ما هكذا تورد الابل
شهدت الأيام الأخيرة موجة عالية من التصعيد في الشارع الأردني تعبيرا عن السخط الشعبي على أحداث جريمة السفارة الاسرائيلية وما يتفق عليه الجميع أنها جريمة نكراء تعبر عن سوداوية اليهود ، لكن قرارات الحكومة الهشة والهزيلة في التعاطي مع الموقف واحتواء ردود الفعل لم يكن بالسرعة المطلوبة ، فتأخر وزير الداخلية في الحديث عن الموضوع وتأخر تفسير الجهات المختصة لأسباب سفر القاتل وضعت الرأي العام في دائرة الإرباك والسخط والشعور بانتقاص الكرامة ، فليس الفلاح ولا ابن القرية الذي يمضي نحو قوت يومه على دراية بالاتفاقيات والمعاهدات أو حتى يدرك طبيعة المجتمع الدولي ، فهو لا ينتمي إلا للأردن قيادة وارضا ولا يعرف أمرا أخر ، فشريحة كبيرة وقعت في مغالطات عن اسباب التسفير وماحدث وما الذي سيحدث نتيجة صمت الحكومة وتباطئها الشديد في التصرف ، وفقدانها لآلية الاستجابة السريعة والواضحة والجريئة في التعاطي مع الأزمات ، فبعد ان انفجرت الصفحات الاخبارية بالتعليقات الساخطة والغاضبة من تصرفات الحكومة ، جاءت الحكومة لتوضح ماحدث بل واضطرت نتيجة الاهمال والصمت اللامعقول أن تخاطب صغار العقول قبل كبارها ، لتوضح هذه الإشكالية
ومن جهة أخرى جاءت استعراضات بعض النواب تعبيرا عن خنقهم وغضبهم مما حدث ، ولو اننا نستطيع تقسيمهم لأصبحوا في إطار فئتين الأولى : التي ركبت موجة الغضب وهم أولئك الذين وضحوا للرأي العام كمية الجهل والاضمحلال السياسي الذي لديهم ، فلو أن أحدهم خرج ليفسر سبب خروج القاتل لما تأجج الغضب اكثر ، واما الفئة الثانية : فهي التي بحثت عن الشهرة الزائفة وهم المعلنون غضبهم الكلي مما حدث بل وطالبوا بطرد السفيرة وذلك ليس إلا استعراضات مزركشة بالوطنية محاولة منهم لإرضاء ناخبيهم وكسب الرأي العام ، فاستهتارهم لن تشفع له مطالباتهم بطرد السفيرة ، وأما عدم مراقبتهم لأداء الحكومة فقد أوصلهم لمرحلة انعدام الثقة بينهم وبين ناخبيهم ..
وما بين أخطاء الحكومة وضعف الدور الرقابي لمجلس النواب ، فتح الباب بقوة لعشاق البلبلة وصناع الفتن وسماسرة الأوطان وكتاب التطرف ولكل من يراهن علينا ولكل من يساوم على هذا الوطن ولأصحاب الأجندات ما كان منها على المستوى الداخلي وما كان على المستوى الخارجي ، ولكل من يؤجج للفتن ويحشد الرأي العام ليخدم مصالحهم الخاصة على حساب الكرامة والوطنية والحرية ..
فكان الأولى بالحكومة منع حدوث أي نوع من أنواع الاحتقان الشعبي والغضب .. ليتم سد مآرب العابثين نحو الفتنة..
فمنذ البداية لو خرجوا بمؤتمر يوضح جانبا من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وجانبا من مسؤولية الدولة في حفظ كرامة مواطنيها لما حدثت هذه الاساءات
فالشعب الأردني جراء حبه وحرصه على الوطن متحمل دوما للأعباء الاقتصادية والغلاء الفاحش والضرائب وأسعار المحروقات ورفع الدعم وجميع السياسات التقشفية التي تمارسها الحكومة لسد العجز ، إلا انه لن يقبل على الإطلاق بأن تجرح كرامته أو أن يتم التلاعب بها.