الأقصى أمانة لدى عبدالله الثاني ..الفارس الذي يصون الأمانة
كان ذلك اليوم جمعة ويصادف 20 تموز عام 1951، حين كان جلالة الشهيد الملك عبد الله المؤسس يقف على عتبات الأقصى ونالت منه رصاصة غادرة فسال دمه الطهور على عتبات الأقصى وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها، وبعد مرور 66 عاماً على عملية الاغتيال يقوم اليمين واليمين المتطرف الإسرائيلي بمحاولة جديدة لتغيير الوضع القائم بالأقصى، عبر نشر بوابات إلكترونية ومحاولة زرع كاميرات مراقبة على بوابات الأقصى، ومنع المصلين من الصلاة داخل باحات المسجد الأقصى.
وفي ظل تراجع واضح للحالة العربية بسبب ما تشهده المنطقة من حروب أهلية وغير أهلية تستنزف الموارد والمشاعر والانتباه، وتدفع القضية الفلسطينية بما فيها قضية المقدسات الإسلامية في القدس إلى مراتب متأخرة على سلم الأولويات العربية، في ظل كل ذلك إلا أنها ظلت قضية الأردن الأولى، يحملها جلالة الملك عبد الله الثاني إلى كل المحافل الدولية، وحين يصر الغربيون على قراءة المشهد في المنطقة بطريقة مجزوءة أو تحت تأثير اللحظة الراهنة، فإن جلالة الملك يعيد ضبط الصورة واضحة أمام عيونهم ويشير بوضوح إلى مركزية القضية الفلسطينية وفي قلبها قضية القدس.
وحين استطاعت الحكومة الإسرائيلية السطو على الحرم الإبراهيمي وتقسيمه مكانياً وزمانياً بحيث اعتبرت جزءاً كبيراً منه يخص التراث اليهودي، كان الأردن ينتزع قراراً من منظمة اليونيسكو الدولية تؤكد أن مصطلح الحرم القدسي الشريف تعني المسجد الأقصى أيضاً، وأن المسجد الأقصى يمثل تراثاً إسلامياً لا علاقة لليهود به، وهذه المعركة الدبلوماسية التي تؤكد الحقيقة التي ندركها جميعاً وتم إعلانها على الملأ عالمياً انتصر بها الأردن بتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني.
خلال شهر تموز الحالي استطاع عبدالله الثاني خادم الحرم القدسي الشريف الضغط على إسرائيل مرتين وتحقيق ما أراد، ففي المرة الأولى استطاع فتح بوابات الأقصى أمام المصلين بعد أن قامت إسرائيل بإغلاقها في وجه المصلين، وفي المرة الثانية أجبر الإسرائيليين على إزالة البوابات الإلكترونية بعد أن أقاموها في أماكن مختلفة في القدس الشرقية.
كل هذه الجهود كللت مسعى عبدالله الثاني بوقف انتقال السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، وهو ما كانت تسعى إليه الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، الذي وعد خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة إلى القدس باعتبارها العاصمة الموحدة والتاريخية لإسرائيل، مدعوماً برغبة مستشاره الأول وزوج ابنته جاريد كوشنر، وبضغوط من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وبرغبة عارمة لدى سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل بممارسة عمله من القدس كما عبر عن ذلك أكثر من مرة، ورغم كل هذا الثقل الذي يرمي لنقل السفارة إسرائيل للقدس، استطاع جلالة الملك عبد الله الثاني من نزع فتيل الأزمة قبل وقوعها وإقناع الإدارة الأمريكية بعدم الإقدام على هذه الحركة التي ستؤثر على استقرار المنطقة وتمس حقوقاً فلسطينية معترف بها دولياً، وهي أن القدس الشرقية تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي.
ما تؤكده الأزمات الأخيرة التي تعرض لها الأقصى أنه في الوقت الذي يستغل البعض هذه الأزمات للدخول في حرب شعارات وادعاء بطولات غير حقيقية، يقوم جلالة الملك بحرفية مقاتل حقيقي بفكفكة الأزمة واستخدام ثقله الدولي وحكمته وإدراكه للمفاصل الحقيقية للأزمة لإفشال أية محاولة للانقضاض على الأقصى أو القدس أو القضية الفلسطينية برمتها، فهو كفارس وابن الحالة العسكرية يدرك ثقل التاريخ ودم جده مؤسس المملكة على عتبات الأقصى، ويدرك المسؤولية الملقاة على عاتقه كخادم للحرم القدسي الشريف، وعظم الدور المطلوب منه، والذي لا يستطيع سواه القيام به، فالقدس بأقصاها وقيامتها أمانة في عنقه، وهو من اعتاد على حماية الأمانة.