن، ليس للظروف التي تمر بها بلدانهم فحسب ،بل للإستغلال غير المبرَّر من شرائح مختلفة.. فإننا إبتدأنا نسمعُ ومن فترة غير قصيرة تظلماتٍ وشكاوى من أبناء الأردن والعاملين على أرضه أيضاً، تُماثِلُ على نحوٍ لِما جرى ذِكرُه في هذا المقال. بالإضافة لعدم التزام نسبة من أطباء الإختصاص بلوائح الأجور الطبية، بل والمبالغة فيها..بما في ذلك أجور العمليات الجراحية البسيطة وغيرها والقيام باستيفاء حدِّها الأعلى، والحال عينه في عدم تقيد بعض المستشفيات بلوائح الإجور المقررة رسمياً، مع عَجب المواطن من عدم تنفيذ الأوامر القاضية بتعليق لوائح ظاهرة للعيان تبين تكلفة الإقامة في الغرف وتكاليف العمليات المختلفة وأجور الأطباء وغير ذلك.. كيلا يتعرض المريض ومَن يُنفق عليه لصدمةٍ عند تقديم الفاتورة النهائية التي تُثقِل كاهله فيتعذر عليه تسديدها إلا بعد إستدانةٍ من هنا واستجداء العون من هناك! ولا بُدَّ من مراقبة الشكاوى المتعلقة بأجور زياراتِ الأطباء لمرضاهم في المستشفيات، إذ كلما حضرَ الطبيب ولو لدقيقتين من الزمن سجَّل أجرة مرتفعة، ومن المرْويَّاتِ أن اتصال المستشفى مع الطبيب المعالج لأي سببٍ يُعتبرُ وكأن الطبيب قد قام بزيارة مريضه في المستشفى فيُحسَبُ له أجرة على ذلك! ومن المرْويَّاتِ أيضاً أن مستشفياتٍ تعتبر نفسها خمس نجوم تُعامَل فيها أتعاب الولادة الطبيعية كما خمسة أضعاف أتعاب القيصرية! قد يكون الرد لجميع ما سبق ذِكرهُ : ولماذا لا يتقدم من لديه شكوى او تظلُّمٍ للجهات المعنية ليصار إلى التحقيق والمتابعة؟ غير أننا نرى صعوبات تحْكُم ذلك.. وفتح هذا الملف يحتاج لمقال آخر!
إن كشف السلبيات والممارسات الخاطئة في أي صعيد يخصُّ مصلحة الناس ووضعها أمام من يعنيهم الأمر بشفافية وصراحة مسألة ينبغي الترحيب بها وتقبلها بحسٍ وطني فالجدية في الإصلاح التي نعمل على تفعيلها تتطلب عدم التلطي وراء المعاذير والحِجج ، بل التفعيل والمتابعة والمراقبة والمحاسبة.
وتبقى ثقتنا كبيرة بوزارة الصحة ونقابة الأطباء الأردنيين والجهات المعنية الأخرى حيث ببعد نظرهم وأدواتهم يمكن اجتثاث جميع التجاوزات والممارسات حيثما وقعت كذلك محاسبة كل من يستغل أو يستثمر المرض خارج المستشفيات أو داخلها أو يتاجِر عليهم .